دعوا إيران وشأنها إن كنتم لا تدركون حقيقتها
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
انتصرت إيران في ثورتها بقيادة قائدها الحكيم الخميني- وعدٌ إلهيّ خصّه قوم سلمان في آخر الزمان- فكان إنتصارا لم يشهد له العالم المعاصر مثيلا، يحمل بشائر قيام الإسلام المحمّدي في آخر الزمان، على أيدي هؤلاء المؤمنين، ومؤشّر واضح لبدء عصر جديد، لتَشكّلِ عالمٍ مستضعف - بحاجة إلى قوم مؤمنين بقدراتهم مستعدين للنضال والتضحية، من أجل نشر القيم الإنسانية والحفاظ عليها– لكي يقوم بتمرده على عالم غربي مستكبر، تجلى ذلك من خلال مواقف إيران الثورية الجريئة، بإمكانه أن ينهض من سباته وسلبيته، ليتحدّى ظالميه ومستغلّي ضعف إرادته من القوى الغربية.
موقف الخميني الذي دعا شعبه إلى مناصرته عليه، بدا واضحا ولم يخفه أبدا وهو مدرك تماما أن القوى الغربية ستبذل جهدها من أجل ثنيه عنه، لأجل ذلك اتفقت وتكتّلت في وجه إيران، وسخّرت لأجل إنجاح مسعاها في اضعاف ايران وتحييدها عن مسارها المناصر كل ما لديها من قدرات وطاقات اقتصادية وعسكرية وإعلامية دعائية، وبل وذهبت إلى افتعال الأزمات والمؤامرات ضد ايران، في الداخل كما في الخارج، فلم يثني ذلك من عزم إيران شيئا، فثابرت وصبرت وقاومت، حتى تأسس محور مقاومة أظهر قوته بمرور الوقت، وعند كل مواجهة، لم يظهرها من قبل، بفضل الله سبحانه، وما قدّمته ايران هذه الفصائل المباركة.
مواقف ايران التحررية التي أبدتها للقضية الفلسطينية، رأت فيها أمريكا زعيمة الاستكبار الغربي خرقا وتهديدا لمشروعها، في الهيمنة على المنطقة وإخضاعها لإرادتها، فبادرت بالتعرض لإيران سياسيا، والعمل على تشويهها إعلاميا، وتحريض عملائها من الدول العربية عليها، في محاولات متكررة، من أجل إضعاف إرادتها، وثنيها عن مواصلة مشروعها ذا الأولوية القصوى، لكن كل ما فعلته أمريكا، من عقوبات ومؤامرات – تعاونت عليها فيها مع الاتحاد الاوروبي - لم تثني إيران ولا فلّت من عزمها الراسخ، على بناء جبهة مقاومة، قادرة على تحقيق الهدف المنشود من تحرير فلسطين.
محاولات أمريكا ودول الغرب وإسرائيل حرْف إيران عن هدفها، بكل الطرق الخبيثة والإجرامية التي لجأت إليها، وقامت برعاية تنفيذها لم تنجح، وباءت بفشل ذريع بعد كل محاولة، أخسّ تلك المحاولات عمليات إغتيال مدروسة، تعاونت عليها أجهزة مخابرات غربية وصهيونية، قام بتنفيذها عملاء أنذال، استهدفت علماء وشخصيات هامة، على مدى مسيرة إيران الثورية، تحوّلت من خسائر كبيرة مُنيت بها، إلى حوافز إيمانية عالية، زادت من إصرار أهلها على مواصلة طريقها الشّاق، في بناء ودعم محور مقاوم للإستكبار الغربي، ليس من أجل تحرير فلسطين والقدس فقط، بل ولتخليص هذا العالم من شرور قوى الاستكبار الغربي الصهيوني.
وعندما تهون على إيران تضحياتها المادية الهائلة، مع خسائرها البشرية الجسيمة، المتمثلة في فقدها كبار شخصياتها وعلمائها، يمكن لكل منصف أن يعطي إيران حقّها من الإكبار والتقدير، فلا ينخرط في الإساءة إليها تحت أيّ مبرر كان، كما يفعل أعداؤها من الغرب وعملائهم، وأخطر من هؤلاء جهلة الشعوب، الذين لا ثقافة لهم من شأنها أن تحميهم، من دعايات أعداء إيران المضللة، وما قدّمته إيران وما تزال تقوم به، باعتباره تكليفا شرعيا، أملاه عليها دينها الإسلامي، يفهم كل عاقل مقاديره، وقد بلغت من الضخامة، بحيث لا يمكن تقييمها ماديا وبشريا، من شأنها أن تُخجِل كل منتقد لإيران يمتلك أدنى إحساس بوعي وبصيرة، بمجرّد استعراض بعضها، يرى نفسه قد ظلمها، وعليه بالتالي أن يعكس اللوم على غيرها من الدول العربية والإسلامية، المطالَبة بنصرة أشقائها، فيتّهم تقاعسها وخذلانها لهم، وهذا أقلّ ما يمكن أن يقوم به.
من قال أن إيران باعت القضية الفلسطينية وتخلت عن المقاومة، ليس سوى منخرط في محور صهيوني غربي منسجم في موقفه مع منافقي الشعوب والحكومات العربية التي لا يمكن أن نعذر حتى ضعافها فضلا عن تلك التي تتباهى بترساناتها العسكرية، لإرهاب شعوبها وتتحول بعد مدّة من الزّمن الى أكداس خردة لا تصلح لشيء، وإن سألتهم لماذا هذه الأسراب من الطائرات، وهذه المدافع والصواريخ والدبابات، والقطع العسكرية البحرية، ومئات آلاف العساكر لمختلف أصناف الجيوش؟ لم يجرُّوا لك جوابا ولاذوا بصمت العاجزين على الرّد، فمن باب أخرى توجيه إصبع الاتهام ببيع القضية ل23 دولة عربية، بقيت شاهدا على ما يجري ولم تحرك ساكنا، فليخجل كلّ مدّع على ايران ما لم تفكر حتى مجرّد التفكير فيه، وليخرس لسانه في فمه وليكسر قلمه ويرمي به بعيدا عن بهتانه بحقّ إيران، فإنّ الفاسق من يسمع العدوّ ثم يعيدُ كلامه، وينشر دعايته خدمة له دون أن يشعر، وفي هذا منتهى الغباء السياسي.
وكأنّي بهؤلاء البُلْهِ يريدون استعجال أمر خطط له أعداء إيران، وهي متفطنة له، ومُعِدّة له إعدادها، الذي ليست بحاجة إلى نشره، لأنّه من أسرارها التي لا تريد إطلاعها، حتى على اقرب المقربين منها، وهذا من حقّها، بل إنّه من منتهى الغباء أن تظهره لتفنيد أقوال تافهة، منسجمة مع ما يقوله أعداء إيران، قائد الثورة الإسلامية وعد بالرّد الرادع، أما متى وكيف؟ ولماذا تأخّر حتى ظنّ الواهمون أنه مجرّد كلام؟ فذلك شأن من توهّم وليست إيران في موضع المساءلة هنا، ولا أحد يمتلك صلاحية مساءلتها، من شكك في صدقية ايران فليتقدّم الي هذا العالم المتخاذل بالبديل، فالقضية ثقيلة الوزن بالتضحيات، بحاجة إلى من يساعد ويناصر، وليس من يثبط ويشكك.
عندما أعلن الخميني جيش تحرير القدس، أطلق عليه (جيش العشرين مليون)، متزامنا مع دعواته المتكررة للمسلمين إلى وحدة الصفّ في هذه القضية الجوهرية، بل وعنونها بيوم مقارعة قوى الاستضعاف لقوى الاستكبار، ونحن نرى اليوم أنّ دولا في أمريكا اللاتينية استجابت، ووقفت موفقا مشرفا في مناصرة القضية الفلسطينية، بفضل هذه الدعوة المباركة، وهذا التحوّل الجذري في مقارعة إسرائيل العنصرية المحتلة الغاصبة، فكيف يفهم غير العرب والمسلمين حقيقة إيران، وتتجاهلها دولهم وهي الأحق بالدفاع عنها عسكريا؟ من لم يعجبه موقف إيران، فالساحة مفتوحة أمامهم، فإنّ من واجبهم الأوكد الذي تخلّوا عنه - وبقوا يتفرّجون على فلسطين وايران ولبنان بعيدا - أن يتقدّموا لنصرة إخوانهم، الحقيقة المُرّة التي لا يريدون استساغتها أنّهم أضعف فكرا وأقل عزما وأكثر خذلانا، فاغربوا من وجوهنا أيّها المتخاذلون، المتظاهرون كذبا وبهتانا بأنه خلاف ذلك، بعد أن أثبتم أنكم خارج السياق الذي بَنتْهُ إيران، وضحّت من أجله بأغلى ما لديها، من الأجدى لكم أن تتركوها وشأنها، وقطعا فهي لا تريد منكم شيئا، بعدما سبرت أغواركم، أعينوها بالصمت إن عجزتم عن قول الحقّ بشأنها، ولا تكونوا أبواق تشكيك فيها وتحريض عليها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat