اجتماع اربيل أم مباراة برشلونة !؟
حسن الخفاجي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من على شاشة تلفزيون العراق بعد غزو الكويت , اطل رجل ستيني متعب وصفه المقدم بأنه "والد الشهداء".كان الرجل مفجعا بفقده أولاده الخمسة في "قادسية صدام" .كان وقورا مقلا في الكلام , بعد إلحاح مقدم البرنامج عن طلباته قال: اطلب منكم أغنية "طشش عويله الطششانه اشراد منه" معنى الأغنية تمنى ان تتشت أسرة من كان سببا بتشتيت أسرته , لقد كانت حسجة كما يسميها أهل الجنوب والفرات الأوسط .كانت إجابته بليغة ظاهرها شيء والمراد منها شيء آخر. لقد تمنى الرجل ضمنا ان يفجع صدام بأولاده وأسرته .
أين صدام وأولاده وأسرته ومقربيه وأعوانه ألان ؟.
ذكر صديق لي عن بائع (نعل) متجول في الناصرية .كان عرضة للسجن والملاحقة في العهد الملكي بسبب نشاطه السياسي. اضطرته الظروف ان يلجأ للحسجه للتعبير عن أرائه .كان يضع (النعل) بحبل مصنوع من الجلد , تتدلى على صدره وظهره , يصعد على مرتفع في مقهى في مدينة سوق الشيوخ , يرتادها الإقطاعيون وشيوخ العشائر الموالون للحكومة. يتطلع بوجوههم الواحد بعد الآخر , يركز بوجه آخر الجالسين ثم يصرخ بأعلى صوته: (خوش نعل) .كان يتلذذ وهو يهين ذيول وأتباع الملكية يوميا .
الحسجة: سلة الموروث الشعبي , هي فن بليغ ورسالة احتجاج ورفض للظلم والحيف بتعبير قد يكون ساخرا أو مؤثرا
ان يلجأ العراقي للحسجة في ظرف الدكتاتورية ذلك أمر مبرر , لكن من يبرر بقاء الحسجة مرادفة لشكوى المظلومين في زمن الديمقراطية!؟.
كتب لي الأستاذ الدكتور حكمت الشعرباف عن حسجة مواطن من الناصرية, أجرت معه إحدى الفضائيات لقاء قال فيه: " لقد كان المسؤولون سابقا يضعون القطن في أفواهنا , أما مسؤولينا الحاليين فقد أزالوا القطن من أفواهنا ووضعوه في آذانهم"."جزآهم الله عنا خيرا" بعد تسع سنوات ونيف لم يلمس فقراء العراق من اغلب الساسة غير الصدود والتنكر للوعود!
ابن الناصرية يكاد يكون ممثلا لأغلب العراقيين , الذين لم يتمتعوا إلى الآن بثمار التغيير غير حرية النقد والانتخاب . الديمقراطية أنجبت نوابا , صاروا أبطال شاشات ومؤتمرات صحفية وهم بذلك يسيرون على خطى الصحاف "أبو العلوج" إن لم يكونوا أسوء منه!.
نحمد الله الذي ساعدنا على تخطي مرحلة تكميم الأفواه لننتقل إلى مرحلة صمم المسؤولين !.
رحلة القطن العجيبة في العراق من فم المواطن إلى آذان المسؤول لا تختصر على حكومة , بل تشمل أغلب المسؤولين ورؤساء الكتل وألاحزاب الذين(يخوطون بصف الاستكان ) , كما يصفهم العراقيون, حين يهتمون بشؤون لاتهم المواطن ولا تلامس همومه .
لو استطلعنا شريحة واسعة من العراقيين بماذا يهتمون وماذايتابعون؟.
هل يهتمون بنتائج اجتماع اربيل أو أي لقاء يضم الساسة أم بمباراة برشلونة وريال مدريد ؟. ستكون إجابة اغلبهم أنهم يفضلون مشاهدة لقاء برشلونه مع ريال مدريد , لأنهم جزعوا من الاجتماعات واللقاءات ونتائجها , التي لا تبحث عن هموم المواطن , لقد أصابنا بالذعر و الملل من الأزمات وسياسة حافة الهاوية , التي تضع العراق على كف عفريت بعد كل أزمة .
هذا الوضع دفع بأحد معارفي من الشباب , لان يكتب تعليقا على العواصف الترابية في صفحته على الفيس بوك: "نعشق تراب الوطن شرط ان يبقى في مكانه على الأرض ولا يعلوا إلى السماء , إجابته ابنتي التي تعيش في بغداد:"نعشق العراق بغباره شرط ان لا نر ولا نسمع عن بعض الساسة والنواب , الذين يخنقوننا بتصريحاتهم أكثر مما تفعله العواصف الترابية بنا" !!.
على الساسة قراءة الوضع الداخلي جيدا قبل توجههم إلى معانقة المايكروفونات والكاميرات , فهم أصبحوا كل المشكلة , عليهم ان يبحثوا من داخلهم عن حل , عليهم الإيفاء بتحقيق مطالب الناس , بالخصوص شريحة الفقراء الكبيرة التي تعصف بها الأزمات وغلاء المعيشة والأمراض وانعدام الخدمات .
على الساسة ومستشاريهم ومن يخولونه متابعة الشأن الجماهيري ان يزيلوا القطن من آذانهم , ويذهبوا للفقراء مثلما يفعلوا أوقات الانتخابات , حينما يصبح الفقير أخوهم وصديقهم وحبيبهم , عندما يستجدون صوته , بعدها يعاودون الاختفاء ووضع القطن في الآذان,
لقد حفظ العراقيون لعبة الظهور والاختفاء !.
مثلما يتمنى مشجعو نادي برشلونة من العراقيين ان تكون نكساته مؤقتة , يتمنى معظم العراقيين ان يستمع الساسة لشكواهم ويناقشوا مشاكلهم المزمنة , بدل مناقشتهم ترشيح المالكي من عدمه لانتخابات عام 2014 , وكأن كل مشاكل وأزمات العراقيين حلت ولم يبق إلا هذه المشكلة !.
لا يهم المواطن الجائع المحاصر بالمرض والحرمان وقلة الخدمات من يكون رئيسا للوزراء عام 2014 , لان أجدادنا صرخوا بوجه من تسبب في تجويعهم ووعدهم بالتخمة مستقبلا :"شبعنا اليوم واذبحنا باجر". أجدادنا ليسو خرافا ولا يقدمون رقابهم للذبح , لكن الجوع كافر لذلك كانوا مستعدين للقتال حتى الموت من اجل دحر الجوع ومسببيه!.
على الرغم من قصر المسافة بين الفم والأذن , إلا ان رحلة القطن العجيبة في العراق استغرقت زمنا امتد أكثر من ثمانين سنة.
لمن أتقنوا مهمة الصراخ الإعلامي واصطناع الأزمات أقول : مهما اشتد صوت الرعد فان الأرض العطشى لا تسقى إلا بماء المطر. قبلي تسأل شاعر شعبي قائلا:
(المطر لو حس الرعيد ابجاله جوع الكاع يشبع)
Hassan_alkhafaji_54@yahoo.com
7-5-2012
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
حسن الخفاجي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat