اعتقد السابقون منا،ولعقود مضت-وبعضهم إلى الآن- أن خاصية البكاء تتعلق ببني الإنسان ،بل وبعضهم اعتقد انه يقتصر على النساء دون الرجال،حيث يعيب على الرجل أن فعل ذلك! وتتوارد الأسئلة: هل فعلا السماء تبكي؟ وعلى من ؟وما كيفيته؟
تعالوا نكتشف الحقائق في طيات الصحائف والنصوص هل الانسان وحده هو الذي يبكي؟
يقول العلم الحديث: لا، فقد ثبت ان النباتات تبكي، والجمادات كذلك تبكي، وهذا الوجود كله احياناً يبكي، من طين وحجر وتراب وسماء قابل ذلك كله لان يبكي وقد بكت السماوات لقتل الامام الحسين عليه السلام، وذلك لسان الروايات جاء معبراً عن ذلك، ففي تذكرة خواص الامة1 لما قتل الحسين بكت السماء، وبكاؤها حمرتهااحمرت السماء.
وفي مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لابن حجر الهيثمي المصري الشافعي روى باسناده عن ام حكيم انها قالت: قتل الحسين وانا يؤمئذ جويرية مصغر جارية، فمكثت السماء اياماً مثل العلقة!
نعم قتل الحسين، حبيب الله وحبيب رسوله، وحبيب فاطمة وعلي قتل وهو الفيض السماوي الزاهي، وطعم الحياة الحلو، واحد اركان الدهر فاضطربت العوالم وانقلب حالها، وظهرت آيات المصاب، وكان يظن ان الكون لا حس له ولا شعور، ولا عقل ولا ضمير، الا ان الكائنات والاكوان والمكونات قد تغيرت بطبيعتها، وكأنها احست شيئاً
إن السماء بكت على الإمام الحسين ( عليه السلام ) دماً , وناحت عليه الجن وبدا حنينها كمداً .
إن تنزيل الله تعالى لهذه الآية في سورة الدخان «فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين»2 عقبت ذكر غلو وعلو آل فرعون واستعلائهم على هدى سيدنا موسى وسيدنا هارون- عليهما السلام- استكبارا وبعد غرقهم في اليم وبعد ان تركوا جنات وعيونا وزروعا ومقاما كريما ونعمة يتبخترون فيها.
وبكاء السماء والأرض. كما ذكر سيد قطب- رحمه الله- في تفسيره «في ظلال القرآن» بأنه يلقي ظلال الهوان وظلال الجفاء، فهؤلاء الطغاة المتعالون لم يشعر بهم احد في ارض ولا سماء، ولم يأسف عليهم احد في ارض ولا سماء، وذهبوا دحورا هالكين بعد ان تجبروا في الارض وطغوا على العباد وافسدوا الخلق، ذهبوا غير مأسوف عليهم، فالكون يمقتهم لانفصالهم عنه،وهم أرواح خبيثة شريرة منبوذة من هذا الوجود.
لقد وردت قصة آل فرعون وسيدنا موسى عليه السلام في مواضيع عديدة في القرآن المجيد، ونحن لا ريب نؤمن بها ونستيقن بأحداثها وان لم نعشها.
نعم ،بكت على الحسين، السماء والأرض بكاء ما بكته على أحدٍ قبله ولا بعده من نبي أو وصي , بل أبكت مصيبته جميع أنواع المخلوقات من ملك أو فلك , جمادٍ ونبات وسائر الحيوان من إنس وجان , وأثرت فيها أثراً محسوساً مشاهداً لدى أهل ذلك العصر , وخلد لنا التاريخ ذكرذلك الأثر العظيم وتسالم عليه الجمهور من المسلمين , كخسوف القمر , وكسوف الشمس على غير مجاري العادة الطبيعية المتعارفة .
بحيث رؤيت النجوم نهاراً وكمطر السماء دماً وتراباً أحمراً وتساقط الكواكب , وظهور الحمرة في السماء وأسودادها , وتفجر الأرض دماً عبيطاً وسيلان حيطانها دماً , ونبوع الدم من الشجر , وكنوح الجن وبكائها , إلى غير ذلك من انقلاب الورق رماداً واللحم علقماً .
وهذا كله قد اتفق جمهور المسلمين على وقوعه.2
وجاء أيضا متواتراً في أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته الأطهار , ونظمه الأدباء في تأبينهم لسيد الشهداء(عليه السلام) فقال الشيخ صالح العرندسي :
إمام بكته الإنس والجن والسما
ووحش الفلا والطير والبر
وفي الختام نقول:
لكل من لايبكي على سيد الشهداء،مالكم لاتبكون على الإمام الحسين وقد بكته السماء؟!
1 :خواص الأمة،ص283
طبعة الغري.
[2: سورة الدخان: 29]
3: الصواعق المحرقة ص 115-118
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat