شرح الخصلة الخامسة عشرة من الرواية: (لا ينظر الله إليه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم )
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في القران الكريم وردت هذه المفردة من ان الله تعالى لا ينظر الى من خالفه وارتكب الذنوب والمعاصي والمخالفات، وكأن هذه العبارة مقتسبة من القرآن الكريم، وكذلك الروايات بينت ذلك، أما القرآن الكريم فيقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(1).

أما الكتب الحديثيّة فقد ذكرت الكثير من الروايات المتعلقة بالأعمال وعقوباتها، وثمة موروث روائي كبير متعلق بالأمور التي لو ارتكبها الإنسان العاصي فان الله تعالى لا ينظر اليه، وفي هذا المورد يمكن الإستشهاد ببعضها :-

منها: شرب الخمر والمسكرات فإن مات في أربعين يومًا لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يكلمه ولا يزكيه، وله عذاب أليم، ولا يقبل توبته في أربعين، وهو في النار لا شك فيه(2).

منها: النظر إلى المشاهد المحرمة مثل المرأة الأجنبيّة بشهوة، وقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها )(3).

كما ان اليمين الكاذب وسرقة أموال المسلمين والخيانة وغيرهن من الأمور التي إذا ارتكبها الفرد فإنها تؤدي إلى سلب نعم النظر من الرحمة واللطف الإلهيين لمن اقترفها .

فعن الأمام علي بن إبي طالب عليه السلام: ( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل بائع أمامه، فإن أعطاه وفي له، وإن لم يعطه خانه، ورجل حلف بعد العصر يمينا فاجرة ليقتطع بها مال امرئ مسلم )(4).

وقد ورد النهي الشديد عن البيع باليمين فان مرتكب ذلك يؤدي أيضاً إلى الحرمان من النظرة الإلهيّة

فعن الإمام الكاظم عليه السلام: ( ثلاثة لا ينظر الله إليهم، أحدهم: رجل اتّخذ الله عزّ وجلّ بضاعة لا يشتري إلاّ بيمين ولا يبيع إلاّ بيمين)(5).

منها: الجلوس على طاولة القمار من أسباب تؤدي إلى سلب نعمة النظر الإلهي، ففي ذلك وردت الأخبار الدالة على مبغوضيّة النظر إلى مجلس القمار، وان هذا المجلس ممقوت عند الله تعالى، ولا ينظر إليه .

فعن حماد بن عيسى، قال: دخل رجل من البصريين على أبي الحسن الأول عليه السلام، فقال له: جعلت فداك إنني أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج، ولست ألعب بها ولكن أنظر، فقال عليه السلام: (ما لك ولمجلس لا ينظر الله إلى أهله)(6).

دلت الرواية على مبغوضيّة الجلوس في مجلس الفسق، وان في ذلك آثاراً تؤدي إلى سلب النظرة الإلهيّة عن أصحاب مجلس اللعب بالآلات القمار.

منها: الإستماع إلى الغناء والطرب والموسيقى المحرمة، وفي ذلك الكثير من الروايات رويت في الكتب المعتبرة، ويمكن الإستشهاد بواحدة على نحو الإختصار .

فعن ابن أبي عمير، عن مهران بن محمد، عن الحسن بن هارون قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله، وهو مما قال الله عز وجل: ( ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ الله )(7).

منها: من الأمور التي إذا ارتكبها الفرد يحرم من النظرة الإلهيّة أيضاً هي أكل الحرام، ففي روضة الواعظين والمكارم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أكل الحلال قام على رأسه ملك يستغفر له حتى يفرغ من أكله. وقال: إذا وقعت اللقمة من حرام في جوف العبد، لعنه كل ملك في السماوات والأرض، وما دامت اللقمة في جوفه لا ينظر الله إليه، ومن أكل اللقمة من الحرام فقد باء بغضب من الله، فان تاب تاب الله عليه، وإن مات فالنار أولى به)(8).

منها : الزنا فمن آثاره يحرم الإنسان من أن ينظر الله تعالى إليه، وورد في كتب العامة عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الزاني بحليلة جاره لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه ويقول ادخل النار مع الداخلين)(9).

منها : ادعاء الإمامة كذبًا وزورًا، وكذلك من جحد ولاية أهل البيت عليهم السلام فان من كان كذلك فقد حرم من النظر الإلهي فعن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من ادعى إمامة من الله ليست له، ومن جحد إمامًا من الله، ومن زعم أن لهما في السلام نصيبًا)(10).

أما معنى يزكيه فانه يراد به التزكيّة الروحيّة والمعنويّة من خلال إقامة الصلاة وتوثيق الصلات بالله سبحانه؛ فان ذلك يولد عند المؤمنين طاقة روحيّة ونشاطًا، وتزكّيّة للنفوس، والإستعدادات الضخمة لمجابهة قوى الشر سواء على الصعيد المعنوي كالنفس والهوى والشهوات المحرمة، أو على الصعيد المادي والمواجهات العسكريّة مع الكفار والمعتدين، فان في تزكيتها السعادة في الدارين .

ان على الإنسان في هذه النشأة أن يسعى جاهداً لتزكيّة النفس وتخليتها عن الرذائل، وتحليتها بالأخلاق والملكات الفاضلة؛ ففي تزكيتها يصل الإنسان إلى الفلاح والنجاح، فتارة ان الإنسان يسعى لتزكيّة نفسه كما في قوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا*)(11)، واُخرى ان الله تعالى هو الذي يشرف على تزكيّة الإنسان، ويهتم بتلك القلوب وترويضها فان أحوال الأنبياء والرسل والأولياء عليهم السلام تكون مختلفة عن غيرهم بفضل الإستعدادات التي كانوا يتمتعون بها؛ لأن الله تعالى هو المشرف المباشر في تربيتهم ورياضتهم، ورفعة درجاتهم حتى وصلوا إلى أرقى غاية الكمال في سيرهم نحو الله تعالى، وقد ورد في إحدى الزيارات: (مواليَّ لكم قلوب تولّى الله رياضتها بالخوف والرجاء)(12).

أسباب حرمان البعض من النظرة الإلهيّة

ان المتأمل في الأخبار المرويّة عن أهل البيت عليه السلام يجد ان أسباب نزول الخير والرحمة والألطاف الإلهيّة على العباد وفي البلاد هي الطاعة والإمتثال لأحكام الشريعة، والإنتهاء عن النواهي، وفي حالة ترك الفرائض والتهاون فيها يعد ذلك طاعة لجهة هي غير الله تعالى، أما الشيطان أو النفس أو الهوى والرغبات النفسيّة، فإذا ثبت ذلك والعياذ بالله كانت الطاعة للشيطان، ولهذا ان الله تعالى لا ينظر إلى العاصي المتهاون في الفرائض وأحكام الدين، ورسالة رسول رب العالمين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي يحقق الإمتثال لغير الله تعالى،وفي هذا المعنى ورد عن المفضل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: روي عن المغيرة أنه قال: إذا عرف الرجل ربه ليس عليه وراء ذلك شيء، قال: ماله لعنه الله أليس كلما ازداد بالله معرفة فهو أطوع له، أفيطيع الله عز وجل من لا يعرفه ؟ إن الله عز وجل أمر محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بأمر وأمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم المؤمنين بأمر، فهم عاملون به إلى أن يجئ نهيه، والأمر والنهي عند المؤمن سواء قال: ثم قال: لا ينظر الله عز وجل إلى عبد ولا يزكيه إذا ترك فريضة من فرائض الله، أو ارتكب كبيرة من الكبائر، قال: قلت: لا ينظر الله إليه ؟ قال نعم، قد أشرك بالله، قال: قلت: أشرك ؟ قال: نعم إن الله عزوجل أمره بأمر وأمره إبليس بأمر فترك ما أمر الله عز وجل به وصار إلى ما أمر إبليس فهذا مع إبليس في الدرك السابع من النار)(13).

المصادر

[1] سورة آل عمران/الآية: 77.

[2] من لا يحضره الفقيه4: 255، والمقنع: 153، وعقاب الأعمال: 292 .

[3] الخلاف للشيخ الطوسي: ج4، ص 310، سنن الدارقطني3: 268 حديث 92، والسنن الكبرى 7: 170، والبحر الزخار 4 : 32، وفتح الباري ج9: 157 وفيه: نقله عن ابن أبي شيبة موقوفاً عن ابن مسعود، والمغني لابن قدامة 7: 487 ، وأحكام القرآن للجصاص 2: 121، والجامع لأحكام القرآن 5: 113 .

[4] الخلاف: ج6، ص286.

[5] الكافي 5: 162 / 3، التهذيب 7: 13 / 56 .

[6] وسائل الشيعة، ج12، ص241.

[7] روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: ج10، ص 158.

[8] بحار الأنوار: ج63، ص 314

[9] مفتاح السعادة: ج1، ص 3220.

[10] الكافي: ج1، ص 374.

[11] سورة الشمس: الآية: 7، 8 ، 9 ، 10 .

[12] المزار: ص 261.

[13] بحار الأنوار: ج8، ص 207، ثواب الأعمال ص 220.

الموضوع السابق مظلومية الإمام الحسن عليه السلام

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat