على ضفاف الانتظار (46) البصرةُ في الروايات المهدوية..
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بمطالعةِ الرواياتِ –بغضِّ النظر عن أسانيدها- ، نجدُ أنَّ لمدينةِ البصرة وأهلَها ذكرًا ودورًا في زمنِ الظهور، لا بأسَ بالاطّلاعِ على ما وردَ فيها:
وخُلاصةُ ما يُمكنُ أنْ يُقالَ في ذلك هو التالي:
أولًا: سيكونُ بعضُ أهلِ البصرةِ من أنصارِ الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه)
فعنِ الأصبغ بن نباتة، قال: خطبَ أميرُ المؤمنين علي (عليه السلام) خطبةً، فذكر المهديَّ (عليه السلام) وخروجَ من يخرجُ معه وأسماءهم ، فقال له أبو خالد الكلبي: صِفْه لنا يا أميرَ المؤمنين، فقالَ عليٌ (عليه السلام): ألا إنّه أشبهُ الناسِ خَلْقًا وخُلُقًا وحُسنًا برسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، ألا أدلُّكم على رجالِه وعددهم؟ قلنا: بلى يا أميرَ المؤمنين، قال: سمعتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) قال: أولُهم من البصرة، وآخرُهم من اليمامة... وجعلَ عليٌ (عليه السلام) يُعدِّدُ رجالَ المهدي، والناسُ يكتبون، فقال: رجلانِ من البصرة...[1]
وفي روايةٍ أخرى عنِ الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه سمّى الرجلين من البصرة، فقال: ومن أبلة[2] رجلان : يحيى بن بديل، وحواشة بن الفضل.[3]
ثانيًا: سيكونُ لأهلِ البصرة دورٌ في ردِّ بعضِ اعتداءات السفياني.
ذلك عندما يسبي بعضَ نساءِ أهل الكوفة، فينتدبُ مجموعةٌ من أهلِ الكوفة وأهلِ البصرة لردِّهن، وسينجحون في ذلك.
علمًا أنَّ ما يفعله السفياني ليس حتميًا مثلما أشرنا لذلك أكثر من مرة.
فقد جاء في رواية عامية: ...ويخرجُ قومٌ من سوادِ الكوفة يُقالُ لهم العصب، ليس معهم سلاحٌ إلا قليل، وفيهم نفرٌ من أهلِ البصرة، فيُدرِكون أصحابَ السفياني، فيستنقذون ما في أيديهم من سبي الكوفة...[4]
وفي روايةٍ أخرى عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ثم يغلبُ [أي السفياني] على الكوفة... فإذا أصبحوا كشفوا شعورهن، وأقاموهن في السوق يبيعونهن... فيبلغ الخبرُ أهلَ البصرة، فيركبون إليهم في البرِّ والبحر، فيستنقذون أولئك النساء من أيديهم.[5]
علمًا أنّه روى كعب أنَّ الدجّالَ سيقصدُ البصرةَ أيضًا، فقد رويَ: أولُ ماءٍ يرِدُه الدجّالُ سنام (وسنام: جبلٌ مُشرفٌ على البصرة، وماءٌ إلى جنبه كثيرُ الساف، يعني الرمل).[6]
ثالثًا: أنَّ البصرةَ ستخربُ قبلَ الظهور.
فقد رويَ عن سلمان [المحمدي] ، قال: خطبنا أميرُ المؤمنين (صلوات الله عليه) بالمدينة، فذكرَ الفتنةَ وقربها، ثم ذكرَ قيام القائم من ولده، وأنّه يملأها عدلًا كما مُلئت جورًا.
قال سلمان: فأتيته خاليًا، فقلت: يا أمير المؤمنين، متى يظهر القائم من ولدك؟ فتنفّس الصعداء وقال: لا يظهر القائم حتى يكون أمور الصبيان، وتضيع حقوق الرحمن، ويتغنّى بالقرآن بالتطريب والألحان...وخربت البصرة.[7]
ولعلَّ خرابَ البصرة يكونُ على يدي أحدِ أعداءِ أهلِ البيت (عليهم السلام)، كالسفياني مثلًا.
رابعًا: يتناقلُ على الألسُنِ أنَّ غرقَ البصرةِ من علاماتِ الظهور، فهل هذا صحيح[8]؟
والجوابُ باختصار:
روي أنَّ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) لمّا قدمَ البصرة قال: "كأنّي ببصرتكم هذه كأنّها جؤجؤ سفينة..."[9]
وفي روايةٍ: ".. وحتى يكون مسجدُها كأنّه جؤجؤ سفينة.."[10]
وقد ذكروا أنَّ هذا كانَ إخبارًا من أميرِ المؤمنين (عليه السلام) لأمرٍ مستقبلي، وقد وقعَ هذا الأمرُ بالفعل، فليس هو من علاماتِ الظهور.
قال ابنُ أبي الحديد المعتزلي ما نصه: (.. فأما إخبارُه (عليه السلام) أنَّ البصرةَ تغرقُ عدا المسجد الجامع بها، فقد رأيتُ من يذكرُ أنَّ كتبَ الملاحمِ تدلُّ على أنَّ البصرةَ تهلكُ بالماءِ الاسودِ ينفجرُ من أرضِها فتغرق ويبقى مسجدها، والصحيحُ أنَّ المخبَرَ به قد وقع، فإنَّ البصرةَ غرقتْ مرتين، مرة في أيامِ القادرِ بالله، ومرة في أيامِ القائمِ بأمرِ الله، غرقتْ بأجمعها لم يبقَ منها إلا مسجدُها بارزًا بعضُه كجؤجؤ الطائر حسب ما أخبرَ به أميرُ المؤمنين (عليه السلام)...)[11]
ومن هُنا يتضحُ أنْ ليس كُلُّ ما أخبرَ به أهلُ البيت (عليهم السلام) من أمورٍ مستقبليةٍ هو من علاماتِ الظهور، بل قد يكونُ أجنبيًا عنها.
خامساً:
وردَ في بعضِ الرواياتِ أنَّ مدينةَ البصرة ستقاتلُ الإمامَ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) فقد رويَ عن يعقوب السراج قال: (سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاث عشرة مدينة وطائفة يُحاربُ القائمَ أهلُها ويُحاربونه: أهلُ مكة، وأهلُ المدينة، وأهلُ الشام، وبنو أمية، وأهلُ البصرة، وأهلُ دست ميسان، والأكرادُ والأعرابُ وضبة وغني، وباهلة، وأزد، وأهل الري)[12]
ولكن لا يُمكِنُ الحكمُ بعمومِ الحكمِ فيها إلى جميعِ أهلِ مكة أو المدينة أو البصرة، بل حتى بني أمية و...
إذن، لا بُدّ من حملها على محاملَ أخرى، كأنْ تحمل على أنَّ بعضَ أهل المدن تلك سيُحاربونه، أو أنّهم سيجبرون على مُحاربةِ الإمام في بدايةِ الأمر وما شابه.
ثم إنّه ينبغي أنْ يكونَ واضحًا أنَّ مثلَ هذه الروايات هي تتحدّثُ عن أوضاعِ وأحداثِ عصرِ الظهور، ولا وجهَ لتطبيقها على العصر الحالي، إذ إنّه لا جزمَ بأنَّ عصرَنا اليومَ هو عصرُ الظهورِ، بل نحنُ نجزمُ بأنّنا اليومَ في عصرِ الغيبة.
على أنّه لو كُنّا في عصرِ الظهور، فلا يعني هذا أنَّ كل أهلَ البصرة سيُحاربون الإمام (عجل الله فرجه)، إذ الرواياتُ ذكرت –وقد تقدم بعضها- أنّهم سيُحاربون السُفياني وسيقومون باستنقاذِ سبي الكوفة وإلى غيرها من الأحداثِ التي تُشيرُ بوضوحٍ إلى نصرةِ أهلِ البصرة للإمامِ المهدي (عليه السلام).
ومنه يتضحُ ضعفُ مدلولِ ما رويَ في الخبر الضعيف: "وما من بلدةٍ إلا ومعه منهم طائفةٌ إلا أهل البصرة فإنّه لا يخرجُ معه منهم إنسان"[13]
سادساً: خسف البصرة:
ورد في بعض النصوص أن من جملة الأحداث التي تقع قبيل قيام الإمام المهدي ¨ هو خسف بالبصرة، فقد روى الشيخ المفيد عن أبي عبد الله ݠ قال: سمعته يقول: «يزجر الناس قبل قيام القائم ݠ عن معاصيهم بنار تظهر في السماء، وحمرة تجلل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلد البصرة، ودماء تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار»([14]).
وروى السيد ابن طاووس عن كتاب الفتن للسليلي بسنده عن عبد الواحد بن زيد عن الحسن عمن خبره [وبهذا فهي رواية ضعيفة السند لأنها مرسلة] أن علي بن أبي طالب ݠ قال لابن عباس: «... فإذا قتل الخليفة الذي عليكم فتوقعوا خروج آل أبي سفيان، وأمارته عند هلاك مصر، وعند هلاك مصر يخسف بالبصرة خسف بكلائها وبأرجائها، وخسفان آخران بسوقها ومسجد جامعها، ثم بعد ذلك طوفان الماء، فمن نجا من السيف لم ينج من الماء إلّا من سكن ضواحيها وترك باطنها...»([15]).
سابعاً: أن أمير المؤمنين ݠ يرسل إلى البصرة بعض الأنبياء الذين يرجعون معه:
ففي رواية مرفوعة إلى أبي جعفر ݠ جاء فيها: «وأن دانيال ويوشع يخرجان إلى أمير المؤمنين ݠ يقولان صدق الله ورسوله ويبعث معهما إلى البصرة سبعين رجلاً فيقتلون مقاتليهم...»([16]).
وفي نقل الراوندي: وأن دانيال ويونس يخرجان إلى أمير المؤمنين ݠ يقولان: صدق الله ورسوله.
ويبعث معهما [إلى البصرة] سبعين رجلاً، فيقتلون مقاتلتهم...([17]).
ثامنًا: ائتفاك البصرة في الرجعة:
فعن الإمام أمير المؤمنين ݠ أنه قال: «يا أهل البصرة، ويا أهل المؤتفكة، يا جند المرأة وأتباع البهيمة...وقد ائتفكت بأهلها مرتين، وعلى الله تمام الثالثة، وتمام الثالثة في الرجعة...»([18]).
قال العلامة في البحار: بيان قال البيضاوي: المؤتفكة: القرى التي ايتفكت بأهلها أي انقلبت.
وقال في النهاية: في حديث أنس (البصرة إحدى المؤتفكات) يعني أنها غرقت مرتين فشبه غرقها بانقلابها...([19]).
[1] ـ الملاحم والفتن - السيد ابن طاووس - ص 288 – 289/ح417.
[2] ـ الأبلة : بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى . [هامش المصدر عن معجم البلدان]
[3] ـ دلائل الامامة - محمد بن جرير الطبري ( الشيعي) - ص 572/ح 528 / 132.
[4] ـ كتاب الفتن - نعيم بن حماد المروزي - ص 187.
[5] ـ عقد الدرر في أخبار المنتظر ليوسف بن يحيى المقدسي ص 77.
[6] ـ الفتن - نعيم بن حماد المروزي - ص 325. وما بين القوسين من المصدر بتعديل بسيط.
[7] - دلائل الإمامة للطبري الشيعي (ص 472 و 4473 ح 465 / 69)
[8] ـ هذا الأمر وما بعده مستفادان من مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه).
[9] ـ نهج السعادة، الشيخ المحمودي ج2 ص48.
[10] ـ نهج السعادة ج1 ص414. وانظر ايضا شرح احقاق الحق للسيد المرعشي ج8 ص 172.
[11] ـ شرح النهج (ج1 ص84 ط القاهرة).
[12] ـ غيبة النعماني ص309 ب17 ح6.
[13] ـ شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ج3 ص 366 ح 1238.
([14]) الإرشاد: ج2، ص378.
([15]) الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس: ص252 و253.
([16]) مختصر بصائر الدرجات للحلي: ص 51.
([17]) الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي: ج2 ص 849.
([18]) تفسير علي بن إبراهيم: ج2 ص 339 و340.
([19]) بحار الأنوار: ج32 ص 227.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat