ضُيوفُ العرَاق فِي الأربَعين
مصطفى خورشيد المندلاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مصطفى خورشيد المندلاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قَبلَ ثَلَاثِ سِنينَ كُنتُ بِرِفقَةِ أصدِقَاءٍ لِي هُم بِمَثَابَة أخوَانِي فِي اللهِ وَنَطلِقُ عَلَىٰ أنفُسِنَا (الأخوَةُ فِي اللهِ) لِقوّة عِلاقَتِنَا مَع بَعض وَفَهمِ أحَدنَا لِلآخَر بِصَدرٍ رَحِبْ وَمَا نَزالُ كَذلِك ، وَقَد وُفِقنَا -وَللهِ الحَمد- بِأنْ نَكونَ مِنَ المُشَاركِينَ فِي مَسيرَةِ الأربَعينَ هذهِ الشَعيرَة المُبَاركَة أذ بِأعتِقادِي أنّ الزيَارةَ نيّةٌ أولًا وَتَوفيقٌ ثَانيًا وَكَما يُروَىٰ عَنِ الحَسنِ بِن عَلِيّ العَسكَريّ(ع) أنَّهُ قَال :
{عَلَامَاتُ المُؤمن خَمْس: صَلاةُ إحدَىٰ وَخَمسِين، وَزيَارَة الأربَعينَ، وَالتَخَتُمُ بِاليَمين، وَتَعفِير الجَبين، وَالجَهر بـِبسمِ اللهِ الرَحمنُ الرَحيم}
وَعِندَما أردَنَا العَودَةُ الىٰ الدِيَار -بَعدَ أدَاء الزيَارَة وَمَنَاسكِها- صَعدنا فِي سَيّارَةٍ وَباللغَة الدَارجة نَقولُ (كَيَّة) وَمعي ثُلَّة مِنَ المؤمنينَ الزَائرينَ وَجلَسنَا فِي المَقاعِدِ الخَلفية وَصُدفَةً رَأينَا مَا يُقارب 10-15 شَخصًا يَضربونَ زَائرًا -يَبدو أنّه كَان أيرانيًا- وَرفيقَهُ وَيشتِمونَه وَيسبُونَهُ بَل سَحَلوهُ عَلىٰ ذلكَ الشَارع المُبَلّط وَلا أدرِي مَا السَبَب وَفي مَن يَكمنُ الخَطأ؟!
وَهَذا المَوقف قَد أستَثارنِي بِشِدّة أنَا وَمَن كَان مَعِي فِي الكَيّة وَقد وَدَدتُ أنْ أنزِلَ من الكَيّة كَي أغيثَ ضَيفَنا الزَائر الأيرَانِيّ ألّا أنّي لَم أنزلْ مِن الكَيّة وَلا أدرِي مَا السَبَب وَكأنّ قَدَماي قَد قُيّدتْ ، وَ لِشدَة تَعَجُبي وَأستغرَابِي مِن هَذا المَوقِف هَاجَت مَشاعرِي وَعوَاطفِي وَأكتفيتُ بِذَرفِ دُموعٍ صَامتَة وَلَو أنّي لَم أكنْ فِي الكَيّة لَعَجَجتُ بِالبُكاء حَسرَةً عَلىٰ ضَيفنَا ذلَك الزَائرُ الأيرَاني وَمَا لَاقاه مِن السَبَاب وَالشَّتم وَالضَرب ، أذ لَيس مِن عَادَة العِرَاقيينَ -وَهُم أهلٌ للسَخاء وَالكَرم مُنقَطعُ النَظير- أستقبَال أو تَوديع ضُيوفهِم بِهذَا الشَكل ، حَتّىٰ لَو أفتَرضنَا مِن بَاب الأحتمَال أنّ الضَيفَ -أيّاً مَن كَان- قَد أخطأ بِحَقّهم ، وَلا شَك لَيس كُلُّ العرَاقيينَ سَواسيَة فِي ردُودِ أفعَالهم ، وَعلىٰ كُلّ حَال بَعد مُشَاهدَة مَا حَدث أبدَىٰ سَائِقُ الكَيّة التَرضِيّ بِبَعض الحُجَج الوَاهية علَىٰ مَا حَدَث فأذَا بِالزُوَار الجَالِسينَ مَعي -فِي الكَيّة- مِنهُم قَد عَاتَبوا السَائق عَلىٰ كَلامه وَمنهُم هَاجموه مِن بَاب العتَابِ أيضًا وَ كُنتُ وَاحدًا مِنهُم أذ أنّي لَم أتحمّل كَلامه وَيَاليتَ الزَّمان يَرجِعُ ألىٰ الورَاء لأغاثَة زَائرنَا زَائِر الحُسَين(ع) وَضَيفِه ، وَأنّي نَادمٌ بِشدّة عَلىٰ عَدم النزُول مِن الكَيّة وَأغاثَتِهِ حَتّىٰ بَقِي هَذَا المَوقِف مُعَلَقًا فِي ذَاكِرَتِي وَلَا أستَطيعُ نسيَانَه.
لَعلَّ البَعض يَتَهجّم عَلىٰ بَعض ضُيوفِ العرَاق وزَائِري سَيّدِ الشُهدَاء(ع) بأنّ منهُم يَفعل كَذا وَمنهُم يَعمل كَذا فَأقول : يَا أخي لِماذا لَا تَحملُ أخَاكَ فِي الدين وَنظيركَ فِي الخَلق عَلَىٰ سَبعينَ مَحمَل؟!
ألَم يَقُلْ رَسول المَحبَةِ وَالسَّلَام :
{احمِلْ أخَاكَ المُؤمنْ عَلىٰ سَبعينَ مَحمَلًا مِنَ الخَير}
لِماذا لَا تُغَيّر نَظرتك عَنهُم فَتصِفُ حَالات التَدافُع الحَاصلَة فِي زيَاراتِ الأئمّة(ع) وَخصوصًا زيارَة الحُسَين بِن عَليّ(ع) بِأنّها نَوعٌ مِن أنوَاع شوق المُحبّ لِحَبيبه؟!
ألمْ تَسمَع مَا رُويَ عَنِ النَبِيّ(ص) أنَّهُ قَال :
{إِنَّ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) حَرَارَةً فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَبْرُدُ أَبَداً}
نَعَم أنّهم مُشتَاقونَ لِسيّدهم وَمَولَاهم ، مُولِعونَ بِحُبّه ، نَعَم أنّهم يَتسَابَقونَ فِي الخَيرَات ، أنّهم عَاشقونَ يَركضونَ نَحو قِبلَة العُشّاق فلَا شَك يَحصل تَدافُع ، أنّهم فِي بَحر الدُنيَا المُظلِمَة الفَانيَة فَيُسارِعونَ فِي ركوب مصبَاح الهُدَىٰ وَ سَفينَةِ النَجَاة ، وَكَأنّ مَولَاهُم الحُسَين(ع) يُنَادِي بِهم (هَل مِن نَاصرٍ يَنصُرُنا؟!) فَيُجيبُ كُلّ واحدٍ مِنهُم عَن طَريق الوُصول الىٰ الضَريح وَ التَمسّك بِهِ قَائلًا : (سَيّدي هَا أنَا نَاصِرُك وَمُعينُك) ، وَلو فَرضنَا أنّ كُلّ الناسِ مَجانينُ فأنّ عَاشقَ الحُسَينِ(ع) عَاقلُ
حَتّىٰ إنّ الذينَ مَاتوا فِي بَابِ القِبلَة عندَ الحُسَين(ع) قَبلَ سَنَتين ، هؤلَاء قَد أشتَاق لَهُم الحُسَين(ع) فـ فُتِحَ لَهُم بَاب الجِنَان فَتسَارعُوا نَحوه وَكَان لـ 31 نَفرًا نَصيبٌ مِنَ الحَظِّ فَعَرِجَت أروَاحُهم الىٰ جَنَّةِ المَأوىٰ وَفازُوا فَوزًا عَظيمًا وَكأنّ الحُسيَن(ع) سَيّد شَبابِ أهل الجَنّة نَادَاهم تَعَالوا بِجوَاري فَلَبُّوا النِدَاء وَسَارَعوا فِي الأجَابَة ، نَعَم هؤلَاء هُم عُشّاق الحُسَين(ع) وَالحُسَين لَا يُفَرّق بَينَهُم سَواء أكَانُوا ضُيوفًا أم خُدّامًا أم زُوّارًا ، نَعَم هَذا هُو الحُسَين بِن عَليّ(ع) مُوّحدُ الأديَانِ وَ الأجنَاسِ وَالأعرَاقِ مِن أقاصِي بُلدَان العَالم تَحتَ رَايَة الأسلَام ، فهَنيئًا لِكُل مَن عَرَف الحُسَين(ع) وَزَارَه ، كَمَا نَقول أنّنا -فِي كَلامنَا أعلَاه- لَا نُشَجّعُ عَلىٰ ظَاهرَة التَدافع بَل أنّ حَالات التَدافع أمرٌ طَبيعي فِي مثل زِيَارة سِبط الرَسول(ص)
وَفي الختَام أقول كُلَّما حَاول الأعدَاء تَمرير مُخطَطاتِهِم المَاكرَة وحَاولَوا طَمس هَويَّة المُسلمين الثَقافيَّة وَالدينيَّة وَيَفعلونَ المُستحيلَات لتَمزيق رَوابط الألفَة وَالمَحبَّة بَين الشعوبِ المُسلِمَة فأذا بالحُسَين(ع) يَأتي بزيَارتِه -زيَارة الأربَعينَ- يُفشِل كُلّ مُخطَطاتِهِم وَيُحِيي مَبَادِئ الأسلَام وَيوحدُ المُسلمينَ وَهذَا مِصدَاق قَول رَسول اللهِ مُحَمَّد(ص) : {حُسَينٌ مِنّي وَأنَا مِن حُسَين..}لذا لَا بُدّ لَنا أنْ نُحَافِظَ علَىٰ هذه الزيَارة المَليونيَّةِ المُبَارَكَة فَفيهَا مِنَ الخَيراتِ وَالبَركَات لَا يَسع المَجال لِذكرَها ، لَعل أبرزهَا هيَ الأستجَابَةُ السَريعَة لِفَتوىٰ الجِهَادِ الكَفائي.
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18)}
——————————————————
#عَليكَ_مِني_سَلَامُ_اللهِ_أبدًا_مَا_بَقيتْ
#غَيّر_مِن_نَظرتك
#زِيَارَةُ_الأربَعِين ..... #الحُسَين_يَجمَعُنَا
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat