الألوان في القرآن الكريم (أخضر)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قال الله تعالى عن اللون الأخضر ومشتقاتها "الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ" ﴿يس 80﴾ الْأَخْضَرِ: الْ اداة تعريف، أَخْضَرِ صفة، الذي أخرج لكم من الشجر الأخضر الرطب نارًا محرقة، فإذا أنتم من الشجر توقدون النار، فهو القادر على إخراج الضد من الضد، وفي ذلك دليل على وحدانية الله وكمال قدرته، ومن ذلك إخراج الموتى من قبورهم أحياء، و "نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا" ﴿الأنعام 99﴾ خضرا اسم، الخضر: الورق الأخضر، خَضِراً: زرعاً و شجراً أخضر، والله سبحانه هو الذي أنزل من السحاب مطرًا فأخرج به نبات كل شيء، فأخرج من النبات زرعًا وشجرًا أخضر، ثم أخرج من الزرع حَبًّا يركب بعضه بعضًا، كسنابل القمح والشعير والأرز، وأخرج من طلع النخل وهو ما تنشأ فيه عذوق الرطب عذوقًا قريبة التناول، وأخرج سبحانه بساتين من أعناب، وأخرج شجر الزيتون والرمان الذي يتشابه في ورقه ويختلف في ثمره شكلا وطعمًا وطبعًا، و "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴿يوسف 43﴾ خضر اسم، وقال الملك: إني رأيت في منامي سبع بقرات سمان، يأكلهن سبع بقرات نحيلات من الهُزال، ورأيت سبع سنبلات خضر، وسبع سنبلات يابسات، يا أيها السادة والكبراء أخبروني عن هذه الرؤيا، إن كنتم للرؤيا تُفَسِّرون، و "يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ" ﴿يوسف 46﴾ وعندما وصل الرجل إلى يوسف قال له: يوسف أيها الصديق فسِّر لنا رؤيا مَن رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات هزيلات، ورأى سبع سنبلات خضر وأخر يابسات، لعلي أرجع إلى الملك وأصحابه فأخبرهم، ليعلموا تأويل ما سألتك عنه، وليعلموا مكانتك وفضلك.
وردت كلمة أخضر ومشتقاتها في القرآن الكريم: خَضِرًا، خُضْرٍ، مُخْضَرَّة، الْأَخْضَرِ. جاء في معاني القرآن الكريم: خضر قال تعالى: "فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ۗ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ" ﴿الحج 63﴾، "وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ" ﴿الكهف 31﴾، فخضر جمع أخضر، والخضرة: أحد الألوان بين البياض والسواد، وهو إلى السواد أقرب، ولهذا سمي الأسود أخضر، والأخضر أسود.
وقال الله تعالى عن اللون الأخضر ومشتقاتها "أُولَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا" ﴿الكهف 31﴾ أولئك الذين آمنوا لهم جنات يقيمون فيها دائمًا، تجري من تحت غرفهم ومنازلهم الأنهار العذبة، يُحَلَّون فيها بأساور الذهب، ويَلْبَسون ثيابًا ذات لون أخضر نسجت من رقيق الحرير وغليظه، يتكئون فيها على الأسِرَّة المزدانة بالستائر الجميلة، نِعْمَ الثواب ثوابهم، وحَسُنتِ الجنة منزلا ومكانًا لهم، و "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ۗ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ" ﴿الحج 63﴾ مخضرة اسم، ألم ترَ أيها النبي أن الله أنزل من السماء مطرًا، فتصبح الأرض مخضرة بما ينبت فيها من النبات؟ إن الله لطيف بعباده باستخراج النبات من الأرض بذلك الماء، خبير بمصالحهم، و "مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ" ﴿الرحمن 76﴾ متكئين على وسائد ذوات أغطية خضر وفرش حسان، و "عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا" ﴿الانسان 21﴾ خضر صفة، متكئين على وسائد ذوات أغطية خضر وفرش حسان.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ" (الانسان 21) إنّ اختيار اللون الأخضر للباس أهل الجنّة هو لكونه يبعث على النشاط كأوراق الأشجار الجميلة، و بالطبع إنّ للّون الأخضر أنواعا و أقساما، و لكل منها لطافة: قوله تعالى "سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ" (يوسف 43) و سبع سنبلات خضر و قد أحاطت بها سبع سنبلات يابسات تأكيد آخر على هاتين الفترتين فترة النعمة و فترة الشدّة. قوله تعالى "الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ" ﴿يس 80﴾ شجر أخضر لماذا؟ يرد على الذهن أنّه لماذا عبّر القرآن هنا بالشجر الأخضر؟ في حين أنّ توليد النار من الخشب الطري و الرطب يتمّ بصعوبة بالغة، فكم كان جميلا لو عبّر عوضا عن ذلك (بالشجر اليابس)، لكي ينسجم مع المعنى تماما؟ النكتة هنا هو أنّ الشجر الأخضر الحي فقط يستطيع القيام بعملية التركيب الضوئي، و ادّخار نور الشمس و حرارتها، و أمّا الجذوع اليابسة للشجر لو بقيت مئات السنين متعرّضة للشمس فإنّها لن تستطيع زيادة الذخيرة الموجودة فيها. و بناء عليه فإنّ (الشجر الأخضر) فقط يستطيع أن يصنع وقودا لنا، و يمكنه الاحتفاظ و ادّخار الحرارة و النور و زيادتها بصورة محوّرة، و لكنّها بمحض جفافها، فإنّ عملية التركيب الضوئي تتوقّف، و تتعطّل معها عملية ادّخار الطاقة الشمسية. و بناء على هذا فإنّ التعبير أعلاه، يعتبر تجسيدا جميلا لعملية (انبعاث الطاقات) و معجزة علمية خالدة للقرآن الكريم. فضلا عن أنّنا إذا رجعنا إلى التّفسيرات الاخرى التي أشرنا إليها سابقا، يبقى أيضا التعبير ب (الشجر الأخضر) جميلا و مناسبا، إذ أنّ الأشجار الخضراء عند احتكاكها ببعضها البعض تولّد شرارة تستطيع أن تكون مبعث نار كبيرة، و هنا نقف إزاء عظمة قدرة اللّه في حفظه النار في قلب الماء، و الماء في قلب النار. و بناء عليه فإنّ القرآن الكريم يقول: (إنّ اللّه سبحانه و تعالى جعل لكم من الشجر الأخضر حطبا توقدونه، و هو القادر على إعادة الموتى إلى الحياة) و هذا التعبير ينسجم تماما مع ما قلناه من (بعث الطاقات) (تأمّل بدقّة) و على كلّ حال، فإنّ مسألة إشعال النار في خشب الأشجار مع أنّها مسألة بسيطة في نظرنا، و لكن بقليل من الدقّة نعلم أنّها من أعجب المسائل، لأنّ المواد التي يتشكّل منها خشب الأشجار في أغلبها ماء و تراب، و كلاهما غير قابل للاشتعال، فما هي تلك القدرة التي خلقت من الماء و التراب و الهواء و هي مواد طاقة لا زالت حياة البشر و منذ آلاف السنين مرتبطة بها بقوّة؟
واللون الاخضر لون حياة الارض حيث تتحول الارض الجرداء الميتة الى لون اخضر "اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا" (الحديد 17). كما هي قبة قبر الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي يبعى حيا في وجدان الانسانية. وهو لون ملابس الجنة "عَٰلِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ" (الانسان 21). واللون الاخضر ينسب الى العبد الصالح الخَضِر الذي ذَكر القرآن الكريم قصته مع موسى، عليه السلام العبد الصالح الخَضِر الذي ذَكر القرآن الكريم قصته مع موسى، عليه السلام. وفي عهد السلطان عبدالحميد الثاني تمّ دهنُ قبة المسجد النبوي باللون الأخضر، وصارت منذ ذلك الحين علامة مميزة في سماء المدينة المنورة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat