شرح جملة في آية قرآنية "واعلموا أنكم ملاقوه" لقاء الله تعالى (ح 2)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (لقا) "يلقها" (فصلت 35) (القصص 80) يعلمها ويوفق لها، و "ألقيا في جهنم" (ق 24) الخطاب لمالك (يقصد خازن النار) وحده لأن العرب تأمر الواحد والجمع كما تأمر الاثنين، و "فتلقى ادم من ربه كلمات" (البقرة 37) أي استقبلها بالأخذ والقبول، وروي انه سأله بحق محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام، وروي غير ذلك أيضا و "إنك لتلقى القرآن" (النمل 6) أي تؤتاه، وتلقنه من لدن حكيم عليم، و "تلقونه" (نور 15) تقبلونه بأن يأخذ بعضكم من بعض يقال: تلقى القول وتلقنه وتلقفه بمعنى، والأصل تتلقونه، وقرئ تولقونه من الولق وهو استمرار اللسان بالكذب، و "تلقاء أصحاب النار" (الاعراف 46) تجاه أصحاب النار، ونحو أهل النار، ومثله "تلقاء مدين" (القصص 22) و "من تلقاء نفسي" (يونس 15) من عند نفسي، و "ألقى السمع وهو شهيد" (ق 27) سمع كتاب الله وهو شاهد القلب ليس بغافل ولا ساه، و "يوم التلاق" (غافر 15) يوم يلتقي فيه أهل الأرض والسماء، و "فالملقيات ذكرا" (المرسلات 5) الملائكة تلقي ذكرا الأنبياء عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين.
جاء في كتاب تفسير التبيان للشيخ الطوسي: قوله تعالى "وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ" ﴿البقرة 223﴾: "أنكم ملاقوه" أي اتقوامن معاصيه التي نهاكم عنها، واتقوا عذابه، واعلموا أنكم ملاقوا عذابه إن عصيتموه، وملاقوه ثوابه إن أطعتموه، وإنما أضافه اليه على ضرب من المجاز، كما يقول القائل لغيره: ستلقى ما عملت، وإنما يريد جزاء ما عملت، فيسمي الجزاء باسم الشئ. وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ" ﴿البقرة 223﴾ أي ملاقوا جزائه يعني ثوابه إن أطعتموه وعقابه إن عصيتموه وإنما أضافه إليه على ضرب من المجاز. جاء في کتاب من هدى القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: هل ترجو لقاء الله؟ اللقاء مع الله خالق السماوات والأرض، الرحمن الرحيم، هدف سام يرجى بلوغه لما فيه من مصالح هامة، ولكن بعض الناس لا يرجون لقاء الله، فهم غير مرتبطين بهدف أسمى في حياتهم، لذلك تجدهم يهتمون بعاجل الدنيا، يحسبون ما فيها من لذائذ ومتع هي كل شيء. "إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا" (يونس 7) بينما هم غافلون عما حولهم من الآيات بينات، تدل على أن الإنسان أرفع درجة من سائر الأحياء، وأنه قادر على بلوغ مراتب عالية، لذلك لا يعيشون قلق المؤمنين النفسي الذي يبعثهم إلى النشاط من أجل بلوغ تلك المراتب، بل تجدهم يطمئنون بالحياة الدنيا، يرضون بما فيها من متع ولذات، كالبهيمة السائبة همها علفها. وقد عبر الإمام زين العابدين عليه السلام عن هذا اللقاء العاصف بالشوق والوله بين العبد والرب بقوله في مناجاته (فَقَدِ انْقَطَعَتْ إِلَيْكَ هِمَّتِي وَ انْصَرَفَتْ نَحْوَكَ رَغْبَتِي، فَأَنْتَ لَا غَيْرُكَ مُرَادِي، وَلَكَ لَا لِسِوَاكَ سَهَرِي وَسُهَادِي، وَلِقَاؤُكَ قُرَّةُ عَيْنِي، وَوَصْلُكَ مُنَى نَفْسِي، وَإِلَيْكَ شَوْقِي، وَفِي مَحَبَّتِكَ وَلَهِي، وَإِلَى هَوَاكَ صَبَابَتِي، وَرِضَاكَ بُغْيَتِي، وَرُؤْيَتُكَ حَاجَتِي، وَجِوَارُكَ طَلِبَتِي، وَقُرْبُكَ غَايَةُ سُؤْلِي، وَفِي مُنَاجَاتِكَ أُنْسِي وَرَاحَتِي، وَعِنْدَكَ دَوَاءُ عِلَّتِي وَشِفَاءُ غُلَّتِي وَبَرْدُ لَوْعَتِي وَكَشْفُ كُرْبَتِي) إلى أن يقول (وَلَا تُبْعِدْنِي مِنْكَ يَا نَعِيمِي وَجَنَّتِي، وَيَا دُنْيَايَ وَآخِرَتِي، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ). وإذا كان لقاء الله أعظم نعم المؤمنين فإن حرمان الفجار منه يعد أعظم عذاب لهم، ولا يعرفون عمق هذه المأساة إلا في يوم القيامة، لذلك ترى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يجأر إلى ربه خشية فراقه ويقول (فَهَبْنِي يَا إِلَهِي وَسَيِّدِي صَبَرْتُ عَلَى عَذَابِكَ فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلَى فِرَاقِكَ، وَهَبْنِي صَبَرْتُ عَلَى حَرِّ نَارِكَ فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى كَرَامَتِك).
جاء عن موقع البتول حول الرؤيا القلبية: عن الشيخ الصدوق توضيحا للروايات الصادرة عن أئمة أهل البيت حول الرؤية القلبية، فإليك ما روى عنهم - صلوات الله عليهم: إن في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام تصريحا بصحة الرؤية القلبية، واللائح منها زيادة اليقين بظهور عظمته وقدرته، وإليك البيان: 1 - أخرج الصدوق عن يعقوب بن إسحاق، قال: كتبت إلى أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام أسأله كيف يعبد ربه وهو لا يراه ؟ فوقع عليه السلام: يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يرى، قال: وسألته هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه؟ فوقع عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب. 2 - أخرج الصدوق عن ابن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكانا لم يطأه جبرئيل قط، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب. وفي ضوء ذلك فالرؤية القلبية شهود نور عظمته في النشأتين. 3 - أخرج الصدوق عن عبيد بن زرارة عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول الله إذا نزل عليه الوحي، فقال: ذاك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد، ذاك إذا تجلى الله له، قال: ثم قال: تلك النبوة يا زرارة وأقبل يتخشع. 4 - أخرج الصدوق عن محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه عز وجل، فقال: رآه بقلبه، أما سمعت الله عز وجل يقول: "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى" (النجم 11)، أي لم يره بالبصر ولكن رآه بالفؤاد . 5 - أخرج الصدوق عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في جواب سؤال شخص عن رؤية الله يوم القيامة، فقال في ذيل الجواب: وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون. ثم إن للمحدث الأكبر الشيخ الصدوق (630 - 381 ه) الذي طاف البلاد شرقا وغربا وجمع أحاديث الرسول وعترته، كلاما في الرؤية القلبية، وحكي أن محدثين كبيرين من محدثي الشيعة كأحمد بن محمد بن عيسى القمي (المتوفى بعد سنة 280 ه) ومحمد بن أحمد بن يحيى رووها في جامعهما. ثم إن شيخنا الصدوق فسر الرؤية القلبية بما يلي: ومعنى الرؤية الواردة في الأخبار: العلم، وذلك أن الدنيا دار شكوك وارتياب وخطرات، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله وأموره في ثوابه وعقابه، ما يزول به الشكوك، وتعلم حقيقة قدرة الله عز وجل، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: "لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ" (ق 22) فمعنى ما روى في الحديث أنه عز وجل يرى أي يعلم علما يقينيا كقوله عز وجل: "أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلّ" (الفرقان 45) وقوله: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ" (البقرة 258) وقوله: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ" (الفيل 1) وأشباه ذلك من رؤية القلب وليست من رؤية العين. هذه مسألة رؤية الله، وهذه أقوال الأمة فيها، وهذا خلافهم الممتد من العصور الأولى إلى عصرنا هذا، وهي مسألة كلامية اختلفت فيها أنظار الباحثين ولكل دليله وبرهانه، والنافي للرؤية ينفي لاستلزامها إثبات التجسيم والتشبيه، مضافا إلى تضافر الآيات على نفيها بدلالات مختلفة، والمثبت إنما يثبتها اغترارا ببعض الظواهر والروايات الواردة في الصحاح. ولكن ليس لكل من الطائفتين تكفير الأخرى. إن الرؤية مسألة اجتهادية تضاربت فيها أقوال الباحثين من المتكلمين والمفسرين، وكل طائفة تمسكت بلفيف من الآيات، فتمسك المثبت بقوله سبحانه: "إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" (القيامة 23) وتمسك النافي بقوله سبحانه: "لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ" (الانعام 103). فكيف يكون إنكار النافي ردا للقرآن، ولا يكون إثبات المثبت ردا له؟ فإذا جاز التأويل لطائفة لما يكون مخالفا لعقيدته، فكيف لا يسوغ لطائفة أخرى؟ وليست رؤية الله يوم القيامة من الأمور الضرورية التي يلازم إنكارها إنكار الرسالة ولا إنكار القرآن، بل كل طائفة تقبل برحابة صدر المصدرين الرئيسيين أعني الكتاب والسنة، ولكن تناقش في دلالتهما على ما تدعيه الطائفة الأخرى، أو تناقش سند الرواية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat