شرح الخصلة الثالثة من الرواية: (يمحو الله عزَّ وجل سيماء الصالحين من وجهه )
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيماء معناها العلامة قال الراغب: السيماء والسيمياء العلامة، واليها يشير الشاعر بقوله :
غلامٌ رَماهُ اللهُ بالخَيْرِ مُقْبِلاً * لهُ سيمياءٌ لا تشق على البصر(1)
والتسويم هو العلامة، وقد قال الشاعر:
مسومين بسيما النار أنفسهم * لا مهتدين ولا بالحق راضينا
والعلامة تارة تكون نورانيّة واُخرى ظلمانيّة فالأُولى خاصة للمؤمنين المتقين المواظبين على الصلاة في أوقاتها، والثانية علامة المنافق والكافر التارك لأحكام الدين، والإستهانة بشريعة سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين .
وقد أشار القرآن الكريم إلى هاتين العلامتين، أما العلامة النورانيّة فقد قال تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ )(2).
وأما العلامة الظلمانيّة فقد ذكرت في القرآن الكريم أيضاً قال تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ)(3).
وقال تعالى : (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(4).
وقال تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ)(5).
بأدنى تأمل في الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة نجد أن الأعمال تؤثر على صفات الإنسان الخارجيّة خصوصاً المتعلقة بالوجه، فالصدق في الحديث يولد نوراً في جبين الإنسان، وبخلافه الكذب والإفتراء فانه يكسو الوجه سواداً وظلمة، ويجعل منظره قبيحاً، ويسلب سيماء الصالحين منه، ويمكن أن تكون هذه الأمور من القضايا المحسوسة عند الإنسان فان ما هو موجود في القلب والجوانح من خير أو شر فإنه يسري ويتجلى في الوجه وعلى الجوارح، وان ما يضمره الإنسان في أعماقه إلاَّ أبداه الله على صفحات وجهه ولسانه وعينه، سواء في الدنيا أو الآخرة، وهذا ما نجده في الكثير من الأخبار الدالة على ان تارك الصلاة والمتهاون فيها يحشر يوم القيامة ووجهه أسود لا نور فيه . فقد رويَّ أنه أول من يسود يوم القيامة وجوه تاركي الصلاة، وقد ترتفع الصلاة سوداء مظلمة وهي تدعو على صاحبها فتقول للمصلي: (سود الله وجهك لقد ضيعتني)، أما من كان محافظاً عليها، وكان يأتي بها في أوقاتها فإنها ترتفع وهي بصورة مختلفة فتكون بيضاء مشرقة وتقول للمصلي: (حفظك الله كما حفظتني)(6).
فمن كان مصلياً ساجداً لعظمة الله تعالى كان وجهه مشرقاً نورانيا ًخصوصاً إذا كانت صلاته تأخذ بيده وتعرج بروحه إلى ساحة القرب الآلهي، ومن كان كذلك فقد كانت صلاته تنهاه عن الفحشاء والمنكر والبغي، وهذا هو معنى ان الصلاة معراج المؤمن.
يقول السيد مهدي بحر العلوم (رحمه الله تعالى):
معراج كل مؤمن مستيقن حافظ سر ربه المهيمن(7)
وقد ورد في بعض الأدعيّة: (إلهي هل تسود وجوها خرت ساجدة لعظمتك؟)(8). حاشا لله تعالى العادل أن يسود وجوهاً وضعت على الصعيد تذللاً للعظمة الآلهيّة، وتقرباً إليه تعالى، وبالعكس فمن تكبر عن عبادة ربه، ولم يعظمه فان الأثر الأُخروي سوف يحشر يوم القيامة أسود الوجه مسلوب منه نور الإيمان.
ان الإجتهاد في العبادة يعد من علامات أهل الإصلاح، وهي سيماء خاصة بهم؛ لأنهم من أهل القرب والرغبة في العبادة، وقد ذكر الله في قرآنه المجيد من بذل الجهد في العبادة فهم في حالة التذكر بها يخرون لله سجداً، ويسبحونه بالغدو الآصال، ويحمده على جميع نعمه فلا يستكبرون في جميع ذلك شعارهم الخوف والرجاء والطمع في النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال.
قال تعالى : (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)(9).
(سيماهم في وجوههم من اثر السجود) قال ابن عباس: اثر صلاتهم يظهر في وجوههم، وقال الحسن. هو السمت الحسن، وقال قوم: هو ما يظهر في وجوههم من السهر بالليل.
وقال مجاهد: معناه علامتهم في الدنيا من أثر الخشوع.
وقيل: علامة نور يجعلها الله في وجوههم يوم القيامة - في قول الحسن وابن عباس وقتادة وعطية.
فعن عبد الله بن سنان، قال سألت الامام الصادق عليه السلام عن قول الله عزوجل: ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود) قال: ( هو السهر في الصلاة) .
وعنه عليه السلام: ( ليس من شيعتنا من لم يصل صلاة الليل)(10). وفي فقه الرضا: قال عليه السلام: ( عليك بالصلاة في الليل، فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بها علياً فقال في وصيته: عليك بصلاة الليل، قالها ثلاثاً وصلاة الليل تزيد في الرزق وبهاء الوجه، وتحسن الخلق فعندما يقول الامام الصادق عليه السلام : ( ليس من شيعتنا من لم يصل صلاة الليل )؛ ليس المقصود من قوله عليه السلام نفي التشيع عن أتباعه مطلقاً بل يراد من ذلك ليس من شيعته المخلصين من لا يعتقد بانها سنة مؤكدة بينما من تركها لعذر أو لسفر أو لمرض فلا يصدق عليه الحديث، ومع العلم ان هذه الصلاة من النوافل وليست من الفرائض الواجبة غير أن فيها الفضل الكثير .
وفي هذا العصر الذي كثرت فيه الطرق والمسالك التي تسبب ارتفاع سيماء الصالحين من وجوه الناس، فقد قلة الهيبة من الله تعالى، وكثرة الذنوب والمعاصي ومورست الرذيلة جهاراً بعد أن كانت تمارس سراً وفي الخفاء، فكل الأعمال فيها آثار تظهر على صفحات وجه الإنسان ان كانت صالحة فان الوجه يشرق بنور الإيمان، وان كانت طالحة فان الوجه يكون مسوداً لا نور فيه ويكون ممقوتاً بين أهل الصلاح والتقوى .
ثم إن قراءة القرآن الكريم والتأمل والتدبر في آياته، وزيارة مراقد الأنبياء والأولياء والائمة الأطهار عليهم السلام من أهم الأعمال التي تنور القلوب والوجوه، وتجعل سيماء الصالحين متجسداً في ملامح وجهه خصوصاً إذا اقترنت الزيارة بالعلم والمعرفة الآلهيّة، والسير على منهج صاحب الضريح المقدس، وجعله قدوة في حياته وسلوكه اليومي .
بينما الذهاب إلى دور الفسق والمجون وصالات الرقص والإختلاط الحرام، وسماع الموسيقى والغنا، والأكل الحرام وأخذ الرشوة، واضرار الآخرين والتطاول على اعراضهم وممتلكاتهم، بل وقتلهم وتصفيتهم مما يجعل الوجه يحمل سيماء الظالمين والمنحرفين الذين سوف يرثون جهنم خالدين فيها أبداً.
وبالتالي يمكن القول بأن ارتفاع سيماء الصالحين من وجوه الناس يكون بسبب هذه الذنوب والموبقات ولهذا حري بالمؤمن أن يسعى للمحافظة على نورانيّة وجهه، وعدم تعرضه إلى مثل هذه الهزات الشيطانيّة التي فيها الخسران الكبير في الدنيا والآخرة.
وقيل : إذا كنت في عشرين رجلاً أو أقل أو أكثر فتصفّحت وجوههم فلم تر رجلاً يهاب الله فاعلم أن الأمر قد قرب(11).
المصادر
[[1]]- الشعر ينسب لابن عنقاء الفزاري ، يمدح عميلة حين قاسمه ماله، لما رأى من رثاثة حاله، وكان عميلة جميلًا، وروايتهم بالخير يافعًا، ومقبل، يريد به في إقبال شبابه. والسّيمياء: تأنيث سيما غير مجرى. الجوهري: السيمى مقصور من الواو، قال تعالى: (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) وقد يجيء السّيما والسيميا ممدودين، وجيده الشّعرى، وفي وجهه: القمر له سيمياء لا تشقّ على البصر أي: يفرح به من ينظر إليه. دلائل الإعجاز للهنداوي: ج1، ص 101، الكامل 1: 15، الأغاني 17 : 117، معجم الشعراء: 159 ، 323.
[2]- سورة الفتح: الآية : 29.
[3] - سورة محمد: الآية : 29/ 30.
[4] - سورة الحج: الآية : 72.
[5] - سورة الزمر: الآية :60.
[6] - من لا يحضره الفقيه: ج 1 / 209.
[7]- الدرة النجفيّة ( منظومة في الفقه ) ص 81.
[8] - الصحيفة السجادية الكاملة - الامام علي بن الحسين عليه السلام .
[9]- سورة السجدة : الآية 15/ 16.
[10] - الوسائل ، ج 5 ، الباب 40 من أبواب بقية الصلوات المندوبة ح 10 ص 280 .
[11] - كنز العمال 39610.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat