صفحة الكاتب : د . احسان الغريفي

رؤية الله و التطرُّف الفكري! الحلقة الرابعة  
د . احسان الغريفي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   يرى بعضُ المخالفين لمذهب أهل البيتأنَّ الناسَ سيرَون اللهَ تعالى يوم القيامة، ويُكَفِّرون كلّ مَن لا يؤمنُ بذلك ويبيحون دمَه، وهذا الاعتقاد لا يصمدُ أمامَ الأدلة النقلية الَّتي ترويها كتبُ السنَّة، وقد ذكرنا في العدد السابق ثلاثة أحاديث رواها البخاري ومسلم، وهي تنفي إمكانَ رؤية الله تعالى، وكان الحديثُ الثالث مفاده أنَّ مسروق سأل عائشة قائلاً: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌرَبَّهُ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ...، واستشهدت ببعض الآيات القرآنية الَّتي تنفي إمكان رؤية الله تعالى، فلو كانت رؤية الله تعالى ممكنة يوم القيامة لما قالت عائشة: لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ، ولما استشهدت على عدم الرؤية بقوله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، فعائشة تريد نفي الرؤية مطلقاً، أي سواء كانت الرؤية في الدنيا أو في الآخرة، ودليل أنها تريد نفي إمكان الرؤية مطلقاً هو تفسير أحد كبار علماء السنَّة لقولها حيث قال ابن حبان: وخبر عائشة أنه لا تدركه الأبصار فإنَّما معناه لا تدركه الأبصار في الدنيا وفي الآخرة إلَّا مَن يتفضَّل عليه مِن عباده بأن يجعله أهلاً لذلك(1).
ولكن ابن حبان أخطأ عندما فسَّر الإدراك بمعنى الإحاطة، أي زعم أنَّ استشهاد عائشة بقوله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ معناه أنَّ الأبصار تراه ولكن لا تحيط به، والَّذي يدلّ على عدم صحة زعمه هو لو كان الإدراك بمعنى الإحاطة لما استشهدت عائشة على عدم رؤية النبيّبقوله تعالى:
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، ولاعترض عليها (مسروق) بأن الآية لا تصلح لها شاهداً، فسكوت (مَسْرُوق) ينبئ عن فهمه لمعنى الإدراك بمعنى الرؤية، واستشهاد عائشة وسكوت مَسْرُوق خير دليل على دلالة الإدراك في الآية على معنى الرؤية.
وقد توهَّم الرازي بقوله: ...إنَّ عائشة تمسَّكت بهذه الآية في نفي الرؤية، فنقول: معرفة مفردات اللغة إنما تكتسب من علماء اللغة(2).
 فهذا يعني أنَّ عائشة تجهل لغتها الحجازية، وأنَّ ابن منظور الأفريقي صاحب لسان العرب، والجوهري التركي صاحب صحاح اللغة أفهم مِن عائشة في لغتها، وأفهم مِن أهل الحجاز في لغتهم؛ لأنهم مِن علماء اللغة!!!، وهذه المقولة لم يقلْها أحد مِن علماء اللغة؛ لأنهم يأخذون معاني مفردات اللغة مِن العرب الأوائل، ويستشهدون بأشعارهم، وهذا التصرف يعدُّ مغالطة أمام النصوص الصريحة بنفي رؤية الله تعالى. ولا يمكن الفرار مِن هذا الدليل، وهناك دليل آخر في قول عائشة ذكره ابن حجر فقال: قَوْله: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ
هُوَ دَلِيل ثَانٍ اِسْتَدَلَّتْ بِهِ عَائِشَة عَلَى مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ مِنْ نَفْي الرُّؤْيَة، وَتَقْرِيره أَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى حَصَرَ تَكْلِيمه لِغَيْرِهِ فِي ثَلَاثَة أَوْجُهٍ، وَهِيَ الْوَحْي بِأَنْ يُلْقِي فِي رَوْعه مَا يَشَاء، أَوْ يُكَلِّمهُ بِوَاسِطَةٍ مِنْ وَرَاءِ حِجَاب، أَوْ يُرْسِل إِلَيْهِ رَسُولًا فَيُبَلِّغهُ عَنْهُ، فَيَسْتَلْزِم ذَلِكَ اِنْتِفَاء الرُّؤْيَة عَنْهُ حَالَة التَّكَلُّم(3).
فإذا ثبت أنّ النبيّلم يرَ ربَّه في المعراج بعينه، ثبت عدم إمكان رؤية الله تعالى بالعين مطلقاً؛ لأنَّه  لو كانت الرؤية ممكنة لتمكَّن رسول اللهمن رؤيته في المعراج، خصوصاً وأنَّ الإسراء والمعراج معجزتان خارقتان للعادة؛ لأنَّ رسول الله لقى ربَّه بمعجزة المعراج ولم يتمكن مِن رؤيته، فعدم إمكان الرؤية لباقي الناس بدون معجزة يكون أولى. 
الحديث الرابع
 الحديث الرابع الَّذي يمكن الاستدلال به على عدم إمكان رؤية الله تعالى هو ما رواه مسلم بسنده عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله :هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ:" نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ"(4).
ومعنى الحديث كما جاء في لسان العرب: كيف أَراه وحجابه النور أَي أَن النور يمنع من رؤيته(5). فنَفَى النبي محمدإمكان رؤية الله تعالى، وهذا النفي مطلق غير مقيَّد، فلا يمكن رؤيته في الأرض، ولا في السماء، ولا يوم القيامة حتى في عروج النبي محمد إلى السماء الَّذي يعدُّ معجزة خارقة عظيمة رأى فيها الملائكة، وأشياء أُخَر، ولم يتمكن من رؤية الله تعالى.  
البقية في العدد القادم
المراجع:
(1)  صحيح ابن حبان:1 / 259.
(2)  التفسير الكبير(مفاتيح الغيب) للرازي:13/105[سورة الأنعام/الآية: 103].
(3)  فتح الباري لابن حجر العسقلاني: 8/784[كتاب التفسير/سورة 53/باب 1/ح. 4855].
(4)  صحيح مسلم:89 [ ح. 291-(178)- كتاب الإيمان/ باب قوله عليه السلام: نور أنَّى أراه].
(5)  لسان العرب لابن منظور:14/322[نور].


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . احسان الغريفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/11



كتابة تعليق لموضوع : رؤية الله و التطرُّف الفكري! الحلقة الرابعة  
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net