صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

من مفاهيم العرش في القرآن الكريم (عرشه)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن عرشه: قوله عز وعلا "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ" ﴿هود 7﴾ عَرْشُهُ: عَرْشُ اسم، هُۥ ضمير. وَ كانَ عَرْشُهُ على الماءِ: لم يكن قد خلق شيئاً من المخلوقات. وهو الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن في ستة أيام، وكان عرشه على الماء قبل ذلك؛ ليختبركم أيكم أحسن له طاعةً وعملا وهو ما كان خالصًا لله موافقًا لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولئن قلت أيها الرسول لهؤلاء المشركين من قومك: إنكم مبعوثون أحياءً بعد موتكم، لسارعوا إلى التكذيب وقالوا: ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا إلا سحر بيِّن.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ" (هود 7) هذا إخبار منه سبحانه عن نفسه بأنه أنشأهما في هذا المقدار من الزمان مع قدرته على أن يخلقهما في مقدار لمح البصر والوجه في ذلك أنه سبحانه أراد أن يبين بذلك أن الأمور جارية في التدبير على منهاج الحكمة منشأة على ترتيب لما في ذلك من المصلحة والمراد بقوله "ستة أيام" ما مقداره مقدار ستة أيام لأنه لم يكن هناك أيام بعد فإن اليوم عبارة عما بين طلوع الشمس وغروبها "وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (هود 7) في هذا دلالة على أن العرش والماء كانا موجودين قبل خلق السموات والأرض وكان الماء قائما بقدرة الله تعالى على غير موضع قرار بل كان الله يمسكه بكمال قدرته وفي ذلك أعظم الاعتبار لأهل الإنكار وقيل إن المراد بقوله "عرشه" بناؤه يدل عليه قوله ومما يعرشون أي يبنون والمعنى وكان بناؤه على الماء فإن البناء على الماء أبدع وأعجب عن أبي مسلم. "لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" معناه:أنه خلق الخلق ودبر الأمور ليظهر إحسان المحسن فإنه الغرض في ذلك أي: ليعاملكم معاملة المبتلي المختبر لئلا يتوهم أنه سبحانه يجازي العباد على حسب ما في معلومه أنه يكون منهم قبل أن يفعلوه وفي قوله "أحسن عملا" دلالة على أنه قد يكون فعل حسن أحسن من حسن آخر لأن حقيقة لفظة أفعل يقتضي ذلك "ولئن قلت" يا محمد لهم "إنكم مبعوثون من بعد الموت" للحساب والجزاء "لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ" (هود 7) أي: ليس هذا القول إلا تمويه ظاهر لا حقيقة له ومن قرأ ساحر فالمراد ليس هذا يعنون النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلا ساحر قال الجبائي وفي الآية دلالة على أنه كان قبل خلق السماوات والأرض الملائكة لأن خلق العرش على الماء لا وجه لحسنه إلا أن يكون فيه لطف لمكلف يمكنه الاستدلال به فلا بد إذا من حي مكلف وقال علي بن عيسى لا يمتنع أن يكون في الأخبار بذلك مصلحة للمكلفين فلا يجب ما قاله الجبائي وهو الذي اختاره المرتضى قدس الله روحه. وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: المراد بعرش اللَّه ملكه واستيلاؤه، والماء معروف، وتدل الآية على أن الماء كان موجودا قبل خلق السماوات والأرض، أما من أين جاء؟ وهل كان قائما على قرار؟ فلا نص على شيء من ذلك في آية، أو رواية متواترة، والعقل وحده لا يملك العلم به، لذا نترك البحث عنه، وكل ما قرأنا في هذا الباب لا يعدو الحدس والتخمين، أما المادة الأولى التي وجد منها الكون فلا تفسير لها عندنا إلا قوله تعالى: كوني فكانت، ومن أنكر هذا علينا تلونا قوله سبحانه: "لَكُمْ دِينُكُمْ ولِيَ دِينِ" (الكافرون 6). "لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" (هود 7) أي ان اللَّه أودع فينا وفي الأرض ما أودع من الطاقات ليميز بين الذين يعيشون بكدّ اليمين، والذين يعيشون على حساب المستضعفين، فيعاقب هؤلاء على عصيانهم ويثيب أولئك على طاعتهم. هذه الآيات كغيرها من الآيات الكثيرة التي أخبرت عن المكذبين بالبعث، مع فارق واحد، وهو الاخبار عنهم هنا بأنهم شبهوا الحديث عن البعث بالسحر في التمويه على الناس وخداعهم، لينقادوا إلى طاعة النبي، ويضمن لنفسه الرئاسة عليهم.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: وله تعالى "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ" (هود 7) الكلام المستوفى في توصيف خلق السماوات والأرض على ما يظهر من كلامه تعالى ويفسره ما ورد في ذلك عن أهل العصمة عليهم السلام. وإجمال القول الذي يظهر به معنى قوله: "ستة أيام" وقوله: "وكان عرشه على الماء" هو أن الظاهر أن ما يذكره تعالى من السماوات بلفظ الجمع ويقارنها بالأرض ويصف خلقها في ستة أيام طبقات من الخلق الجسماني المشهود تعلو أرضنا فكل ما علاك وأظلك فهو سماء على ما قيل والعلو والسفل من المعاني الإضافية. فهي طبقات من الخلق الجسماني المشهود تعلو أرضنا وتحيط بها فإن الأرض كروية الشكل على ما يفيده قوله تعالى: "يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا" (الاعراف 54). والسماء الأولى هي التي تزينه مصابيح النجوم والكواكب فهي الطبقة التي تتضمنها أو هي فوقها وتتزين بها كالسقف يتزين بالقناديل والمشاكي وأما ما فوق السماء الدنيا فلم يرد في كلامه شيء من صفتها غير ما في قوله تعالى سبع سماوات طباقا" (الملك 3)، وقوله: "أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا" (نوح 15-16) حيث يدل على مطابقة بعضها بعضا. وقد ذكر الله سبحانه في صفة خلقها أنها كانت رتقاء ففتقها ومتفرقة متلاشية فجمعها وركمها وأنها كانت دخانا فصيرها سماوات، قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" (الانبياء 30) "ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا" (فصلت 12) فأفاد أن خلق السماوات إنما تم في يومين، واليوم مقدار معتد به من الزمان وليس من الواجب أن يطابق اليوم في كل ظرف ووعاء يوم أرضنا الحاصل من دورة واحدة من حركتها الوضعية كما أن اليوم الواحد في القمر الذي لهذه الأرض يعدل تسعة وعشرين يوما ونصفا تقريبا من أيام الأرض واستعمال اليوم في البرهة من الزمان شائع في الكلام. فقد خلق الله سبحانه السماوات السبع في برهتين من الزمان كما قال في الأرض:"قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ" (فصلت 10) فأنبأ عن خلقها في يومين وهما عهدان وطوران وجعل الأقوات في أربعة أيام وهي الفصول الأربعة. المراد بخلقها جمع أجزائها وفصلها وفتقها من سائر ما يختلط بها من المادة المتشابهة المركومة، وقد تم أصل الخلق والرتق في السماوات في يومين وفي الأرض أيضا في يومين ويبقى من الستة الأيام يومان لغير ذلك. وأما قوله: "وكان عرشه على الماء" (هود 7) فهو حال والمعنى وكان عرشه يوم خلقهن على الماء وكون العرش على الماء يومئذ كناية عن أن ملكه تعالى كان مستقرا يومئذ على هذا الماء الذي هو مادة الحياة فعرش الملك مظهر ملكه، واستقراره على محل هو استقرار ملكه عليه كما أن استواءه على العرش احتواءه على الملك وأخذه في تدبيره. وقول بعضهم: إن المراد بالعرش البناء أخذا من قوله تعالى:{مما يعرشون" (النحل 68) أي يبنون كلام بعيد عن الفهم. قوله تعالى: "ليبلوكم أيكم أحسن عملا" اللام للغاية والبلاء الامتحان والاختبار، وقوله: "أيكم أحسن عملا" بيان للاختبار والامتحان في صورة الاستفهام والمراد أنه تعالى خلق السماوات والأرض على ما خلق لغاية امتحانكم وتمييز المحسنين منكم من المسيئين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/12/15


  أحدث مشاركات الكاتب :

    •  كلمات متقاربة اللفظ مختلفة المعنى في القرآن الكريم (أسرى، سريا)  (المقالات)

    • ضرر الفساد في أمثلة (ولا تبغ الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين) (ح 33)  (المقالات)

    • اشارات قرآنية من كتاب باب الحوائج الإمام الكاظم للدكتور الحاج حسن (ح 4)  (المقالات)

    • اشارات قرآنية من كتاب باب الحوائج الإمام الكاظم للدكتور الحاج حسن (ح 3)  (المقالات)

    • أحاديث نبوية متداولة في مصادر أتباع أهل البيت (ح 204)  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : من مفاهيم العرش في القرآن الكريم (عرشه)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net