صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

أهمية السؤال في القرآن الكريم (ح 3) (يسألونك عن الأهلة)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


يعد أهل الذكر محور مهم في القرآن لمن يريد السؤال للحصول على الأجابة التي توافق القرآن. وتدخل مصطلحات فهية في هذا المجال مثل الاجتهاد والتقليد. جاء في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: لا يقاس صاحب الملكة بمن ليست له ملكة الاجتهاد بالفعل إلاّ أنه يتمكن من تحصيلها لاستعداده وقابليته ولو بالاشتغال بالدراسة سنين متمادية، وذلك لأنه غير متمكن حقيقة من تحصيل العلم التعبدي بالأحكام ولا يحتمل حرمة التقليد عليه بأن يحتمل وجوب الاجتهاد في حقه، كيف فإن الاجتهاد واجب كفائي وليس من الواجبات العينية. لدلالته على أن الاجتهاد وتحصيل العلم بالأحكام إنما يجب على طائفة من كل فرقة لا على الجميع. وهذا بخلاف صاحب الملكة إذ من المحتمل أن يجب عليه الاجتهاد وجوباً تعيينياً لتمكنه من تحصيل العلم بالأحكام ويحرم عليه التقليد لانصراف أدلة الجواز عنه، حيث إن ظاهرها أن جواز التقليد يختص بمن لا يتمكن من تحصيل العلم بالأحكام فمثل قوله عزّ من قائل: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (النحل 43) يختص بمن لا يكون من أهل الذكر ولو بالقوة، لوضوح أنه لو كان خطاباً للمتمكن من تحصيل العلم بالأحكام لم يناسبه الأمر بالسؤال بل ناسب أن يأمره بتحصيل العلم بها فإن مثله لا يخاطب بذلك الخطاب. وهكذا الكلام في بقية أدلته لوضوح اختصاصها بمن لا يتمكن من تحصيل الحجة على الحكم حتى السيرة العقلائية الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم. إن كون التقليد في موارد عدم العلم الاجمالي واجباً طريقياً يبتني على أن يكون معناه تعلم فتوى المجتهد أو أخذها، وأمّا بناءً على ما هو الصحيح عندنا من أنه العمل إستناداً إلى فتوى المجتهد فالتقليد نفس العمل ولا معنى لكونه منجزاً للواقع، فالمنجز على هذا هو الأمر بالتعلم بالتقليد أو الاجتهاد. وأمّا عدم كونه وجوباً نفسياً فلعلّه أوضح من سابقيه وذلك لأنه لا وجه له سوى توهّم أن تعلم الأحكام الشرعية واجب بدعوى استفادته من مثل ما ورد من أن (طلب العلم فريضة) وقوله عزّ من قائل: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (النحل 43) وغيرهما مما يمكن الاستدلال به على هذا المدعى كما ذهب إليه الأردبيلي قدّس سرّه وتبعه بعض المتأخرين، إلاّ أ نّا بيّنا في محله أن تعلم الأحكام ليس بواجب نفسي وإنما التعلم طريق إلى العمل ومن هنا ورد في بعض الأخبار "أن العبد يؤتى به يوم القيامة فيقال له: هلاّ عملت؟ فيقول: ما علمت فيقال له: هلاّ تعلمت فترى أن السؤال أوّلاً إنما هو عن العمل لا عن التعلم، ومنه يستكشف عدم وجوبه النفسي وأنه طريق إلى العمل وإلاّ لكان اللاّزم سؤال العبد أوّلاً عن التعلم بأن يقال له ابتداءً: هلاّ تعلّمت وتفصيل الكلام في عدم وجوب التعلم موكول إلى محلّه.

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ﴿البقرة 189﴾ بين شريعة أخرى فقال "يسألونك عن الأهلة" أي أحوال الأهلة في زيادتها ونقصانها ووجه الحكمة في ذلك "قل" يا محمد "هي مواقيت للناس والحج" أي هي مواقيت يحتاج الناس إلى مقاديرها في صومهم وفطرهم وعدد نسائهم ومحل ديونهم وحجهم فبين سبحانه أن وجه الحكمة في زيادة القمر ونقصانه ما تعلق بذلك من مصالح الدين والدنيا لأن الهلال لوكان مدورا أبدا مثل الشمس لم يمكن التوقيت به وفيه أوضح دلالة على أن الصوم لا يثبت بالعدد وأنه يثبت بالهلال لأنه سبحانه نص على أن الأهلة هي المعتبرة في المواقيت والدلالة على الشهور فلو كانت الشهور إنما تعرف بطريق العدد لخص التوقيت بالعدد دون رؤية الأهلة لأن عند أصحاب العدد لا عبرة برؤية الأهلة في معرفة المواقيت.

جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ﴿البقرة 189﴾ قال الفخر الرازي واعلم أن مذهب العرب من الزمان الأول أن تكون السنة قمرية لا شمسية، وهذا الحكم توارثوه عن إبراهيم وإسماعيل. عليهما السلام. فأما عند اليهود والنصارى، فليس الأمر كذلك. وقال الجمل: قوله (اثنا عشر شهرا) هذه شهور السنة القمرية التي هي مبنية على سير القمر في المنازل، وهي شهور العرب التي يعتد بها المسلمون في صيامهم ومواقيت حجهم وأعيادهم وسائر أمورهم وأحكامهم. وأيام هذه الشهور ثلاثمائة وخمسة وخمسون يوما. والسنة الشمسية عبارة عن دوران الشمس في الفلك دورة تامة، وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم. فتنقص السنة الهلالية عن السنة الشمسية عشرة أيام، فبسبب هذا النقصان تدور السنة الهلالية فيقع الصوم والحج تارة في الشتاء وتارة في الصيف. هذا، وقد تكلم بعض المفسرين عن الشهور القمرية، وعن سبب تسميتها. فأنت ترى هنا أن السائلين قد سألوا عن سبب اختلاف الأهلة بالزيادة والنقصان، فأجيبوا ببيان الحكمة من خلقها، فكأنه سبحانه يقول لهم: عليكم أن تسألوا عن الحكمة والفائدة من خلق الأهلة لأن هذا هو الأليق بحالكم وهو ما أجبتكم عليه، لا أن تسألوا عن سبب تزايدها في أول الشهر وتناقصها في آخره، لأن هذا من اختصاص علماء الهيئة، وأنتم لستم في حاجة إلى معرفة ذلك في هذا الوقت. ولعلماء البلاغة كلام جيد في مزايا ما يسمونه بأسلوب الحكيم، فقد قال السكاكي ما ملخصه: ولهذا النوع أعنى إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر أساليب متفننة، ولكل من تلك الأساليب عرق في البلاغة يتشرب من أفانين سحرها، ولا كأسلوب الحكيم فيها. وهو تلقى المخاطب بغير ما يترقب، أو السائل بغير ما يتطلب، كما قال تعالى: "يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ" ﴿البقرة 189﴾ الآية. قالوا في السؤال. ما بال الهلال يبدو دقيقا (ألخ) فأجيبوا بما ترى.

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ﴿البقرة 189﴾ "يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ". يحتمل هذا السؤال أمرين إذا نظرنا إليه مستقلا عن جوابه: الأول أن يكون السؤال عن السبب الطبيعي لاختلاف ما يبدو أولا من دقة الهلال: ثم تمامه بدرا، ثم يعود كما كان، وهكذا دواليك. الاحتمال الثاني أن يكون السؤال عن الحكمة في ذلك، لا عن السبب الطبيعي، أما إذا نظرنا إلى السؤال وجوابه معا، وهو" قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ" تعين أن يكون السؤال عن الحكمة فقط، دون السبب الطبيعي، وهذا هو الأرجح عملا بمبدأ مطابقة الجواب للسؤال. أما قول من قال: انهم سألوا عن السبب الطبيعي، وان اللَّه سبحانه أمر نبيّه أن يجيبهم ببيان الحكمة تعريضا بأن سؤالهم في غير محله، لأنهم عاجزون عن إدراك السبب الطبيعي الذي يحتاج إلى دراسة طويلة وعميقة، ومقدمات علمية كثيرة، وان الأجدر بهم أن يسألوا عن الحكمة والفائدة في اختلاف الأهلة، حيث يمكنهم فهمها وهضمها أما هذا القول فمجرد احتمال لا يستند إلى دليل سوى الاستحسان.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/07/10


  أحدث مشاركات الكاتب :

    •  كلمات متقاربة اللفظ مختلفة المعنى في القرآن الكريم (أسرى، سريا)  (المقالات)

    • ضرر الفساد في أمثلة (ولا تبغ الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين) (ح 33)  (المقالات)

    • اشارات قرآنية من كتاب باب الحوائج الإمام الكاظم للدكتور الحاج حسن (ح 4)  (المقالات)

    • اشارات قرآنية من كتاب باب الحوائج الإمام الكاظم للدكتور الحاج حسن (ح 3)  (المقالات)

    • أحاديث نبوية متداولة في مصادر أتباع أهل البيت (ح 204)  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : أهمية السؤال في القرآن الكريم (ح 3) (يسألونك عن الأهلة)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net