مفارقات بين موقف الشبيبي وتجربة المعاصرين
محمد قاسم الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد قاسم الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ محمد رضا الشبيبي العالم الديني والأديب المعروف المتوفى "1965م"هو محمد رضا جواد الشبيبي عدّ من نوابغ الشعراء المتأخرين، كما أن والده الشيخ جواد الشبيبي من الشعراء المجيدين، وكل الذين ترجموا حياته سواء علي الخاقاني في موسوعة (شعراء الغري) أو جعفر خليلي في (هكذا عرفتهم ) أو السيد محسن الأمين في موسوعته( أعيان الشيعة) ذكروا مزايا الشيخ محمد رضا الشبيبي الرجل الذي عُرف بالمفكر الرصين والمصلح الاجتماعي الذي أُشيد بشاعريته وفضيلته اللامعة حتى قال عنه بعض مؤرخي الأدب العراقي: هو أول من أدخل الموضوعات الاجتماعية في الشعر من بين شعراء العراق وذاك بالتحديد عام "1905 م" وهذا القول موثق في كتاب (أعيان الشيعة) تحت عنوان ترجمة حياته .
أما دوره السياسي والوطني في الأحداث الأخيرة من عمر الدولة العثمانية- فالأمر أكبر من هذه السطور- بخصوص دوره الوطني المؤثر والمخلص سواء قبل الحرب العالمية الاولى أو بعدها والتي اندلعت بدايتها عام 1914م - شارك في هذه الحرب إلى جانب الجيش العثماني. وحضر معركة الشعبية الطاحنة التي انهزم فيها الجيش العثماني، ومن ثم عاد مع فلول الجيش المتقهقر إلى مدينة الناصرية.
وبعد أن عقدت الهدنة العامة" 1918م" أي بعد إنتهاء الحرب العالمية والتي اندحرت فيها الدولة العثمانية وكذلك اندحرت معها حليفتها ألمانيا، وعندئذٍ سيطرت بريطانيا وحلفائها على ربوع العراق ولم تفِ بالشروط التي قطعتها للعراقيين وبعد ذلك قام المحتلون بانشاء حكومة قوامها فريق من ضباط الجيش. ثم شرع العراقيون بمقاومة تلك السلطة الأجنبية وبدأوا يطالبون الإنكليز بالجلاء والوفاء بعهودهم التي قطعوها للعرب بشأن حقهم في تقرير المصير، وقد تبلور دور الشيخ محمد رضا الشبيبي بشكل واضح في هذه المقاومة كما أن محمد رضا الشبيبي حضر الاجتماع الذي عقد في مدينة النجف وطالب بحكومة دستورية يرأسها ملك عربي.
ومن يتتبع تفاصيل أحداث تلك الفترة يجد أن الشيخ الشبيبي قام برحلات وطنية للبلاد العربية هامة منتدب وممثل عن العراقيين إذ قام مطالباً بحرية العراق واستقلاله من سيطرة الاستعمار الاجنبي، وذهب للملك حسين في مكة في قصر الامارة وتحدث معه عن مأساة ومشكلة العراقيين تحت سلطة الاحتلال .كما يتضح دوره في ثورة العشرين، وهكذا حتى تأسيس الدولة العراقية عام "1921م" ومجيء الحكم الملكي، وقد اجتمع بالملك فيصل في دمشق بعد عودته من لندن، وقد رافقه في رحلاته التي طالت النجف ومدن الفرات الأوسط حتى بغداد، وكان كل ذلك يقدم للملك فيصل النصائح والتوجيهات بشأن وضع العراقيين حتى تم تنصيبه ملكاً على العراق عام 1921م- فكان الملك فيصل يستشيره وياخذ برأيه وتوجيهاته كما تنقل الوثائق التاريخية عنه ذلك كما شغل بعض المناصب العليا في عهد الملك فيصل .
يحدثنا السيد محسن الأمين عنه يقول في عام "1924م" تسنم الشيخ محمد رضا الشبيبي وزارة المعارف في الحكم الملكي: « وتردد كثيراً في قبولها، ولكن الحاح أصدقائه في بغداد والنجف اضطره إلى قبول الوزارة فأشغل منصب هذه الوزارة بفترة لا تزيد على سبعة أشهر! وسبب الاستقالة كما يقول الأمين- لما عرضت اتفاقية النفط على مجلس الوزراء، كانت من الاتفاقيات المجحفة بحقوق العراق اقترح [الشيخ محمد رضا الشبيبي] تعديل بعض بنود الاتفاقية على أساس يكفل للعراق في زيادة العوائد المالية فلم يجد من يعضده ويقف معه.
وفي جلسة خاصة دارت بينه وبين الهاشمي سأله عن موقفه الأخير من الموضوع فقال: الهاشمي ان ابرام هذه الاتفاقية من واجب وزارته أي وزارة المعارف. على اثر ذلك غادر [الشيخ الشبيبي] الجلسة وذهب فوراً إلى مكتبه في ديوان الوزارة وبعث بكتابه الذي يستقيل فيه من الوزارة لأنه يرى ان الاتفاقية مجحفة بمصالح العراق» [ أعيان الشيعة ج9-ص٢٨٩]
الشبيبي ذو نشأة دينية حوزوية مؤمن بمبادئها حتى النفس الأخير ولم يتنازل في حياته عن أي مفردة عقائدية دينية؛ وفي نفس الوقت أن الشيخ محمد رضا الشبيبي يتمتع بروح وطنية خالصة ظهرت في مواقف عديدة تجلت بصدق الكلمة والموقف الوطني الشجاع كما حكى عنه معاصروه بل أشعاره طافحة في هذا الجانب أفرد لها باب خاص في ديوانه؛ ولم يعرف عن الشبيبي داهن أو جامل لأجل مصالحه ومنافعه الشخصية بل العكس كل المواقف التي نهض بها كانت من أجل المصلحة العامة وتحت دائرة العراقيين- وأوضح مثال مسألة الاستقالة من وزارة المعارف فهي أوضح شاهد على صدق وطنيته وحرصه على المصلحة العامة قدم استقالته من الوزارة بفترة تترواح سبعة اشهر لا تتجاوز سنة مجرد خلل طارئ كان يمكن يعالج بكل سهولة بحكم قربه من الملك وتنتهي المشكلة، لكنه أبى مصراً إلا أن يستقيل احتراماً وصيانة لهذه المسؤولية والامانة الشعبية؛ نعم فرق كبير بينه وبين من يفشل لسنوات وهو لا يزال يرواح مكانه بنفس الوجوه والخطابات البائسة والتعيسة - فرق كبير بين موقف الشبيبي الوطني المخلص وبين القناعات السياسية الفاشلة التي أعطت طابع أن المسؤولية والمكانة السياسية كأنها إرث لآبائهم وأجدادهم وليس للشعب وحده.
لا أدري ماذا يقول شيخنا الشبيبي لو رأى بعض الزعامات الجديدة وهي تنافح بروح الجشع والحماقة عن مواقعها وامتيازاتها السياسية التي لم تكترث لما يحصل حتى لو احترق الشعب كله، ولو دفع المواطن العراقي حياته الكريمة ثمناً لذلك، والأكثر غرابة من ذلك أن تلك الزعامات لا تزال تدافع بقوة عن فشلٍ ذريع دام لسنوات بمرأى الجميع والواقع وهي بنفس العقلية لم تعترف بخطئها ولم تتغير؛ فلا أدري حقيقة أ نبكي على حالنا أم نبكي على وطن لا نعرف مصيره سينتهي كيف ومتى في ظل هذه الازمات المتتالية والموجعة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat