صفحة الكاتب : اوس ستار الغانمي

رحلة الألم: السيدة رقية إلى الحبيب
اوس ستار الغانمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


في قلب صحراء كربلاء، تسجل صفحات التاريخ بأحرف من دماء وتضحيات، وجدت رقية عزيزة الحسين (عليهما السلام) ذات الثلاث سنوات نفسها في رحلة لم تكن كسائر الرحلات. كانت رحلتها إلى الحبيب، والدها الإمام الحسين (عليه السلام)، رحلة محملة بالألم والأمل، في زمن عصفت فيه الرياح بالحياة وجعلت من كل لحظة دربًا مليئًا بالتحديات.

عندما وقعت مأساة كربلاء في العاشر من محرم عام 61 هـ. على الرغم من صغر سنها، إلا أن تجربتها الحزينة كانت مليئة بالمعاني والمآسي التي تلمس القلوب. حياة رقية (عليها السلام) وقصتها المؤثرة تبقى من بين أعمق القصص في تاريخ الإسلام، وتظهر لنا قوة البراءة والصبر في وجه الظلم والجور.

الرحلة إلى كربلاء
بدأت المأساة عندما قرر الإمام الحسين (عليه السلام) الخروج من المدينة المنورة إلى مكة ومن ثم إلى كربلاء، بناءً على دعوات من أهل الكوفة الذين طلبوا منه القدوم لقيادتهم ضد ظلم يزيد بن معاوية (لعنه الله). رغم المخاطر الكبيرة، انطلق الإمام الحسين مع أهل بيته وأصحابه، وكان بينهم ابنته الصغيرة رقية (عليها السلام).

على طول الطريق، شهدت السيدة رقية الكثير من الصعوبات والمعاناة. كانت تسير مع قافلة مليئة بالرجال الشجعان والنساء الصابرات، وكلهم يعلمون أن الموت قد يكون مصيرهم في نهاية الرحلة. ورغم أن السيدة كانت صغيرة جداً لتفهم كل ما يجري حولها، إلا أنها شعرت بالقلق والحزن الذي يحيط بالعائلة.

لحظات الصمود
في كربلاء، حيث كان القتال محتدمًا، رأت رقية (عليها السلام) مشاهد لا يمكن لعقل صغير أن يستوعبها. عاشت لحظاتٍ من الرعب والحزن، ووسط تلك الفوضى، كان قلبها يبحث عن الأمان والحنان في والدها. تأملاتها في تلك اللحظات كان يتخللها تساؤلات طفولية عن سبب هذا العنف الذي يحيط بها.

فترة الأسر والرحلة إلى الشام
بعد المعركة، أصبحت رقية وأسرتها أسرى في يد أعدائهم. رحلة الأسر كانت أكثر قسوة من المعركة نفسها. من كربلاء إلى الكوفة، ثم إلى الشام، مرت القافلة بتجربة مريرة، لكنها كانت بالنسبة لرقية رحلة إلى القلب. كان السفر قاسياً، والألم يرافق كل خطوة. كانت الطفلة الصغيرة تشعر بكل لحظة من الرحلة، تنظر إلى الأفق متسائلة عن مصيرها.

اللقاء الأخير
في قصر يزيد بالشام، استقبلت رقية ما قد يكون أعظم صدمة في حياتها. كان اللقاء بالرأس الشريف للإمام الحسين (عليه السلام) هو آخر لحظات اتصالها المباشر بوالدها. في تلك اللحظة، لم يكن هناك سوى الصمت، وصوت قلب صغير ينادي والده، منادياً إياه كي يأتي ليرتاح إلى جانبه.

عندما شاهدت رقية رأس والدها، تملكتها موجة عارمة من الحزن، وصارت تحاكي ذكرى الأب الذي طالما أحبته وأحبت حبه. لم يكن في وسع قلبها الصغير أن يتحمل هذه الصدمة، فتوفيت في تلك اللحظة التي وضعت فيها رأس والدها إلى جانبها، كأنما وجدت في تلك النهاية جزءاً من السلام الذي كانت تبحث عنه.

الإرث العاطفي
رغم قصر عمرها، كانت رحلة رقية إلى الحبيب عبارة عن قصة مليئة بالألم والإلهام. لم تكن مجرد رحلة من مكان إلى مكان، بل كانت رحلة عبر مشاعر الطفولة البريئة، عبر حزن الحياة وصعوباتها. تكشف قصتها عن قوة الروح الإنسانية في مواجهة أقسى الظروف، وتعكس الصراع بين البراءة والظلم.

تظل رحلة رقية عزيزة الحسين (عليها السلام) إلى الحبيب واحدة من أعمق القصص التي تعبر عن التحديات والصمود. تذكرنا قصتها بحجم التضحيات التي قدمتها عائلة الإمام الحسين (عليه السلام) في سبيل مبادئهم. في ظل كل الصعوبات، تبقى ذكرى السيدة رقية (عليها السلام) حية، تسلط الضوء على قيمة الصبر والقوة في مواجهة المحن، وتؤكد على أهمية الأمل والتفاني في سبيل الحق.

لقد علمتنا السيدة (عليها السلام) أن الصغار، رغم براءتهم، يحملون في قلوبهم قدرًا من الصبر والقدرة على التحمل لا يضاهيهما أي شيء، وأن الذكريات والتجارب المؤلمة يمكن أن تترك أثراً عميقاً في الذاكرة الجماعية للأجيال القادمة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اوس ستار الغانمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/08/10



كتابة تعليق لموضوع : رحلة الألم: السيدة رقية إلى الحبيب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net