كيف يخون العراقي وطنه؟(4 )
عامر هادي العيساوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
وعذرا لبعض رؤساء العشائر
إن المتتبع للتاريخ البشري منذ هابيل وقابيل سيجد أن التنازع والتغالب والتقاتل سمة لم تغب قط في أية مرحلة من المراحل وقد سالت بحار من الدماء من عروق البشر وما تزال تسيل منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا حيث وصلت الحضارة إلى ما وصلت اليه .
إن الصحراء باعتبارها تمثل المواطن الأصلية للعرب لا توفر لقاطنيها سوى فرصة الرعي من اجل مواصلة الحياة والبقاء وهذا ما يفسر ظهور القبائل والتشبث بها وما رافقها من نزعة للغزو عند أجدادنا للاستحواذ على مصادر المياه والكلأ ويفسر أيضا نزعة النهب والرشوة والسرقة عند بعضنا اليوم والتي هي عبارة عن شكل من أشكال الحنين إلى الماضي او النكوص اليه 0
وفي ضل هذا الوضع القائم على الاحتراب والقسوة واحترام القوة والخضوع لها وجد العرب أنفسهم كما قلنا مضطرين للاهتمام بالأنساب واعتمادها وسيلة لبناء القبيلة ومن ثم الاحتماء بها في مواجهة أهوال الصحراء, وهكذا أصبحت حياة الأفراد مستحيلة دون اللجوء الى مثل هذا الاحتماء 0 نستنتج مما تقدم أن القبيلة كانت تعبر عن حاجة ملحة ومصلحة أكيدة للأفراد والمجتمعات على حد سواء في تلك المرحلة من مراحل التطور 0
ثم غادر العرب بشكل عام صحراءهم وفارقوا ابلهم ومواشيهم وانتشروا بفضل الإسلام في الشام والعراق ومصر وغيرها وأقاموا الحواضر والدول ولكنهم لم يفارقوا قبائلهم وعشائرهم والبداوة الساكنة فيهم والمستعدة للانتصاب في أية لحظة بمناسبة او بدونها حتى في هذا العصر المتجه نحو العولمة في طبيبهم ومهندسهم وشاعرهم وكاتبهم ومعلمهم فما هو السر في ذلك ؟
يتوهم البعض فيعتقد بأننا - نحن العرب - قد تقدمنا كثيرا على أجدادنا من عبس وذبيان وغطفان والأوس والخزرج وبني عبد الدار وأننا نواكب الحضارة خطوة بخطوة مع الأمم الأخرى فنقود السيارة ونطير بالطائرة ونرقص ونغنى كما يرقصون ويغنون ولم يعلم هذا المتوهم بأننا ربما تراجعنا دون أن نشعر الى عصور ما قبل الرعي من العصور البدائية لان أجدادنا أيام عنترة بن شداد كانوا ينتجون طعامهم ولباسهم بأيديهم بينما نستورد نحن اليوم أطعمتنا حتى بيضة الدجاجة وألبستنا حتى أغطية الرؤوس 0
علينا أن نعترف بأننا لا نستطيع اليوم أن نحدد الهوية الثقافية لمجتمعنا في العصر الحالي بسبب غياب الطبقة الوسطى المنتجة فهي عبارة عن مزيج عجيب غريب من ثقافات عديدة غير متجانسة وغير متصالحة فيما بينها0 إن البداوة والعشائرية والتدين بنوعيه المتعصب والمتسامح والتحضر الداعي لقيام الدولة المدنية والنزعات الدكتاتورية والنزعات الديمقراطية كلها تطل عليك في وقت واحد من أعماق أي فرد من أفراد مجتمعنا 0
لقد تعرضت البنية التحتية للقبيلة العراقية كما نعلم الى ضربة قاضية عام 1959 عندما أقدم المرحوم عبد الكريم قاسم على تأميم أراضي الإقطاع وتوزيعها على الفلاحين , ومنذ ذلك التاريخ أصبح رئيس القبيلة بشكل عام يستمد وجاهته ونفوذه من الحاكم (الخائن ) تبعا لحاجة الأخير الى تمزيق النسيج الاجتماعي من اجل تثبيت سلطانه الغاشم , وكلما برز الى السطح دور كبير للعشائرية في الحياة السياسية فهذا يعني أن البوصلة تتجه بالضد من مصلحة العراق وطنا وأمة لصالح أجندة من اجندات إحدى دول الإقليم التي يرعبها أي مشروع لإبراز الهوية الوطنية لهذا البلد وتغليبها على كافة الولاءات الأخرى الدينية والطائفية والقومية والعشائرية والحزبية 0
وعندما خرج صدام حسين من أحداث عام 1991 وما رافقها من بطش وتقتيل وجد أن حزبه يكاد يكون معزولا عن العراقيين فلجا الى العشائرية ونفخ في صورتها ثم استخدمها في ردم تلك الهوة بين الطرفين عن طريق تمزيق المجتمع وزرع الفتنة في صفوفه وقد نجح في ذلك نجاحا باهرا وما زال العراقيون يتذكرون ولائم (اللحم والطبيخ )التي كان بعض رؤساء العشائر يقيمونها بمناسبة مولد (القائد الضرورة) وما زالوا أيضا يتذكرون أهازيجهم ورقصهم عند قدميه 0
إن العشائرية إحدى أهم أسلحة الدمار الشامل التي تستخدمها دول الإقليم من اجل منع ظهور مفهوم الأمة العراقية المنتظر منذ مئات السنين لان العراق في نظرهم لا يتمتع بمقومات الدولة الحديثة 0وهكذا نكون قد فهمنا الكيفية التي يخون بها الخائنون وهم في اغلبهم لا يخجلون مما هم فيه مع الأسف الشديد0
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
عامر هادي العيساوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat