الوعظ في القرآن الكريم (الحلقة الثانية)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كان الرسل خطباء يدعون اقوامهم إلى الله عز وجل، وخاتمهم النبي صلى الله عليه واله وسلم "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ (الحجر 94). أن كل نبي في خطبه عنده الحجة والبرهان من الكتاب المنزل عليه ويعلمهم ما لم يعلموا "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ" (البقرة 151).
ترك النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم لليهود في المدينة عند دخوله اليها بعد هجرته من المدينة حرية ممارسة شعائرهم، ولم يتعرض أبداً لشعائرهم، بل كان يدعوهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة. وهي من أسباب نزول قوله تعالى "لا إكراه في الدين" (البقرة 256) بل استخدام الموعظة بدل الاكراه. والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة و المودة هي اساس دعوة الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم فلم يعادي الناس ويقهرهم ويطردهم انما عاملهم بالإقناع والترغيب نتيجة بصيرته. وهكذا فعل سبط الرسول الامام الحسين عليه السلام بوعظ القوم عندما قال (أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي وَ لَا تَعْجَلُوا حَتَّى أَعِظَكُمْ بِمَا يَحِقُّ لَكُمْ عَلَيَّ وَ حَتَّى أُعْذِرَ إِلَيْكُمْ، فَإِنْ أَعْطَيْتُمُونِي النَّصَفَ كُنْتُمْ بِذَلِكَ أَسْعَدَ، وَ إِنْ لَمْ تُعْطُونِي النَّصَفَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَأَجْمِعُوا رَأْيَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً، ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَ لا تُنْظِرُونِ، إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) وكما دعا نوح عليه السلام قومه ووعظهم "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ" (يونس 71) وكما جاء في القرآن الكريم "إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ" (الاعراف 196). فاداة الاصلاح هي الموعظة واستخدام الكلمة التي كانت اداة الرسل و الاديان والحركات الاصلاحية عبر التأريخ.
ان رجل الدين هو واعظ اصلاحي وليس جهة تنفيذية واذا لم تتكامل الدائرة من مشرع وقاضي ومنفذ فقد يضيع جهد الواعظ "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" (المائدة 2). والموعظة تمنع شرار الناس ان يتسلطوا على رقاب الابرياء كما قال الامام علي عليه السلام (لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم). وكما قيل افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. الموعظة نوع من الجهاد لانه بذل جهد "فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا" (الفرقان 52) اي اجهد نفسك بوعظهم الى طريق الصواب. واصعب المواقف على الواعظ عندما توضع الايدي على الاذنين "وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا" (نوح 7).
الذي تأتيه الموعظة ويتراجع عن الظلم فامره الى الله واذا استمر على ظلمه فهو من اصحاب النار كما في حالة المرابي "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة 275).
الواعظ الجيد اقواله مطابقة لما ورد في القرآن الكريم "وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا" (الأحزاب 70)، "أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا" (البقرة 235)، "قَوْلًا لَّيِّنًا" (طه 44)، "قَوْلًا بَلِيغًا" (النساء 63)، "قَوْلا كَرِيمًا" (الإسراء 23)، "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" (البقرة 83)، "يَقُولُوا الَّتِى هِيَ أَحْسَنُ" (الإسراء 53)، "وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » (النحل 135)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat