صفحة الكاتب : د . محمد تقي جون

الكرد الفيليون
د . محمد تقي جون

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

توطئة

في أرض مفتوحة من (پشتكو) إلى حدود نهر دجلة: خانقين وشهربان ومندلي شمالاً حتى حدود البصرة جنوباً، مروراً ببلدروز، بدرة، جصان، زرباطية، النعمانية، العزيزية، الحي، واسط، علي الشرقي، علي الغربي، باكساية، العمارة، وهي المسماة سورانياً (گرميان) وفيلياً (گه‌رمسير)، عاش شعب كردي عظيم عرف بـ(الفيليين)؛ شعب امتلك التاريخ الثائر والحاكم، والحضارة والثقافة الإنسانية الضخمة، والإحساس بالعراق وطناً واحداً أوحد.

وتمثل پشتكو الوريث للتاريخ والجغرافية الفيلية؛ اذ انها النقطة الصغيرة التي تبقت من الدولة الميدية المترامية، بعد تقلصها الى أرض فهلة، ثم اقتصارها على اللرين: اللر الكبير واللر الصغير الذي عرف فيما بعد بپشتكو وصار رمزاً للفيليين دون سواه. ولم تكن پشتكو تابعة لحكومات ايران قبل عام (1929) حين اسقط الشاه رضا بهلوي آخر ولاة الفيليين، بل كانت تتمتع بحكم ذاتي تكبر وتصغر حسب قوة الحكام الفيليين قرابة (797) سنة. وهذا يصحح الفكرة الخاطئة التي غذاها البعثيون بعدّ الفيليين إيرانيين.

بل الفيليين عاشوا قبل التاريخ في العراق وشكلوا غالبية سكان المدائن (طيسفون)، أو بغداد التي يشي اسمها بذلك. ومع الزمن ولأسباب وأحداث مختلفة امتدوا في المحافظات العراقية فعاشوا في كل جزء عراقي، لما تميزوا به من عدم التقوقع، وحب الألفة والوئام التام مع أي قومية ساكنوها، ولاسيما العرب الذين تأثروا بعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم بشكل أوسع. ومرت عليهم الدهور وهم يحتضنون الأرض والناس. ومع أنهم كانوا يعتزون بكرديتهم اعتزازهم بعراقيتهم، فإن شدة امتزاجهم بأطياف الشعب وبسبب بطش صدام بهم صاروا شعباً شبه منسي، وصار تحديده صعباً ولمّ شمله أصعب!!

~~~

وجاءت تراسيمُ الحدود لتشطر أراضيهم فيقع بعضها في إيران والآخر في العراق. وهكذا صار عندنا منذ عام 1929 فيليون إيرانيون وفيليون عراقيون. العراقيون منهم خفَّ ارتباطهم بمواطنهم في إيران وأصبحت (پشتکو) رمزاً تذكارياً فقط، ولم يبق في تصورهم وطن غير العراق الكبير. أما الفيليون الإيرانيون فقد ظل ودهم للعراق وحرصهم على تعلم العربية. وعلاقتهم الروحية بأضرحة أهل البيت (عليهم السلام) وأقربائهم في العراق لم تفتر. والمفارقة أن الفيليين العراقيين عدَّتهم الحكومات العراقية منذ حكومة فيصل الأول وحتى حكومة صدام حسين، في خلط سياسي آثم (تبعية إيرانية) ومطعونين بولائهم ووطنيتهم، بينما عدَّت أخوانهم الكرد في السليمانية ودهوك وأربيل (كردستان) عراقيين صليبة ولم تشكك بعراقيتهم، ويشهد على أصلهم الواحد: التاريخ واللغة المشتركة.

~~~

وفي جريمة نكراء قام البعثيون في عامي 1970 و1980 بأكبر عملية استئصال عرقي آثم ضدهم بتهجيرهم إلى إيران بحجة أنهم إيرانيون وليسوا عراقيين. والمفارقة أن إيران لم تعترف بهم مواطنين إيرانيين حين هجروا إليها وعدتهم عراقيين! إلا أن الفيليين تضاعف حسهم بوطنهم العراق ووطنيتهم الصادقة المخلصة، وحال سقوط الصنم انصبوا كالمطر عودة إلى وطنهم العراق.

كان نبضهم يدقّ مع نبض قلبهم الكبير (العراق) لأنهم أدمنوا الولاء له وذادوا عنه مع بقية الشعب. فكان لهم اثر طيب في ثورة العشرين، واشتهرت (شانه)(*) من قضاء الحي بدعمها المادي للثورة، كما استعان شيخ عشيرة آل عباس بني حِسَن (خادم آل غازي) أحد قادة الثورة بوالي پشتکو (غلام رضا خان) وشيوخ الفيلية في بدرة وجصان لإمداده بالمال والسلاح فأمدوه. وكانت مقاومة الفيليين للانقلابيين البعثيين الفاشيين عام 1963 في ملحمة (عگد الأكراد) ضارية للحفاظ على الجمهورية من السقوط، واشتهرت البطلة (أم فؤاد) لتكون رمزاً في البطولة الوطنية الفيلية.

كما خصتهم أمور العراق المصيرية كالدفاع عن عروبة فلسطين والمشاركة في حروب تحريرها عام 1948. وفي عام 1967 ضحوا بدماء زكية خلطوها بدماء إخوانهم العرب في الدفاع عن العروبة ضد تنامي واجتياح العدو الإسرائيلي. كما عاشوا أفراح العراقيين وأتراحهم وآخرها حرب الخليج ومآسي الحصار الاقتصادي. واليوم يعيشون الوضع غير المستقر نفسه ويتغصصون ما يتغصصه باقي العراقيين من هزاهز وبراكين ما بعد الاحتلال الأمريكي.

~~~

إن محنة الكرد الفيليين الرئيسة تتمثل بـ(الانتماء) أي التشكيك في انتمائهم للعراق ووطنيتهم؛ وكل مآسيّهم جاءت بسبب هذه المحنة؛ فما عانوه زمن العميل الرخيص صدام حسين من مصادرة وتهجير وظلم وقتل، يعود إلى منحهم الجنسية العراقية المنقوصة عام 1924، مما جعلهم مؤشرين لدى الحكومات العراقية المتعاقبة، تتركهم سدى الحكومات النافعة كحكومة المرحوم عبد الكريم قاسم، وتنال منهم الحكومات الضارة وهي أغلب الحكومات. وكثير منهم اليوم لا يزال يقلقه منح الفيليين شهادة جنسية مؤشرة، ويخاف أن يرشحهم هذا إلى العودة ذات يوم أو (ذات حكومة) إلى الصفر.

وعدا ذلك، فقد تشاطروا مع باقي العراقيين المحن والمصائب كلها حتى التي فُضلّوا بها على الفيليين؛ فحرمانهم من التدريس أيام الطاغية قابله ضحالة راتب المدرس والأستاذ الجامعي الذي تقاضاه نظراؤهم، وتجميع الفيليين في لواء خاص وعدم زجهم في الحربين: الإيرانية والكويتية، قابله ما أعطاه العراقيون غيرهم من ضحايا وأرامل وثكلان، وحرمان الفيلي من المشاركة في الأجهزة الحساسة والمناصب الكبيرة في الدولة، قابله توريط العراقيين الباقين بالفساد والظلم.

~~~

وكان خفوت الإحساس القومي لدى الفيليين العراقيين بسبب استعرابهم، قد حرم أدباءهم ومثقفيهم من الكتابة بلغتهم فلم يتركوا أثراً كتابياً أو إبداعياً فيلياً، بينما أبدعوا بالعربية. وان ظهور إبداع فارسي كـ(شاهنامه) ملحمة الفرس الكبرى في القرن الخامس الهجري للفردوسي، وظهور شعراء فيليين إيرانيين متأثرين بالصحو الفارسي، مثل بابا طاهر الهمداني (ت 447هـ) في القرن الخامس الهجري، ومثل ذلك شعراء كرد شمالي العراق في العصر الحديث مثل: أحمدي خاني (ت 1706م)، مولوي (ت1892م)، كووي (ت1892م)، فايق بي که‌س(ت1948م)، پيره ميرد (ت1950م) عبد الله گۆران (ت1962)، يعود إلى تنبه قومي وهو أمر لم يختلج بمشاعر الفيليين في العراق.

وقد سبق الصحوُ السياسي الصحوَ القومي الأدبي فظهرت منذ القرن الثالث الهجري وتباعاً دول فارسية كالصفارية والسامانية والبويهية والشاهنشاهية، وإمارات فيلية في شمالي وغربي إيران كالحسنويهية والعنازية والخورشيدية وولاة پشتكو، وفي شمالي العراق كالمظفرية في أربيل والبابانية في السليمانية. فإذا كان بسبب نمو الحس القومي بدأ الفرس وكرد إيران وشمالي العراق  يكوِّنون شخصية سياسية وفكرية وأدبية مستقلة عن العرب، فإن الفيليين في العراق بسبب عدم وجود وتكوّن هذا الحس لديهم لم يقوموا بنشاط سياسي أو أدبي قومي، بل طفقوا يعيشون مع العرب بلا موانع وحواجز ويتعاطون لغتهم العربية في الكتابة.

~~~

ولقد حداني إلى وضع كتابي هذا أن الفيليين يمرون بمنعطف خطير صار واضحاً للعيان، وستقرر في ضوئه أمور كثيرة ومهمة. وان الدراسات التي تناولتهم لا تدخل في صميم ما يحتاجونه من طرح، ولا تعالج الحالة التي يعانونها فهي لا تمس (حاضرهم المستقبلي)، بل كانت مقدمات لمتن غائب. فوجدتُ من الضروري الواجب إضاءة الطريق للسارين. ومن جهة أخرى أردتُ أن أضع كتباً شاملاً للفيليين ولاسيما المستعربين الذين لا يعرفون شيئاً عن ماضيهم وأصولهم وقضيتهم فكان شاملاً كاملاً يجيب على الأسئلة الفيلية كلها.

ويُقرأ واقع الفيليين اليوم على مستويين متناقضين تماماً هما: سياسي وشعبي. المستوى السياسي تمثله المنظمات والحركات الفيلية المنضوي أغلبها تحت الأحزاب السياسية الشيعية والكردستانية. وهي متحمسة للشعور القومي أو هي تمثل البداية للوعي القومي الفيلي، ولكنها بالمقابل تشتغل على الجزئيات لذا فحلّ شامل لموضوع الفيليين غائب عن برامجها، وهو إعادة بناء الإنسان الفيلي الذي يضعه الماضي المؤلم وتبعات السياسات المتقادمة على شفا التلاشي التام.

وعلى المستوى الشعبي، وجدتُ الفيليين بعد سقوط الطاغية يتلاشى إحساسهم القومي بالتدريج وقد زاد نكرانهم لكرديتهم وادعاؤهم أنساباً عربية، وهم في هذه الحال لا يتصلون بأهل الأرض ولا يصعدون إلى السماء؛ فكل أهل الأرض لديهم أقوام ينتسبون إليها ولا يدَّعون غيرها مهما عاشوا مع الآخر وبأية درجة اتصال وتمازج. وهذه الحالة العامة تعدّ كارثة اجتماعية؛ فالمرء قد يغيِّر دينه أو مذهبه أو مسكنه أو طريقة حياته برمتها، غير انه لا يستطيع أن يغير أباه وأصله وعشيرته وان عاش في قوم آخر. إلا اذا تنكر لهم، وإذا تنكر لهم فهذا لا يجعله إلى الأبد منتمياً إلى من يدَّعي. وكانت محصلة ذلك كله ذوبانهم واندثارهم وتلاشيهم التدريجي، فكلما جاء جيل جديد أوغلَ في الابتعاد عن أصله الفيلي وزاد استعراباً وانصهاراً في القوم المعاش معهم.

وما يحصل للفيليين في وسط العراق وجنوبه مع العرب، يحصل لهم أيضاً في كردستان، فان العشائر والأفراد الفيليين الذين انتقلوا للعيش في كردستان صاروا جزءاً من هذا الفرع الكردي بالتدريج وجعل بعضهم ينكر فيليته. وهذا الأمر يصدق مع الفيليين العراقيين المغتربين أيضاً؛ فهم يعانون المشكلة ذاتها، وان عاشوا بلا أسباب داعية إلى التنكر للأصل. بل إن السويد مثلاً تشترط أن يتعلم الطلاب منذ مراحل التعليم الأولى (اللغة الأمّ) مع اللغة السويدية، إلا أن عدم الإحساس بضرورة النسب وعدم إعطائه الأهمية للاحتفاظ بالأصل، سيدعو مع واقع الحياة الغربية إلى التأجنب التام. وهذه القضية كانت الهدف الأول والرئيس من وراء تأليفي الكتاب، وقد تأكدتُ بأن هدفي الكتابي وحدسي بأهميته كان صائباً جداً.

~~~

 

قلة الدراسات عنهم

لم يحظَ الكردُ الفيليون من الدراسات إلا بالقليل، فأكثر دراسات المستشرقين عن (الكرد) تتجاهل الفيليين أو تذكرهم باختصار شديد. والدراسات التي تتناول كرد العراق إذا أوردت لفظة (الكرد) قصدت (كرد كردستان) ولا تنصرف اللفظة إلى الفيليين إلا إذا أضيفت إلى (الفيليين)، وكأنهم لا يعترفون بوجود فرعين كرديين في العراق: الكردستانيين والفيليين. وأنكر كرديتهم مستشرقون مثل سي. جي أدمونز فعدّهم مجرد حمالين في بغداد يشبهون ما ورد في ألف ليلة وليلة، وجعل اللر واللك خارج خريطة كردستان(1). واعترف أرشاك بولاديان بكردية الفيليين إلا انه أسماهم تبعاً لدراسته في المصادر العربية (لريين) ولم يذكر الفيلية قط(2). وجزم توماس بوا بأن اللريين والبختياريين لا يعدُّون كرداً أصليين(3). وعدد د. وليد حمدي تهجيرات الكرد كتهجير الدولة العثمانية لمواطنيها الكرد من شرق الأناضول إلى غربها في الأعوام: 1915، 1925، 1930، وذكر تهجير النظام البعثي عوائل كردية من كردستان العراق إلى مناطق عربية في الجنوب عام 1991(4) ولكنه لم يشر ولا إشارة عابرة إلى التهجيرات الهمجية وما صاحبها من إبادة عرقية للكرد الفيليين من قبل الحكومات العراقية المتلاحقة ولاسيما حكومة المجرمين: البكر عام 1970 وصدام عام 1980 وهي تهجيرات خارجية لدولة أخرى. ويردد بعض الباحثين في كردستان أن الفيليين مكوَّن مستقل عن الكرد. ويكفي انصافاً لهم أن الأستاذ الدكتور كمال مظهر يعدهم مع اليزيديين كرداً ظلمتهم الجغرافية(5).

والفيليون أميز وأبرز الفروع الكردية قاطبة في الماضي، ولا يقلل من أهمية أمسهم الزاهر حاضرهم الداثر، فالفيليون من أولاد الميديين مباشرة الذين عاشوا في المناطق الغربية من هذه البلاد(6). ومصطلح (الكرد) في نظر مستشرقين مثل: نولدكه وبارتولد ومينورسكي ويلتشيفسكي وليمبتون وآكوبوف وفاسيليفا وغيرهم، يعني في المصادر العربية القبائل التي تتكلم اللغة الإيرانية وتعيش في الجبال(7) (وهم الفيليون)، وميزت المصادر العربية كرد اللر (الفيليين بشكل عام) عن غيرهم بلفظة (كرد)(8) لأهميتهم.

وقد تميز الفيليون في القديم وبنوا إمبراطوريات كبيرة، صار يدلل عليها تميزهم في العصر الحديث بقوة العقل والجسد؛ فمعروف الفيلي (التاجر) و(المفكر) و(الطبيب) و(الشاعر) و(الأديب) و(المؤرخ) و(السياسي) (والسلطان) و(الأمير) و(رجل الدين)، فضلا عن (الحمال الفيلي) المتميز بالقوة النادرة، وتاريخهم في القديم والحديث تفوح منه رائحة الفخر.

 

معنى مصطلح فيلي

ازدحام الآراء

مصطلح (فيلي) عنوان كبير يضم الفرع الكردي الذي يسكن غربي إيران وعراق العجم. وقد اختلفت آراء الباحثين في معنى مصطلح (فيلي) فذهب بعضهم الى انه من (پيلي) اسم احد الملوك العيلاميين(9)، وقال آخر هو من الفيل لاشتهارهم بالفِيالة عند الفتح العربي(10)، وأنكر المصطلح الشيخ بشير الوندي ونوري حسين علوان بالقول: "ليس هناك أصل حقيقي للفظ الفيلية والأصح الكرد الشيعة"(11)، وهناك رأي يقول: مصطلح (فيلي) يعني (فئة علي)، ورأي زبير بلال أن كلمة (فيلي) اشتقت من (پرتي) القديمة التي هي اسم الـپارتيين أو الاشكانيين، الذين يمثلون في تاريخ اللغة الكردية حلقة وسطى بين الميدية القديمة والكردية الحديثة بالاتصال باللهجات الهورامية واللرية (الفيلية)(12)، وذهب كثيرون إلى أن المصطلح أطلق على كرد بغداد أو العراقيين دون الإيرانيين الذين أطلق عليهم اسم اللريين(13). 

والآراء الستة خاطئة؛ فالأول اختار أقرب أسماء الملوك العيلاميين شبهاً لفظياً بفيلي، مستنداً إلى نظرية أن العيلاميين أجداد الفيليين والشبه اللفظي كثيراً ما يُشكل. وقد وقع في الخطأ نفسه حسن كاكي حين أوجد علاقة بين (السومريين) وعشيرة (سوره‌ميري) الكردية ليستنتج بهذا التشابه الغريب أن السومريين يمثلون الصورة الأولى للكرد كما مرَّ! والثاني لو صحَّ فستكون النسبة (فِيلي) بكسر الفاء وليس فتحها. والثالث أراد توجيه الفيلية إلى عنوان الشيعة فقط، وفي ذلك تجنٍّ تاريخي عرقي كبير، فمصطلح فيلي مستعمل منذ زمن سحيق. والرأي الرابع غير علمي فهو تحويل كلمة كردية إلى عربية بلا مناسبة تركيبية او صوتية بين الكلمتين. والخامس أخطأ بتفسير فيلي بپرتي ولكننا مع تخريجه الباقي وهو أن الميدية الاشكانية حلقة وصل بين الميدية القديمة والكردية الحديثة بالاتصال باللهجات الهورامية واللرية (الفيلية) كما سيأتي. وليس الرأي السادس بصحيح فلقب فيلي اختص بكرد بغداد والعراق لاحقاً، لأن فيليي إيران يستعملون الألقاب العشائرية وليس اللقب العام، ولكون كرد العراق تناسوا أو تخلوا عن عشائرهم الكردية فاستعملوا أو استعمل لهم هذا اللقب الكردي الجامع.

وهناك آراء في تفسير مصطلح فيلي أوغل في الخطأ الى درجة التهافت، كتخريج الصحفي نوري ثابت (حبزبوز) الذي يراه من (الفلاة) وسمي الكرد بالنسبة إليها (الكرد الفلاوية) ثم صححت إلى (فويلي)(14)، ومثله الرأي القائل بأنه من (الاثلي) أو (الثيِّل) أي المرج الأخضر أو السهل(15). فهذه الآراء تفسر اسماً أعجميا بقاموس عربي، وهو داء قديم لا تزال المعاجم العربية قديماً وحديثاً تئنُّ منه، واليه أشار الجواليقي في قوله: "مما ينبغي أن يُحذر منه كلَّ الحذر أن يُشتق من لغة العرب لشيء من لغة العجم، فيكون بمنزلة من ادعى أن الطير ولدُ الحوت..وحكي عن أبي علي (الفارسي) قال: رأيت أبا بكر (ابن السراج) يدير هذه اللفظة (بوصيّ) ليشتقها، فقلت: أين تذهب إنها فارسية، إنما هو (بوزيد) وهو اسم جدنا! قال: ومعناه: السالم، فقال أبو بكر: فرَّجتَ عني"(16).

 

القول الفصل في لقب فيلي

اشتق المصطلح من الفهلوية لغة الماديين أجداد الفيليين(17)، وهي اللغة المقدسة للديانة المجوسية والديانات الدائرة بفلكها كالمانوية والمزدگية، فهو كان يعني اولاً كل شعوب ميديا. وكانت الفهلوية بعد سقوط ميديا على يد الاخمينيين متداولة إذ صارت لغة رسمية عند أحفاد كورش(18)، وتطورت زمن الاشكانيين فسادت (الفهلوية الاشكانية المتطورة عن الاولى) إلى جنب الفارسية(19)، واستمرت في العهد الساساني (الفهلوية الساسانية المتطورة عن الاشكانية) بوصفها لغة الدين والدولة باعتبار الزرادشتية الدين الرسمي للساسانيين.

وفي العهد الاشكاني والساساني اطلق عليهم اسم شعب (فهلة) وهو ما اكدته المصادر العربية قال ابن النديم: " فأما الفهلوية فكان يجري بها كلام الملوك في مجالسهم، وهي لغة منسوبة إلى فهلة، وهو اسم يقع على خمسة بلدان..(20) وقد ذهب (حميد ايزد) الى ان لقب فيلي مأخوذ من (فهله) او (پـهلة) وقد أطلقت هذه الكلمة على أراضي الفيليين(21) وهو جزء مقطوع من الحقيقة. ففي المرحلة التي سبقت الاسلام (الاشكانية والساسانية) الى ما بعده في القرن الثالث الهجري حيث قامت إمارة في اللر، كان الفيليون يغطون مساحة واسعة عرفت بـ(فهله) او (پـهلة)؛ ذكر الزَّبيدي أن " فَهْلَة، مُعرَّب پـَهْلَة: اسمٌ يقعُ على خَمْسَةِ بُلْدانٍ: أَصْبَهان، والرَّيّ، وماه، ونَهاوَنْدَ، وأَذْرَبِيجان"(22). وصحح أسماء المدن المذكورة (شيرويه بن شهردار) ليحدد مصطلح فهلة بالمدن الفيلية بقوله: وبلاد الفهلويين سبعة: همذان، وماسبذان (پشتكو)، وقم، وماه البصرة، والصيمرة، وماه الكوفة، وقرميسين، وليس الري وأصبهان والقومس وطبرستان وخراسان وسجستان وكرمان ومكران وقزوين والديلم والطالقان من بلاد الفهلويين(23).

وتدريجياً بفعل حكم واقتطاع الفيليين اللر من جغرافيتهم المترامية، صار يطلق عليهم شعب اللر وكرد اللر،وقد أوقع هذا في خطأ كبير فيما بعد لدى النسابة الكرد فجعلوا اللر قبيلة فالبدليسي يقسم الكرد على (كرمانج، لر، كلهر، گوران)(24) والفروع الثلاثة الأخرى  قبائل عدا اللر اسم لمكان. واستمروا يسمون لريين إلى نهاية حكم الأسرة الخورشيدية وبداية حكم ولاة پشتکو. ففي رسالة لدقوز خاتون إلى زوجها هولاكو توصيه بقتل كل اللر والكرد(25)، كما أن البدليسي ذكرهم باللر فقط كما مرَّ في كتابه الذي ألفه عام (1005هـ/ 1596م)، وهذا يعني أن مصطلح (فيلي) لم يظهر أو يعرف إلى هذا التاريخ.

إلا أن الشعب الفيلي لم ينس أمجاده المادية (الفهلوية) القديمة وماضي سلطته في الدول المتلاحقة بأرض (پهلة أو فهلة) وهو في وضعه الواهن الذي زاده هوناً سقوط إمارته سنة (1006هـ/1597م)، ولعله كان يتحدث بذلك المجد وضرورة بعثه. وقد أدرك والي پشتكو (حسين خان) أول ولاة پشتکو هذا الشعور فاستثمره، ففي سنة (1600م) اتخذ لنفسه لقب (فيلي) وأوصى أن ينقش على قبره(26)، فكانت هذه المرة الأولى التي يطرح فيها هذا اللقب بعد ألف سنة تقريباً من الإسلام، ومنذ ذلك التاريخ ظهر اسم فيلي وهو تعديل لـ(فهلي) إذ قلبت الهاء ياءً وهو تغيير حتمي في تطور اللغات الإيرانية(27)، وهذا حتماً أعطى لپشتكو الخصوصية الفيلية.

وحسين خان أراد بإعادة اللقب التاريخي أن يعيد إلى الأذهان مجد الأجداد (الفهلويين) في المنطقة(28)، ويرسم خارطة طموحاً تضم المدن التي كانت تسمى (فهلة) لإحياء الطموح العرقي الجغرافي العريق للفيليين بإعادة بناء الدولة الفيلية الكبرى، غير انه أراد أن يلعب لعبة سياسية أكثر من التفكير الجاد في فعل ذلك، أو لعل ظروفه جعلت طموحه اكبر من جهده؛ فنحنُ نراه يتعاون مع عباس الصفوي لضرب العثمانيين بإمداده بجنود فيليين بوصفهم من الشيعة بعدما رفض الشاه الصفوي عرضا مماثلا من الكرد السنة(29).

ومنذئذ عرف مصطلح فيلي وصار لقب اللر كله حيث حكم الولاة، وبعد اقتصار حكمهم على پشتكو اقتصر اللقب عليها، ثم اختص لقب فيلي بالعراقيين فقط للأسباب التي تقدمت. إذاً اسم فيلي ذو مدلول لغوي كاسم الكرد العام حيث بيَّنا في الوردة الأولى

وتبعاً للتاريخ البطولي الفيلي ممثلا بدولتهم الميدية وبعدَها بأبطالهم الاسطوريين الذين شهد لهم التاريخ بالبطولة والمجد مثل رستم زال وفرهاد صاحب شيرين، صار فيلي يعني الشجاع والمحارب(30) وهو معنى ثان وثانوي مع الأول الرئيس والأساسي. ومنه اشتق اسم الپهلوان أو الفهلوان، قال الزبيدي " والفَهْلَوان: الشديدُ المُصارِع، وقد سُمِّي هكذا جماعةٌ من المُحدِّثين(31). والپهلوان لقب أطلق على القواد والسلاطين أو أطلقوه هم على أنفسهم ومنهم: قاني باي الناصري الپهلوان أتابك دمشق، الأمير جانم الاشرفي البهلوان احد أمراء العشرات، السلطان خجداشكم خير بك الپهلوان، وشمس الدين الپهلوان الذي كان حاكماً على العراق وأذربيجان والري وهمذان وأصفهان(32). كما لقب البطل الكردي (لطف علي خان) من الأسرة الزندية التي حكمت إيران برمتها بـ(پهلوان زند = بطل زند).

والپهلوانية من العاب القوة والذكاء كأعمال السيرك المختلفة، وتدل كلمة (فهلوة) على استعمال الذكاء في العامية المصرية.

 

اللهجة الفيلية

 

إن البحث العلمي الدقيق والصائب يجعل الفهلوية اللغة الأمّ للهجات الفيلية؛ ويؤيد هذا الرأي سليم مطر(33) ومحمد عوني(34). وجاء في تقرير للاستخبارات البريطانية أن (عبدال بك باجلان) استولى على (زهاو = سربيل زهاب تابعة لپشتکو) وفرض سلطانه على سكانها الكلهور الناطقين بالفهلوية(35).

بينما عدَّ مسعود محمد في كتابه (لسان الكرد) الفهلوية من اللغات الفارسية وبرزت زمن الاشكانيين سنة 250 ق.م(36). وقد اعتمد مسعود في رأيه على كتاب (فرهنك زباني فارسي = قاموس اللغة الفارسية) وعلى التشابه الكبير بين الفهلوية واللغة الفارسية القديمة. ومعروف أن الفرس يحاولون ادعاء كل تراث قديم لهم والتقليل أو إذابة الوجود الكردي بدواع سياسية وتاريخية، وقد اعترف مسعود نفسه بذلك بقوله " إن اللغات المكتوبة كلها أصبحت تراثاً للفارسية نتيجة انتقال الحكم في إيران إلى الفرس في العهد الساساني ودخول خراسان هي وثقافتها في تصرفهم"(37). غير انه دافع عن اشتراك اللغة الكردية في (الأﭭستا) وهي لغة قوم زرادشت الميديين(38)، إذ يدعي الفرس أنها كتبت بالفارسية وحدها. كما حداه إلى جعلها فارسية، التشابه في الصيغ والمفردات بين اللغتين. والمعروف أن الكردية أو اغلب لهجاتها من اللغات الإيرانية، وليس بالغريب التشابه، فالاشتراك في الصيغ يبرره أن اللغتين بل اللغات الآرية كلها تتشابه بها " فالفعل الماضي المتعدي في كل من الـپهلوية واللهجة الكردية الشمالية يصرف بتقديم ضمير الفاعل على الفعل وتفعل الانجليزية مثل ذلك في عامة أفعالها"(39).

أما التشابه في الألفاظ فاللغتان الكردية والفارسية متجاورتان منذ القدم والى الآن وطبيعي أن تتأثر الكردية بالفارسية الغالبة، ولا يعني اخذ الكردية من الفارسية أنها لم تعد كردية، ففي اللهجة الفيلية العراقية الآن كلمات وجمل متشابهة مع الفارسية جداً مثل (نمك: ملح)، (چتوري: شلونك، كيف حالك). ولفظة (خُوِي: زين، مرتاح) في الكردية يقابلها في الفارسية (خوبي)، و(دوسِت ديرم: أحبك) في الفيلية، وفي الفارسية (دوست دارم). وفي جنوب شرقي سنندج وحتى كرمنشاه يتكلم معظم الكرد لهجة هي أقرب إلى الفارسية الحديثة منها إلى الكردية(40).

ويعترف الأستاذ مسعود بأنه وجد في اللغة الپهلوية كلمات كثيرة لها مثيلها في الكردية المعاصرة وليس لها مثيل في الفارسية، كما وجد أن بعض اللهجات الكردية في كردستان العراق تجاري الصرف الـفهلوي في جعل المصدر المنتهي بالدال عادة ينتهي بالتاء مثل (كرتن، مرتن)، ويشير الأستاذ مسعود إلى وجود متشابهات صميمية أخرى(41). وهذا يدل على أن الفهلوية لغة كردية وليست فارسية.

وإذا أردنا أن نرسم خارطة لغوية للفيليين فستكون لغة الميديين (الگاتها) هي اللغة الفيلية الأمّ، ولا أتفق مع كل الباحثين القائلين بأن لغة الميديين هي لغة الكرد الأمّ جميعاً مثل طه باقر وزبير بلال(42)، فاللغة الكردية التي تجمع كل فروع الكرد مفقودة، واللغة المادية (الفهلوية الأولى) أمّ للغات الكردية الإيرانية في قسم من شمالي وشمال غربي ايران مثل: باكو وقره باغ ومناطق في أذربيجان(43)، وفي جنوبيها وأهمها (اللر) برمته. وتتشابه الفيلية كثيراً مع البهدينانية والسورانية مما يعني أن الفهلوية ألقت ظلالها على شمالي العراق الا انها لا تتعداه الى تركيا. ثم كانت المرحلة الثانية أو الوسطى للفهلوية وتقسم إلى اشكانية وساسانية(44)، وبها كتب الموابذة المجوس المدونات الدينية الزرادشتية مثل (دينكرد). وفي هذه المرحلة كانت الفهلوية لغة (فهلة) المناطق التي أشارت إليها المؤلفات العربية، حيث حقق الفهلويون انتصاراً لغوياً ساحقاً يعوِّض ما فقدوه من سلطان سياسي. ويرى الأستاذ محمد عوني أن اقرب اللهجات الكردية: (الكرمانجية، الگورانية، اللرية، الكلهرية) الى الـپهلوية هي اللرية نظراً لقرب مكان الالوار من مركز الپهلوية‌ الأولى، ولعدم تأثر الالوار كثيراً من الكلدانيين والآشوريين(45)، وفي هذه المرحلة يكون الالوار جزءاً من الفيليين. أما المرحلة الثالثة من تطور الفهلوية فهي باللهجات الهورامية واللرية التي تصل الفهلوية الاشكانية بالكردية (الفيلية) الحديثة(46). ولكني أرى ان الفهلوية أقرب الى لهجة الالوار منها الى اللهجة الهورامية. وبعد ذلك صارت اللهجة الفيلية أخص بپشتکو من اللر.

وقد ذكرت الكتب العربية اللغة الفهلوية واشارت الى تسيدها على اللغات الإيرانية؛ قال ياقوت الحموي وهو يذكر لغات الأقوام الإيرانية التي كان الفرس يتداولونها مع لغتهم (الفارسية): " كلام الفرس قديماً يجري على خمسة ألسنة، وهي: الفهلوية والدريَّة والفارسية والخوزية والسريانية، فأما الفهلوية فكان يجري بها كلام الملوك في مجالسهم، وهي لغة منسوبة إلى فهلة، وهو اسم يقع على خمسة بلدان... وأما الفارسية فكان يجري بها كلام الموابذة (جمع موبذان: فقيه الفرس أو حاكم المجوس) ومن كان مناسباً لهم وهي لغة أهل فارس. وأما الدرية فهي لغة مدن المدائن وكان يتكلم بها من بباب الملك فهي منسوبة الى حاضرة الباب.. أما الخوزية فهي لغة أهل خوزستان وبها كان يتكلم الملوك والأشراف في الخلاء (وفي الفهرست ومع الحاشية)(47).. وأما السريانية فلغة النبط من أهل العراق"(48). ويعود تسيِّد الفهلوية الساسانية على اللغات الإيرانية لرقيها وسهولة تصريفها، وبوصفها اللغة المقدسة فهي لغة الدين الزرادشتي الذي اعتنقته السلالات الحاكمة في ايران.

وبعد اختلاط الفيليين بالعرب، فقدوا بمرور الزمن الكثير من معالم كرديتهم بغضّ النظر عن الموقف السياسي منهم. وعلى صعيد اللغة، صار أجيال الشباب المتلاحقة تستغني بالعربية عن الكردية ولاسيما في الأماكن المغرقة في العروبة كالقرى والنواحي والأقضية العربية، فلم يجد النشء الجديد مع الحالة العروبية والقبلية الصارخة تشجيعاً لتعلم الكردية، وصار حظ البنت أوفر في تعلم الكردية من حظ الولد، وقد وجدتُ أمهاتٍ وجدَّاتٍ يتكلمن الكردية وأجداداً وآباءً لا يجيدونها. ويقف سانداً إلى تهيئة هذه الحالة عدمُ حرص الأب والأم على استمرار لغة الأجداد لعدم تقدير أهمية اللغة في ربط الأحفاد بالأجداد. وأيضاً إن اللغة العربية تفرض نفسها بالتعلم كما حدث للشباب الاسباني بعد الفتح العربي للأندلس. ولعبت الحكومات العراقية المتتابعة التي وقفت موقفاً (كلبياً شرساً) من الفيليين بالإرهاب والاعتقالات والتهجيرات إلى الحد من تعلم الكردية الفيلية وامتدادها في الأجيال.

وقد اختلف الأمر قليلا في المناطق الحدودية كخانقين ومندلي وبدرة وزرباطية، وفي التجمعات الفيلية كما في بغداد بمناطق: (جميلة) و(باب الشيخ) و(أبو سيفين) وغيرها التي مثلت غالبية فيلية، فدفع ذلك إلى امتداد الفيلية فصار يتكلمها البنون والبنات. وفي هذه المناطق وجِدتْ أبهة الوعي والشعور والاعتزاز بالفيلية. ولكن حتى هذه المناطق لم تستطع أن تحتفظ بالفيلية التي تكلمها أسلافهم، فقد أصبحت مخففة ودخلها كثير من الكلمات العربية وأساليب نحوهم، وإذا تكلموا كلاماً كردياً استمروا على نسق واتساق كردي فإن وصلوا إلى المصطلحات انقلبوا إلى العربية واستعملوا مصطلحاتها. والكرد الفيليون يتندرون بترديد جملة توضح مدى استحواذ العربية على كلامهم وهي (عصفوركه زقزق ئه‌که‌ بان شجركه) أو (فوقي شجركه)!!

وغير الكلمات، أخذ الفيليون حرف الصاد من العرب، وحرف الصاد غير موجود في لهجات الكرد الصافية (ينظر: قاموس ئه‌ستيره‌ گه‌شه‌)، ومن الكلمات التي يدخل فيها الصاد وهي كثيرة: (صو= غداً) (كشص= قُتل) (صـۆزه = موسيقى) (صبوڵ خير = صباح الخير).

أما سياقاً ونحواً، فالجملة الفيلية تختلف عن الجملة الكردية في حالات كثيرة، وذلك أنها أصبحت تشبه سياق ونحو اللغة العربية فتسلسل جملتهم في جملة الفعل المتعدي يشبه تسلسل الجملة العربية: فعل، فاعل، مفعول به، على الضد من اللغات الآرية بشكل عام واللهجات الكردية الأخرى خاصة فهي: مفعول به، فاعل، فعل؛ فالكردي السوراني يقول: (مني كوشت)، أي: قتلني (من/ ي/ كوشت- مفعول به/ فاعل/ فعل) ويقول الكردي الفيلي: (کوشته‌م) (كوشت/ - / م – فعل/ فاعل مستتر/ مفعول به) كالعربية تماماً. ويقول السوراني (مني دا): أعطاني (من/ي/دا - مفعول به/ فاعل/ فعل) ويقول الفيلي: (دووه‌م) (دووه/ـــ/م – فعل/ فاعل مستتر/ مفعول به). ولكننا لا نعدم جملاً سورانية موافقة للشكل العربية للاحتكاك بالعرب ايضاً، الا ان اللهجة الفيلية وان طابقت القواعد العربية تظهر هويتها الكردية القديمة في بعض الاستعمالات، فمثلا اذا قال الفيلي (زوجة خالي) (زوجة مضاف وخالي مضاف اليه) فهو على غير المعتاد منه يقدم المضاف اليه على المضاف كباقي اللهجات الكردية فيقول:(هاڵـو ژنم: هاڵ = خال/ ژن = امرأة) وليس (ژن هالوم) ومثله يقول السوراني (خالو ژنم). ولكن الغالب في الفيلية تقديم المضاف على المضاف إليه كالنحو العربي مثل (رختلام = ملابسي) (قاقزي علي = ورقة علي)، على الضد من ترتيب اللهجات الكردية غير المحتكة بالعربية ككرد تركيا، فقد أطلقوا على إحدى جمعياتهم اسم (كردستان تعالي جمعيتي) أي (جمعية تعالي كردستان) وتبدو الكلمات في الجملتين العربية والكردية مقلوبة لان اللغة الكردية تقدم المضاف اليه على المضاف، وهي تشبه الانكليزية كقولهم (john's pen = قلم جون)، وتشبه الفارسية كما في (شاهنامه = تاريخ ملوك الفرس) ومثله (شرفنامه(49) = تاريخ شرف) وهو المؤلف شرف الدين البدليسي.

ونجد السورانية كالفيلية والعربية (في الإضافة) تقدم المضاف على المضاف إليه وهذا يؤكد تأثر الكرد السوران بالعرب للاحتكاك نفسه كما في تسمية حزبهم (پارتي ديمكراتي كوردستان) فهو بالترتيب العربي نفسه للجملة في المضاف والمضاف إليه (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، وكذلك في قولهم (جل وبرگم = ملابسي) (قاقزي علي).

وتشترك الفيلية مع اللهجات الكردية كلها في تقديم الفاعل على الفعل اللازم مثل (علي يات) اذا أردنا (جاء علي) بتقديم الفاعل (علي) على الفعل (يات) ولا نقول (يات علي) مطلقاً، كما نقول في السورانية: (علي هات) فقط، فتخالف الفيلية بذلك النحو العربي الذي تقتضي جملته الاعتيادية قول (جاء علي) ولا يجوز تقديم الفاعل على الفعل بتاتاً، فاذا تقدم مثل (علي جاء) عدّ علي مبتدأ ولم يعدَّ فاعلاً(50). وأعتقد جازماً أن هذه الصيغة وغيرها فرضها الموالي على سليقة اللغة العربية، مما حمل النحاة على الاجتهاد في ايجاد مخرج عربي لها. وكان المرحوم الدكتور مهدي المخزومي يعترض على جعل (علي) مبتدأ ثم عدّ فاعل جاء مستتراً وهو معلوم (علي). ويرى أن يعدَّ (علي) فاعلاً متقدماً. وقد فات الدكتور ان القضية أبعد من ذلك، فهي قانون لغة وهويتها المستقلة. 

وهذا يبين المدى الطويل الذي عاشه الفيليون بجوار العرب فتأثروا بلغتهم ونحوهم. على أن اللهجات الفيلية الأمّ غنية غنى كبيراً في وفرة ألفاظها ومصطلحاتها لذا استعارت حكومة كردستان الحالية ألفاظاً فيلية كثيرة حين أعادت صياغة اللغة الكردية بعد سقوط الطاغية.

وتتألف الفيلية من لهجات كثيرة تختلف فيما بينها اختلافاً متفاوتاً، وأكثر اللهجات اختلافاً لهجة عشيرة (نوكر نازر) فهي تختلف بشكل واضح عن باقي اللهجات كما في الجدول الآتي:

لهجة نوكر نازر

أغلب اللهجات الفيلية

المعنى في العربية

بُو مارت

به‌ش مارت

أقول لك

خِشِّي

زيزي

بسرعة

رەو

بچو

اذهب

كُشِص

کشيا

قتِلَ (للمجهول)

 

الجغرافية الفيلية

 

يعود الفيليون إلى عشيرة الماد، ونقول عشيرة لان الدول الكبيرة تبدأ بعشيرة كبيرة أو ائتلاف عشائر(51). وكانت الدولة الميدية تشغل منطقتين هما: ميديا الكبرى في العراق العجمي (كروس، همذان، كرمنشاه، قزوين، عراق، أصفهان، نهاوند، والري)، وميديا الصغرى (أذربيجان)(52). وقد انتشر الميديون في الرقعة الواسعة التي شملت شمالي وشمال غربي إيران وشمالي العراق وامتدت في آسيا الصغرى. إلا أن وجودهم تقلص بعد سقوط الدولة الميدية. وكان ظهور زرادشت في ميديا وكتابة الاﭭستا باللغة الميدية جعل اللغة الميدية وبقايا الميديين مستمرين في الوجود بله التكاثر والزيادة، لذا نجد أحفاد الاخمينيين يتداولون الفهلوية لغةً رسميةً، ونجد الماد شعباً معايشاً للفرس عاملا بمعيته، وتلك أهم خصيصة لهذه الشريحة سيرثها الفيليون الى اليوم، وهي التآلف والعمل بإخلاص مع الشعوب الأخرى.

وفي العهدين الاشكاني والساساني صار الفهلويون ينالون ولغتهم حظوة كبيرة لدى الفرس؛ فقد أصبحت لغتهم (الفهلوية) لغة الدنيا والدين في وقت واحد(53)، وصار الجهد العسكري الساساني في معركة القادسية الفاصلة لهم؛ فقد منحت القبائل الكردية الإمبراطورية الساسانية دعماً قوياً بمقاومة الجيوش الإسلامية بين عامي 639- 644م، وكان أول صِدام حصل بين العرب والكرد في حلوان المتاخمة لپشتکو(54). وعندما أصبح مصير تلك الإمبراطورية واضحاً استسلم الزعماء الكرد بعد المقاومة الواحد تلو الأخر للجيوش العربية والدين الجديد(55).

وفي ذلك العهد كان الفهلويون ينتشرون على ما ذكره العلماء العرب في الرقعة المترامية التي سكنوها باسم (فهلة) أو (پـهلة) كما مرَّ، وهي رقعة واسعة يقع مجمَّعها في الجنوب الغربي من إيران، وتستمر غرباً إلى الضفاف الشرقية لدجلة كما أكد ذلك المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم بقوله للوفد الفيلي الذي زاره مهنئأً: "إن المناطق التي تبدأ من الضفاف الشرقية لنهر دجلة هي موطن الكرد الفيلية منذ القدم"(56). كما تشمل مدناً أخرى بعيدة عن المنطقة المتحدة للفيليين نظراً لنسبة ساكنيها من الكرد كـ(قم). وأصبحت هذه الجغرافية متحركة مع الحراك السياسي المتمثل بقيام إمبراطورية ونهوض إمارة واستحواذ حكومة.

غير أن الكرد كانوا أوفياء للفرس الساسانيين بقدر احترام هؤلاء لهم، وهو ما يفسره انسجامهما التام في الدين والسياسة، والاعتماد الكبير عليهم عسكرياً ولاسيما في معركة (القادسية). وأيضا مقاومة هؤلاء الكرد للفتح؛ فقد فتح جرير بن عبد الله البجلي حلوان عنوة، وافتتح هاشم بن عتبة ماسبذان (پشتکو) عنوة سنة (19هـ)(57). وثار الفيليون بعد الفتح فانتفضت ماسبذان بعد افتتاح هاشم إياها مما اضطر حذيفة بن اليمان إلى أن يعيد فتحها سنة 22هـ(58)، وهو يشي برفضهم الشكل الحربي الذي لاقوه، وربما عدَّوه اعتداءً واحتلالا لأراضيهم، وليس رفضاً للدين الإسلامي. وقد عثر على أبيات شعرية على (جلد غزال) مكتوبة باللهجة الهورامية، وبالخط الفهلوي المعدل من الكتابة الآرامية، تستبشع الفتح الإسلامي وتصف حال السكان والبلاد، وهي تنسب إلى زمن الفتح(59). والأبيات مدسوسة على تلك الحقبة لأنها كتبت على أساسات الشعر العربي (وزن، قافية، تشطير)، والثابت أن الشعر الكردي تبع الشعر الفارسي وتلاه في الظهور والأسلوب، ولم ينهض الشعر الفارسي إلا بعد قرنين كما موضح في الوردة السادسة. فكيف يُكتب شعر كردي على الأسلوب الشعري العربي أوان الفتح؟! لذا لا يبقى إلا فرض أنها كتبت في العصر العباسي في الزمن الطبيعي لظهور الشعر الكردي، وان الذي (وضعها) أراد الإساءة إلى الكرد إسلامياً، إذ أن الكرد جميعاً تقبلوا الإسلام ومنهم الفيليون، بل يذكر التاريخ أن إمارة (بانه) قبلت الإسلام طوعاً لا كرهاً(60).

إلا أن الفهلويين سرعان ما تخلوا عن الفرس ليبدؤوا طورهم الإسلامي؛ فحين فهموا الإسلام تفهموا الوضع الجديد وتقبلوه أكثر من العرب باختيارهم الموالاة للآخر على الاستقلال في ديارهم. وهكذا اندمج الفهلويون مع إخوتهم بقية الكرد في الدولة العربية الإسلامية لا يلوون على شيء حتى هبت النزعات القومية فثار لكرامته وشيد مع الكرد الباقين حكوماته المختلفة(61).

وبسقوط الساسانيين دخلت المناطق الكردية في عداد مناطق الخلافة الإسلامية. وسقطت الزرادشتية ومعها قدسية اللغة الفهلوية، وصارت تفقد جغرافيتها شيئاً فشيئاً، فقد تغير اسم بلاد الفيليين (فهلة) في العصر العباسي إلى (إقليم الجبل)، وبقي كذلك في زمن البويهيين. وكانت پشتكو من أجمل بقاع الجبل لذا جُعلت مصطافاً للخلفاء العباسيين، وقد نزلها الخليفة المهدي وتوفي ودفن فيها(62). وفي القرن السادس الهجري أطلقَ السلاجقة اسم (عراق العجم) على إقليم الجبال(63) فأصبح اسماً شعبياً، واستمر هذا المصطلح إلى وقت متأخر اذ ذكره الزبيدي (ت1205هـ): "... أرض الجبال وهي المعروفة اليوم بعراق العجم، وهي ما بين أصفهان الى زنجان وقزوين وهمدان والدينور وقرميسين والري وما بين ذلك من البلاد والكور"(64). أي انه يضم أراضي الفيليين (فهلة) وأراضي غير فيلية أيضاً فأصبحوا عائمين. 

وتبعاً للحكومات الفيلية التي لم تستطع أن تستحوذ على كل المناطق التي شغلتها أو شغلتها لغتهم، صارت كلمة فيلي اسماً للر (الكبير والصغير)(65) أو (پيشكو = قبل الجبل) و(پشتكو= خلف الجبل) الذي حكمته أسر فيلية كما سيأتي، وقد تقلصت أراضي لرستان بدورها في عهد أتابك أحمد(66). وبعد انهيار الحكم الفيلي في اللر الكبير واقتصاره على الإمارة الخورشيدية على اللر الصغير (پشتكو) صارت پشتكو وحدها تعني الفيليين(67). واليوم يرفض الفيليون أن يحسبوا على اللر ويؤيدهم اللريون في ذلك.

لقد أخذت (الفيلية) بعداً جغرافياً باشتهارها بمناطق فهلة، ومن هذا المنطلق سمّى الشيخ خزعل أراضيه المحصورة بين نهر گارون وشط العرب بالفيلية(68)، وهكذا صار عندنا فيليون كرد عرقاً وفيليون عرب جغرافياً، ولكن الفيلية واقعٌ عرقي قبل أن تكون واقعاً جغرافياً.

 

أهم الإمارات الفيلية

بتأثير الفرس الانفصاليين كالصفاريين والسامانيين، وتقاطع الفيليين الشيعة مع العباسيين السنة فضلا عن ضعف السلطة المركزية ولاسيما بعد سقوط بغداد على يد البويهيين، قام الإقطاعيون الفيليون بتأسيس إمارات مستقلة عدة(69).

كان أولها (الإمارة الحسنويهية)(330- 405هـ) التي أسسها (حسنويه بن حسين الكردي) وعاصمتها (دينور)، ثم توسعت في زمن ابنه بدر لتشمل بلاد الجبل كلها(70). وقد حكم هذه الإمارة بعد حسنويه أربعة أمراء هم: بدر بن حسنويه، هلال بن بدر، طاهر بن هلال، وبدر بن طاهر بن هلال(71).

ثم إمارة بني عنان(72) (380- 510هـ) أسسها أمير الكرد الشاذنجانيين (أبو الفتح محمد بن عنان) في (حُلوان) ثم اصبحت (دينور) عاصمة لها(73). وقد شملت هذه الإمارة مناطق في إيران ككرمنشاه وپشتكو، والعراق كالسليمانية وكركوك وديالى وواسط(74). وقد حكم هذه الإمارة التي استمرت (130) سنة، ستة أمراء بعد أبي الفتح هم: أبو الشوك بن محمد بن عيار، مهلهل بن محمد، سرخاب بن محمد، سعدي بن أبي الشوك، سرخاب بن بدر مهلهل، وأبو المنصور بن سرخاب بن بدر(75). 

اللر الكبير

كانت لرستان منذ القرن الثالث الهجري مقسمة على (اللر الكبرى واللر الصغرى) ويحكمهما أخوان بدر على اللر الكبرى وأبو منصور على اللر الصغرى(76)، كما كانت لرستان تابعة لخوزستان حتى القرن العاشر الميلادي ثم صارت تابعة للجبال(77). 

حكم بدر اللر الكبير زمناً طويلاً انتقل بعده الحكم إلى حفيده نصير الدين محمد بن هلال بن بدر. إلا أن إمارة اللر الكبير انتقلت إلى عائلة أخرى فقد أنشأ أبو طاهر محمد في السنوات (550- 827هـ) الحكومة اللرية الكبرى أو الحكومة الفضولية نسبة الى جده (أبي الحسن فضولي) وعاصمتها (ئيزاج = السوس)(78).

وقد حكمها بعده اثنا عشر أميراً هم: هزار آسف بن أبي طاهر، أتابك تكله بن هزار آسف، أتابك شمس الدين ألـپ زرغون بن أتابك تكله، أتابك يوسف شاه بن ألـپ زرغون، أتابك أفراسياب بن يوسف شاه، أتابك نصرة الدين أحمد بن يوسف شاه بن ألـپ أرغون، أتابك ركن الدين يوسف شاه بن أحمد، منظر الدين أفراسياب أحمد بن يوسف شاه، أتابك پشنك بن يوسف شاه، أتابك أحمد أو پير أحمد، أبو سعيد بن أحمد، وأتابك شاه حسين بن أبي سعيد بن أحمد بن پشنك بن يوسف شاه(79)، ثم انتقل الحكم إلى البختياريين.  

 

اللر  الصغير (بشتكو)

كانت (پشتكو) جزءاً من أراضي العيلاميين فضمها الميديون إلى أراضيهم لتصبح من الأراضي الفهلوية(80). واستمرت في العهد الاشكاني ضمنها إدارياً. وبسيطرة الساسانيين صارت جزءاً من أذربيجان وذاع اسمها (ماسبذان)(81). وهذا الاسم أقدم من زمن الساسانيين؛ فقد ذكره استرابو بلفظ مقارب (ماساباتيس). وسمى حسين قلي خان الوالي الفيلي القوي عاصمته (خرم آباد) بـ(خرم آباد فيلي) وغيَّر اسم پشتكو إلى (حسين آباد)(82) على اسمه، ولكن نسي هذا الاسم وظل اسم پشتكو ودخل سجلات الدولة العراقية بعد أن صار كل فيلي عراقي ينسب إليها.

وكانت پشتكو حتى سنة 550هـ تابعة لدار الخلافة، وحدودها حسب اسكندر منشي: تقع في جنوبي عراق العجم، وتمتد عرضاً من همدان حتى خوزستان. أما طولا فتمتد من مدينة بروجرد حتى تخوم بغداد والعراق العربي، وتنيف مساحتها على مائة فرسخ. ومن مدنها خرم آباد والشة وصدمره وخاوا وهزفين وغيرها(83)، ويفصل پشتكو عن اللر جبل (كبير كوه) ونهر صيمرة، وعلى هذا الأساس قسموه على لر كبير أو پيشکو (قبل الجبل)، ولر صغير أو پشتکو (خلف او وراء الجبل)، وفيليو إيران يعدون التقسيم على لر كبير ولر صغير تقسيما إدارياً فقط لأنهم ليسوا من الالوار.

وفي زمن (ولاة پشتكو) على عهد الصفويين انفتحت پشتكو على اللر كله فصار تحت حكمهم، وابتداءً من حكم فتحعلي (فتح علي) الزندي انفصل اللران من جديد وعاد الحكم الفيلي مقتصراً على پشتکو(84).

وظلت پشتکو إلى نهاية عهد الولاة تمتد إلى ضفاف نهر دجلة، وكانت تشمل المدن الحدودية: بدرة، زرباطية، باكساية، علي الغربي، وكانت هذه المناطق تتعرض لهجمات عثمانية متتالية زمن حسين قلي خان وابنه غلام رضا (آخر الولاة الفيليين) وكانت ترد على أعقابها(85). وكانت باكساية ملكا صرفاً لغلام رضا لذا سميت (باغي شاه = حديقة الشاه)، ويدلل على أن بدرة كانت ضمن أراضي پشتکو أنها سميت (بدرة) نسبة إلى أحد أمراء پشتکو من الاسرة الخورشيدية وهو (بدر الدين مسعود) أو (بك زايا) الذي بناها على انقاض المدينة التاريخية (الدير) أو (بادرايا)(86).

وبسبب المساومات بين الدولتين الإيرانية (الصفوية، القاجارية، البهلوية) والعثمانية ثم الانكليزية التي تصرفت برقاب الشعب العراقي؛ تقلصت پشتکو بالتدريج حتى صارت ايرانية فقط وخسرت كل شبر عراقي بعد ترسيم الحدود الكافر، فاقتصرت على إيلام فقط.

تولى أمور پشتكو في زمن السلاجقة حسام الدين شوهلي مع قسم من خوزستان، فتقرب إليه من قبيلة جنـگروبي كل من محمد وكرامي ولدي خورشيد فأحرزا المناصب العليا. ومن حفدتهما ظهر شجاع الدين خورشيد الذي استطاع أن يملك بالتدريج پشتكو ويقيم عليها الحكومة الخورشيدية(87).

حكمت الأسرة الخورشيدية پشتکو في مرحلتين: المرحلة الأولى (حكم الأمراء) استمرت (456) سنة، ابتدأت بحكم الأمير (شجاع الدين خورشيد) سنة (550هـ) وانتهت بمقتل الأمير (شاه وردي) على يد عباس الصفوي سنة (1006هـ). وقد حكم في هذه المرحلة (25) أميراً هم: شجاع الدين بن خورشيد، سيف الدين رستم بن نور الدين (ابن اخيه)، شرف الدين أبو بكر بن نور الدين محمد، عز الدين كرشاسف بن نور الدين محمد، حسام الدين خليل بن بدر بن شجاع الدين خورشيد، بدر الدين مسعود بن بدر بن شجاع الدين خورشيد(88)، تاج الدين شاه بن حسام الدين خليل بن بدر بن شجاع الدين خورشيد، فلك الدين حسن وعز الدين حسين (حكما معاً)، جمال الدين خضر بن تاج الدين شاه بن حسام الدين خليل بن بدر الدين، حسام الدين عمر بك، صمصام الدين محمود بن نور الدين محمد، عز الدين محمد بن الأمير عز الدين حسين بن بدر الدين مسعود، دولة خاتون عقيلة عز الدين محمد، عز الدين حسين شقيق دولة خاتون، شجاع الدين محمود، الملك عز الدين بن شجاع الدين محمود، السيد أحمد، الشاه حسين بن الملك عز الدين، الشاه رستم بن الشاه حسين، أغور بن الشاه رستم، جهانگير بن الشاه رستم، الشاه رستم بن جهانگير، محمد بن جهانگير، وآخرهم شاه وردي بن محمدي(89). 

والمرحلة الثانية (حكم الولاة) استمرت (341) سنة، بدئت باستئناف الحكم من قبل أحد أفراد عائلة الشاه وردي وهو (حسين خان) سنة (1006هـ) وحكم بعده ثماني ولاة هم: إسماعيل خان، أسد خان، حسن خان، كلب علي خان، علي خان، حيدر علي خان(والأخيران ولدا حسن خان)، حسين قلي خان، وآخرهم غلام رضا خان(90) لينتهي حكمه بحدود عام 1929م على يد رضا شاه. فيكون إجمالي مدة حكم هذه الأسرة بطوريها (797) سنة.

وهذه الإمارات التي اتخذت مناطق محددة من جغرافية الفيليين قطّعت تلك الجغرافية فكانت سلبيتها أدنى من ايجابيتها؛ لأنها لم تسعَ إلى بناء دولة فيلية متحدة تجمع الفيليين كلهم أو أراضيهم كلها، بل عملت على جعل مناطقها أخصّ بالفيلية من المناطق الأخرى التي يسكنها فيليون أيضاً، وبالفعل أصبحت پشتكو أخص بالفيليين من اللر الكبرى، وكثير من الباحثين يردد مقولة أن اللر قومية مستقلة عن الفيليين(91)، وقد أدرج (نجم سلمان مهدي) مائة كلمة مشتركة بين كلام الفيليين وكلام اللريين اليوم ليؤكد أنهما واحد(92).

وزاد في تمزيق أراضي الفيليين ما قام به حكام الفرس من إضعاف الحس القومي لدى كردهم كيلا يفكروا بالاستقلال أو الالتحاق بالإمارات الكردية المستقلة، والحقيقة إن تذكار فهلة والفهلوية درس بالتدريج وبالكاد يذكر هذا الشعب البطل أمجاده القومية وهو يذوب ملء إرادته في الشعب المسلم، ولاسيما في عهد هذه الإمارات الصغيرة المتناحرة فيما بينها أو فيما بين حكام الإمارة نفسها.

 

الفيليون العراقيون

 

كان أجداد الفيليين بيدهم صولجان الدين والدنيا زهاء (500) عام في الدولة الميدية. ثم صاروا رجال دين وقادة ومدبري الحكومات الفارسية المستحوذة: الاخمينية، الاشكانية، الساسانية، فضلا عن السلوقية الرومانية، فكانوا ورثة الدين الميدي ولغته المقدسة واليد اليمنى للحكومات. ولا نبعد فالفيليون يشكلون غالبية سكان المدائن (طيسفون)؛ فإن منطقة الفيلية ظلت جزءاً من جغرافية العراق ومن حضارته وتمازجه السكاني(93)، وهم سكان بغداد الأصليون؛ فكلمة (بغداد) أصلها [(بغ = الله، صنم) (داد = عطية)] = (عطية الله)(94) والفيليون إلى الآن يسمون هذا الاسم ولكن أبدلوا (بغ) باسم الجلالة (الله) فصار (خداداد = عطية الله). وقد تحولت كلمة (بغ) إلى لقب سلطاني (بگ أو بيگ). وان مدن كسرى الحصينة (حلوان)(95) (نهاوند) هي مدنهم. ومدن حوض دجلة كبدرة وزرباطية وعلي الغربي وباغيشاه (باكساية) كانت جزءاً لا يتجزأ من پشتكو إلى عام 1929.

وحين جاء الإسلام انخرطوا فيه وكانوا أول المسلمين من العجم، لأنهم وجدوا فيه أفضل منصف لهم بعدما رزحوا أكثر من ألف سنة تحت نير حكومات مستغلة لجهودهم ومستحوذة على تراثهم العريق، وبكل فخر صاروا موالي.

وبعد اضطهادهم من الأمويين وقفوا مع المعارضة بوصفهم من الشيعة. وقد اشتركوا في ثورة المختار وفي حركة والي سجستان عبد الرحمن بن الأشعث حيث أبدوا مقاومة ضارية لقوات الحجاج(96). وعلى الرغم من تجنيد الأمويين الموالي ضد أي حركة ثورية ضدهم(97)، إلا أن الفيليين لم يذكروا مع محاربي وقتلة الحسين (ع) فكان ضميرهم التاريخي مرتاحاً.

ويبدو من كلام أرشاك أن الخوارج اتخذوا المناطق الفهلوية (الفيلية) مأوى لهم ولكن لم يكن أهلها خوارج(98). وأرى أن الخوارج فرضوا أنفسهم بالقوة على السكان، وربما ساندوهم لكونهم معارضين وليس ايماناً بالخارجية فهم قد وجدوا الإنصاف الكامل من الإمام علي فكيف يقفون ضده؟ ويؤكد ذلك أنهم لم يثوروا على حكمه بينما ثاروا على الخليفة عثمان بن عفان (رض)(99). ويؤكد عدم قبول الكرد لفكرة الخوارج أن مطرف بن المغيرة بن شعبة قاد فرقة من الخوارج فتصدى لهم سويد بن عبد الرحمن بمساعدة الكرد، وقد أغلق الكرد الممر الجبلي الذي يوصل إلى حلوان بوجهه(100). ولكن عرفت شهرزور موطناً للخوارج لذا سعى عمر بن عبد العزيز إلى جعلها قاعدة له فأصبح سكان شهرزور منذ القرن العاشر يعدون موالي عمر(101).

 وصار الفيليون في العصر الأموي في تيه بلاد تمحضت للعرب فعوملوا مواطنين من الدرجة الثانية أو (زنوجاً بيضاً) لأول مرة، معرضين للقتل والسلب. وقد تمسكوا بأرضهم ولم يذهبوا إلى الوراء حيث أبناء جلدتهم الجبليون في (فهلة) لأنهم صاروا نسائب مع العرب؛ فقد جاء في العقد الفريد " فكر معاوية مرة أن يقتل نصفهم ويستخدم نصفهم الآخر، فقال: إنِّي رأيتُ هذه الحَمْراء قد كَثُرت، وأَراها قد طعنت على السَّلف وكأني أنظر إلى وَثْبة منهم على العَرب والسُّلطان، فقد رأيتُ أن أقتل شَطْراً وأدع شَطْراً لإقامة السُّوق وعِمَارة الطريق، فما تَرَوْن؟ فقال الأحنف: أَرى أنَّ نَفْسي لا تَطِيب، يُقْتل أخِي لأمي وخالي وَمَوْلاي! وقد شارَكْناهم وشاركونا في النّسب، فظننتُ أنِّي قد قُتلتُ عنهم"(102). فضلا عن أنهم تآلفوا مع الحياة الجديدة وصارت لهم مصالح في المنطقة، كما أن الأرض التي يقفون عليها هي وطنهم الذي نشؤوا هم وآباؤهم وأجدادهم عليه. لذا تشبثا بالأرض، تعاونوا مع كل من يعارض الدولة أو يعدِهم بالإنصاف والخير. وفي هذه المرحلة بدؤوا التشيع للإمام علي (ع) الذي عرف بإنصافه غير العرب واستعمالهم.

وذكر ابن عبد ربه حال الموالي المهين في عهد الأمويين بقوله :" كانوا يَقُولون: لا يَقْطع الصلاةَ إلا ثلاثة: حِمار أو كَلب أو مَوْلى. وكانوا لا يَكْنُونهم بالكُنَى، ولا يَدْعُونهم إلا بالأسماء والألْقاب، ولا يَمْشون في الصَّف معهم، ولا يُقَدِّمونهم في المَوْكب، وإن حَضَروا طَعاماً قاموا على رؤوسهم، وإن أطْعموا المولَى لسنّه وفَضله وعِلْمه أَجْلسوه في طَرف الخِوَان، لئلا يَخفى على الناظر أنه ليس من العَرب، ولا يدعونهم يُصلّون على الجَنائز إذا حَضر أحد من العرب، وإن كان الذي يَحُضر غَرِيراً. وكان الخاطب لا يَخطب المرأَةَ منهم إلى أَبيها ولا إلى أخيها وإنما يَخْطُبها إلى مَواليها، فإن رَضيَ زُوِّج وإلا رُدَّ، فإنْ زَوّج الأب والأخ بغير رَأي مَواليه فُسخ النِّكاح، وإن كان قد دَخل بها، وكان سِفاحاً غيرَ نِكاح"(103).

ويأخذ الكرد الفيليون أهميتهم وكذا بقية فروع الكرد في العصر العباسي الذي أعطى غير العرب أهمية مماثلة بفضل وجود غير العرب في وزارات العباسيين، وتخلَّص (عملياً) من العقدة العروبية منفتحاً على الأمم والشعوب، على الرغم من وجود عروبيين كالجاحظ وغيره يصرحون تصريحات عروبية أموية كقول الجاحظ عن بني العباس " ان دولتهم عجميَّة خُراسانية، ودولة بني مروان عربية أعرابية"(104). وكان القائد الذي دحر الأمويين وانتصر على ابن هبيرة وأعلن الدولة العباسية كرديا فيليا من ماه البصرة (نهاوند) وهو أبو مسلم الخراساني الذي حسم الاختلاف(105) في نسبته شاعر العباسيين (الدعائي) أبو دلامة في قوله:

 

 

أبا مُجرِمٍ ما غَيَّرَ اللهُ نِعمَةً   عَلَى عَبدِهِ حَتَّى يُغَيِّرَها العَبدُ

أبا مُجرِمٍ خَوَّفتَني القَتلَ فَانتَحَى       عَلَيكَ بما خَوَّفتَنِي الأسَدُ الوَردُ

أَفي دَولَةِ المَهدِيِّ حَاوَلتَ غَدرَةً   ألا إنَّ أَهلَ الغَدرِ آباؤُكَ الكُردُ(106)

وفي صدر هذا العصر برزت وحكمت أسرة كردية فيلية هي (البرامكة). ويؤكد كردية البرامكة أحمد محمود خليل استناداً إلى إشارة لابن خلكان(107). ويؤكد كرديتهم نسبة الأمير (احمد خان الدنبلي) إلى البرامكة(108)، كما سمعتُ شيوخاً كباراً من عشيرة (برامسي) الفيلية يقولون إنهم برامكة، واسم عشيرتهم تكريد لاسم البرامكة (برا/ مسي) = (برا/ مكة).

والبرامكة في احد الآراء منسوبون إلى البرمكية وهي منطقة ببغداد، وإذا صح الأمر يكون البرامكة فيليين اكتسبوا اللقب أثناء شغلهم الوزارة في بغداد، ولاسيما أن البرامكة المعروفين في التاريخ ليسوا قوماً بل جاء لقبهم من شخص هو خالد البرمكي. وهذا يعني أن اثر ونشاط الفيليين مبكر في الدولة الجديدة التي سمحت لغير العرب من النابهين بأخذ المكانة والمكان اللائقين بقدراتهم بعد زوال الحاجز العروبي الذي تمسك به الأمويون وتعاملوا به، وهو يؤكد عظيم قدرتهم الفكرية وتدبرهم وعلو همتهم. كما لنا أن نعد المنسوبين إلى مناطق الجبل من العلماء والأدباء والشعراء الذين ظهروا في العصور الإسلامية كلها فيليين صراحة عدا العرب المنتسبين إليها مكاناً، وهم تضيق بهم الصفحات ومنهم الأديب الأشهر صاحب المقامات المبتكرة (بديع الزمان الهمذاني) و(ابن قتيبة الدينوري)، ويكفي دليلا على علو منزلة واهمية عموم فروع الكرد ومنهم الفيليون كتاب مشاهير الكرد وكردستان الذي جرَد فيه المشاهير دون الجماهير(109).

بل أصبحوا قوة لها ثقلها السياسي والعسكري والفكري والأدبي حتى صاروا يفاخرون العرب ويفاضلونهم؛ ووقع في حلب شيء من ذلك وهي قصية، فحتماً وقع هذا الأمر بشكل اكبر وأكثر في بغداد انسحاباً إلى الشرق الإسلامي موطن الكرد. وقد سجل المتنبي هذا الظهور العنيف للكرد (بشكل عام) حينما طلب منه سيف الدولة حسم الخصام بين كرد وعرب تفاضلوا في مجلسه، فأجابه متنصلا عن الحكم بمدحه:

إِن كُنتَ عَن خَيرِ الأَنامِ سائِلاً       فَخَيرُهُم أَكثَرُهُم فَضائِلا

مَن أَنتَ مِنهُم يا هُمامَ وائِلا       الطاعِنينَ في الوَغى أَوائِلا

وَالعاذِلينَ في النَدى العَواذِلا       قَد فَضَلوا بِفَضلِكَ القَبائِلا(110)

كما سجل المتنبي ذلك الظهور أيضاً بمدحه القائد الكردي (دلير بن لشكر آواز) الذي بعثته الخلافة لقتال الخوارج حين أرادوا احتلال الكوفة، وفي القصيدة سجَّل المتنبي اسم البطل الكردي كاملاً وكرر اسمه الأول:

 

فَلَستُ غَبيناً لَو شَرَيتُ مَنِيَّتي   بِإِكرامِ (دِلَّيرَ ِبنِ لَشكَرَوَزٍّ) لي

فَتَمليكُ دِلَّيرٍ وَتَعظيمُ قَدرِهِ      شَهيدٌ بِوَحدانِيَّةِ اللَهِ وَالعَدلِ

وَما دامَ دِلَّيرٌ يَهُزُّ حُسامَهُ         فَلا نابَ في الدُنيا لِلَيثٍ وَلا شِبلِ

               وَما دامَ دِلَّيرٌ يُقَلِّبُ كَفَّهُ      فَلا خَلقَ مِن دَعوى المَكارِمِ في حِلِّ(111)

وبرز في زمن السلاچقة اسم عشيرة كردية فيلية وأسماء قادة ورجال أفذاذ منها في الحرب والعلم والأدب وهي عشيرة (جاوان) فرع من (اللور). وقد سكنوا الحلة المزيدية وكانوا حلفاء بني أسد ومعاونيهم في بناء مدينة الحلة، ولا تزال محلتهم في الحلة إلى اليوم تعرف باسمها القديم (محلة الأكراد)(112).

وبرز من هذه القبيلة الأمير (ورام بن محمد) وابنه الأمير (أبو الفتح بن ورام الجاواني)، والأمير (أبو النجم بن ورام) و(هندي الجاواني) الذي مدحه ابن المعلم بقصيدة مشهورة أوردها العماد الأصفهاني في خريدته. ومن أمراء جاوان البارزين (أبو الهيج عبد الله بن الحارث بن ورام) الذي مدحه الكاتب الشاعر أبو الفرج ابن جيا الحلي بقصيدة قافية طويلة، ومنهم البطل المغوار الأمير (فخر الدين عنتر بن أبي العسكر) أخو الأمير مهلهل، الذي خصه الشاعر سعد بن محمد بن الصيفي المعروف بـ(حيص بيص) بأشعار كثيرة، منها قوله يصف بطولته:

إذا ما شكت بيض السيوف ظماءةً   سقاها فروَّاها من الهامِ عنترُ

ولم أُرِدِ العَبْسيَّ لكن سميَّهُ           ومَن هو أوْلى بالثَّناء وأجْدرُ

فإنْ فخرت عبسٌ بفارس روْعها       فإنَّ بني الجاوانِ أعْلى وأفْخرُ

     فتىً هو للْعافي من الجودِ مُورِدٌ         وللخائف الجاني عن الخوف مصدر(113)

وكان الجاوانيون يحالفون محالفة الأتباع لا محالفة الرؤساء، فتحالفوا مع الأمراء الكرد: الحسنويهيين البزرگانية والعرب، والعنازيين الشاذنجانية والعرب، وكانوا بسبب مذهبهم الشافعي مع العباسيين ضد السلاجقة حتى انتهوا بانتهاء دولتهم كما مرَّ. وكان لهم تحالف ايضاً مع الفاطميين بسبب الاتفاق معهم سياسياً لذا أجابوا دعوتهم والخطبة للمستنصر الفاطمي وكانوا مع البساسيري الذي حاول اسقاط الخلافة العباسية وإقامة خلافة فاطمية. الا ان الاتفاق مع الفاطميين اقتضته السياسة فسرعان ما عادوا إلى هواهم العباسي(114). وأنجبت هذه العشيرة رجالا للسلم والعلم كما أنجبت رجالا للحرب والضرب، وهي عشيرة فيلية فاعلة تشير إلى مشاركة الفيليين العراقيين حياتهم المختلفة بالكامل وانهم كانوا جزءاً لا يتجزأ من المجتمع العراقي مع احتفاظه بقوميته ولغته ولو إلى حين. ويذكر عباس العزاوي أن مدينة العمارة أنشئت عام 1278هـ/1860م، وكانت تسكنها عشيرة (دوزاده) من اللر الفيلية، وجملة عشائر بدوية(115).

 

شخصيات فيلية مؤثرة

ظهرت في تاريخ الفيليين المشرِّف شخصيات مهمة وكبيرة أشَّّرتهم شعباً خطيراً وفاعلاً وممجَّداً، وكانت لهذه الشخصيات الريادة للفيليين لتقديم المزيد والسير الحثيث لإكمال مسيرتهم. ولبعض هذه الشخصيات ظل وارف على حياة العراقيين عموماً؛ لأخذها مدىً فعلياً في ضمير العراق وشعبه العظيم.

ذو الفقار خان بن نخود سلطان الكلهوري

هو شخصية قيادية من عشيرة (كلهور) الفيلية، برز أثناء الحكم الصفوي للعراق. وقد استطاع القضاء على الحكم الصفوي في بغداد، بعد قتله إبراهيم خان موصلو حاكم بغداد من قبل الشاه إسماعيل في منطقة (ماهي دشت)(116)، مستغلا ضعف الحاكم وتردي الأوضاع على الصعد كافة. وقد استطاع بعد احتلال بغداد فرض سيطرته على مناطق واسعة من العراق. وخُطب له على المنابر وسُكَّت باسمه النقود، واستمر يحكم العراق موحدا ست سنوات (1524-1530م)، حتى قتل مسموماً على يد عملائهم.

ومهما يكن من دوافع ذي الفقار، فما قام به عمل بطولي فيلي ودليل على صدق مواطنتهم لأنه حكم العراق حكماً ايجابيا صلحت فيه الأمور في زمانه، كما انه حرر العراق من المحتلين الصفويين. ويمثل ذو الفقار الكلهوري (الحاكم الكردي) للعراق والعراقيين لأول مرة، مما يجعله قيادياً عراقياً يفخر به الكرد والعرب معاً. ويؤشر ذو الفقار حقيقة عدم تبعية الفيليين لايران أصلاً وولاءً فقد تمرد على دولتها، كما انه يصحح كل رأي منحرف يريد أن يجعلهم منغلقين على أنفسهم، أو مجرد نازحين لا يهمهم مصلحة الوطن. 

حسين قلي خان

هو أشهر ولاة پشتكو، تمتع بشخصية قوية، وقام بأعمال لا يتمكن منها غيره فلقب بألقاب كثيرة تبين ذلك منها: أبو قداره لخشونته، وأمير التومان لجمعه الضرائب العالية من الناس وإرسالها إلى خزينة الحكومة، وصارم الدولة لهيبته، وسردار أشرف لقدرته القيادية في المعارك..وكان يدفن المتمردين عليه أحياءً، ويقطع آذان المتجاوزين على حدود منطقته الغربية من العثمانيين(117). إلا أن هذه الشدة طالت شعبه ايضاً فأثقلهم بالضرائب وغير ذلك، وفي زمانه نزحت أعداد ضخمة من الفيليين من پشتكو الى الكوت والعمارة.

وهو الصق بالفيليين وأكثر تمثيلا لهم حتى سُموا (جماعة حسين قلي خان). وكان الوالي حسين قلي خان مخلصاً لپشتکو وللعراق؛ وحسب رواية احد حفدته طلب منه الانكليز استغلال أراضي أمارته للدخول إلى العراق، مقابل تمليكه الإمارة ومنحها الاستقلال الكامل كالكويت فرفض. وكان ولاة پشتكو يحكمون إمارتهم بشكل شبه مستقل عن الدولة الإيرانية.

وخلف حسين قلي خان (غلام رضا خان) آخر ولاة پشتكو الذي كتب تاريخ سلاطينهم. وفي زمانه قام رضا شاه باحتلال پشتكو بعد خروجه منها لتنتهي إمارة الفيليين، واطلق يده في التصرف بأمرهم فقسّم أرضيهم وأوغل في ظلمهم حتى اضطروا إلى الثورة عليه عام 1929 بقيادة شامحمد (شامگه‌). وقد اختار غلام رضا خان السفر والإقامة في بغداد إلى وقت وفاته. وغلام رضا مؤثر في الشعب العراقي فابناؤه نسباء قبائل عربية عريقة، وكان هو أحد المرشحين ملكاً على العراق.

قدم خير

ويلفظ الكرد اسمها (قـَيَم خير)، ويسمون بناتهم باسمها. وهي بنت الأمير قند القلاوندي من اللر. ثارت على شاه إيران رضا بهلوي بعدما قتلَ قادة لرستان غيلة، اذ استدعاهم للحوار بشأن ضربهم باستمرار قوافله التي تمرّ عبر لرستان. وقد ظنَّ أن اللر أصبحت بلا قادة وقيادة، فتفاجأ بثورة لرستان الشاملة تقودها الأميرة قدم خير وقد لبست ثياب زوجها وأصبحت القائد الأوحد لشعبها.

استطاعت قدم خير تحقيق انتصارات واضحة على الجيش الإيراني بالكر والفر، وطهَّرت أراضي كثيرة من لرستان، إلا أنها أدركت النقص الكبير في أسلحتها ومعداتها للاستمرار، فراسلت القائد الكردي الشيخ محمود الحفيد الذي كان يعدَّ العدة ليكون ملك كردستان اذ ثار في السليمانية وكفري وتوغل خمسين ميلا في كردستان الإيرانية(118)، فاعتذر بأنه يجاهد الانكليز ولا يستطيع مساعدتها، وقيل غير ذلك.

ابتدأ الشاه رضا بهلوي معها بالتهديد، فأرسل لها رسولا ومعه كيس رز، وقال للرسول أكفئ الكيس وبدد الرز وقل لها: للشاه جيش بقدر هذا الرز. فأرجعت قدم خير كيس الرز مع ثلاث دجاجات جائعات، وقالت للرسول أكبب الرز أمام الشاه وأطلق الدجاجات ليأكلن الرز كله، وقل له: تقول الأميرة قدم خير: " إن جيشي قليل ولكنه سيأكل جيشك الكثير"(119).

بعد ذلك اضطر إلى مهادنتها، فطلبها للزواج ووعدها بجعلها أميرة على اللر، ولكنها رفضت. ثم عاود الكرَّة، وقيل ان الشاه بعث لها في المرة الثانية رجال دين ورؤساء طوائف وادراريين ومعهم مصحف عليه أثر كفه دلالة على قسمه بالقرآن الكريم(120). وقد اختلفت الأقوال في نهايتها؛ فمن قائل: إنها قبلت الصلح أو اضطرت إلى قبوله بسبب تخاذل قسم من جيشها، وقائل: إنها بقيت تقاتل حتى إطلاق آخر رصاصة على الشاه. ثم القي القبض عليها وقتلت بشدِّها على بغل هائج كما رآها شاهد عيان(121) وقيل غير ذلك.

أصبحت قدم خير أسطورة فأضيف إليها الكثير، ويذكر أن صورها طبعت على الجداريات ونسجت على البسط ولم يخلُ بيت فيلي من صورة لها في بغداد وغيرها في النصف الأول من القرن الماضي. وسبب تعظيمها أنها بقابلياتها البسيطة وأتباعها القليلين أعلنت الحرب على ملك لدولة كبيرة معترف بها وبقوتها عالمياً، ولأنها كانت شجاعة بقرارها الحرب بلا تردد أو تخاذل حين سمعت بمقتل قادة لرستان. وقد أشبَعت قدم خير بثورتها النهم البطولي الذي يعيشه الواقع الكردي المتعطش للثورة، فانطلق مستجيباً لهذا البركان. وقد ظلَّت قدم خير بعد موتها نشيداً في الضمائر يختزن الثورة ويسليها بالبطولة ويستعيد القائدة الأسطورية التي صفعت الشاه وهزت كبرياءه. كما كتبت الأغاني والأناشيد والأشعار فيها فحفظتها الصدور وغنتها الشفاه وهام بها البسطاء والمثقفون على السواء ومنها:

قدم خير

قدم بده

ئيمه تفنك وشونت

ومعناها: (تقدمي يا قدم خير كلنا بنادق على كتفك). وغنى لها المطرب الكردي الاشهر (حسن زيرك) أغنية من وحي ثورتها مطلعها:

دايه دايه وختي جه‌نگه‌

قتارە بالا سه‌رم پـڕش فشه‌نگه‌

ومعناها (إنها الحرب يا أمي.. وعلى كتفي حزام مليء بالرصاص). وهكذا استحوذت قدم خير على عموم الشعب العراقي كرده وأعرابه بمحاربتها العدو المشترك (الشاه المقبور). وأورد الدكتور زهير عبد الملك كلمات لأغنية مشهورة يحفظها فيليو ايران والعراق، مترجمة عن الكردية تقول:

نزلت قدم خير من أعالي الجبال

عازمة على الحرب والقتال

وفي طيات حزامها الحريري

مسدس محشو بالرصاص

قدم خير، يا ذات الحذاء المخملي

والشعر المحنَّى

أبهرني جمالك الفتان

وألهب السلاح في يدك حماسي

سيلوذ أعداؤك بالفرار من الميدان

ويكون نصيب من يبقى النكبة والخسران

بادري، سيدتي، بالقتال،

ولسوف أبني لك هودجا

من الريحان

كي يقي من وهج الشمس

عينيك الجميلتين(122)

أبو جاسم لور (لَر) 

(أبو جاسم لر) شخصية فيلية ذات شهرة وبعد شعبي، ولها حضور وتأثير في التراث الشعبي العراقي، ووجود حي تتمثل به الأوساط كافة. وقد تبلورت هذه الشخصية على فكرة القوة الخارقة والعدل في الوقت نفسه كشخصية (حبزبوز) البغدادية؛ فهو (شقاوة) ولكنه يأخذ للضعيف حقه من القوي المعتدي.

وقد تحول (أبو جاسم لر) إلى أسطورة في القوة، أو ربما للدعابة وادعاء البطولات (الدونكيشوتية): فيقال للشخص المدعي الفتوة: (صاير أبو جاسم لر)!

وقيل عنه: انه شخصية حقيقية عاشت زمن العثمانيين. وعلى العموم فأبو جاسم لر فيه الشبه الأكيد من الإنسان الفيلي: القوة، العدل، والتأثير. وهذا السبب جعل صدام حسين يخاف الفيليين؛ فتحت وضعهم المزري تختفي شخصية قادرة.

وفي التاريخ المعاصر برزت شخصيات فيلية في المجالات كافة نذكر منها في مجال الفن والفكر والرياضة: 

 

في مجال الفنون

المطرب أحمد الخليل، المطرب رضا علي، الموسيقار سلمان شكر، الموسيقار نصير شمه، مطرب المقام حسن خيوكه، المطرب جعفر حسن، المغني صلاح عبد الغفور، الفنان جلال خورشيد، رسام الكاريكاتور علي مندلاوي، النحات إسماعيل مايخان، الفنان سليم البصري، المخرج المسرحي حسين حيدري. وتأسست في الكوت في بداية الستينات (الفرقة الجوزية) التي أسسها مجموعة من الاخوة هم: (احسان جوزي، عبد الأمير جوزي، سعد جوزي، جليل جوزي، وجميل جوزي) وكان لها الاثر الطيب في نشر الفن.

 

في مجال الشعر والآداب والعلوم

العلامة مصطفى جواد، القاص عبد المجيد لطفي، الباحث كامل البصير، الشاعر جليل حيدر، الروائي غائب طعمة فرمان، الشاعر زاهد محمد، الدكتور البروفيسور عدنان عباس، الشاعر والصحفي عباس البدري، الشاعر عبد الستار نور علي، الشاعر حسين مردان، وشاعر الأغنية العراقية سيف الدين ولائي.

 

في مجال الرياضة

الكابتن أنور مراد، الرياضي جلال عبد الرحمن، الرياضي محمود أسد، الرياضي صمد أسد،العداءة كوثر نعمة، الرياضي جاسم غلام، الرياضي سلام شاكر،اللاعب شاكر علي، إسماعيل خليل (ملاكم) ،ماجد جعفر (جمال جسماني) ،عبد الواحد عزيز (رباع) ، داود سلمان (كرة السلة) ،عبد الحسين خليل (كرة السلة) ،اللاعب جبار سيف الله، عبد الرحمن سردار (كرة السلة) ،كاظم محمد علي (ملاكم شارك في بطولة آسيا) ،عبد الحسين فيلي (لاعب منتخب العراق بكرة السلة سابقا) ،عزيز عباس (رباع بطل آسيوي)(123).

 

الهوامش

(*) هي شانه بنت موسى. فيلية من عشيرة قياسوند. ولدت سنة 1896 في قرية موسيان الحدودية. تزوجت في قضاء الحي من زوجها (علوان) وعاشت بقية حياتها في هذا القضاء. اشتهرت شانه بكرمها وأفضالها حتى نالت احترام وتقدير الشيوخ العرب والحكومة العراقية، فكان مضيفها يقدم الطعام والقهوة والشاي ويستقبل يومياً 50 -70 شخصاً من عمالها الذين يفوتهم الوقت والمستطرقين والغرباء والمحتاجين. ويذكر أن 40 شخصاً مروا بقضاء الحي للزيارة واحتاجوا إلى المبيت فلم يضيِّفهم أحد، وحال سماعها بذلك دعتهم الى ضيافتها، وصادف أن مات في الليل ولدها (عبد الله) فطلبت من الجميع كتم الخبر حتى يذهب الضيوف كيلا يحرجوا، وحين خرج الضيوف علا الصراخ وبدت مظاهر العزاء فعرف الضيوف مدى كرمها وطيب نفسها وعلو همتها فقالوا بحقها (هوسة) مشهورة إلى اليوم هي (تجار الحي فدوه لشانه). ومما يحكى عن منزلتها في النفوس أن احد شيوخ المياح طلب الحماية (دخيل) بعد قتله شخصاً، عند الخطاوية (وهم فيليون وأصحاب مضايف أيضاً منهم الحاج سلطان وحسن رستم ومحمد كشكول) فحموه ولكنهم لم يستطيعوا حمايته طويلا بعد الضغط عليهم، فأسلموه إلى شانه فلم يتعرض إليه أحد حتى أسلمته إلى الحكومة. ويبدو أنها حققت هذا الثراء وهذه المنزلة مبكراً بسبب ما ورثته من أهلها ولتوضح شخصيتها بعد زواجها؛ لأنها حين قيام ثورة العشرين كانت في الرابعة والعشرين. توفيت شانه سنة 1954. ووفاءً وتخليداً لها أطلق على احد الشوارع في الحي (قرب الاتصالات) اسم (شارع شانه). (نقلاً عن حفيدها واسط حسين شانه).

(1) كرد وترك وعرب- سياسة ورحلات وبحوث عن الشمال الشرقي، ص7.

(2) ينظر كتابه (الأكراد) في أكثر من موضع.

(3) تاريخ الأكراد، توماس بوا، ص47.

(4) الكرد وكردستان في الوثائق البريطانية، ص9.

(5) ذكر ذلك في لقاء موسع تحدث فيه عن الكرد الفيليين، نشر في العدد الأول من جريدة (جسور) لحزب الإخاء الفيلي عام 2004، وقد أجريتُ معه الحوار بنفسي (المؤلف).

(6) الأكراد – ملاحظات وانطباعات، ص16.

(7) الأكراد، أرشاك، ص16.

(8) الأكراد، أرشاك، ص204.

(9) الكورد الفيليون بين الماضي والحاضر، ص16.

(10) الكورد الفيليون بين الماضي والحاضر، ص16.

(11) الكرد الشيعة (الفيلية) دراسة في المصطلح والتأريخ، الشيخ بشير الوندي ونوري حسين علوان، ص12.

(12) ينظر: تاريخ اللغة الكردية، ص38.

(13) كرد بغداد الفيليون، جمال حسن المندلاوي، انترنت.

(14) الكورد الفيليون بين الماضي والحاضر، ص22.

(15) كرد بغداد الفيليون، جمال حسن المندلاوي، انترنت.

(16) المعرَّب من الكلام الأعجمي، أبو منصور الجواليقي، ص5.

(17) جدل الهويات، ص269.

(18) تاريخ اللغة الكردية، ص42.

(19) تاريخ اللغة الكردية، ص46.

(20) الفهرست، ابن النديم، ص15.

(21) ينظر: تاريخ سياسي اجتماعي كردهاي فيلي در عصر واليان پشتكو، مراد مرادي مقدم، ص53-54.

(22) تاج العروس، الزبيدي، ج15، ص592.

(23) معجم البلدان، ج4، ص281.

(24) شرفنامه، ص41.

(25) الكرد وكردستان، أرشاك، ص53.

(26) تاريخ سياسي اجتماعي كردهاي فيلي در عصر واليان پشتکوه (إيلام)، ص54.

(27) تاريخ اللغة الكردية، ص38.

(28) الفيليون، ص27.

(29) ينظر: تاريخ الكرد الحديث، ص69.

(30) تاريخ سياسي اجتماعي كردهاي فيلي، ص54.

(31) تاج العروس، الزبيدي، ج15، ص592.

(32) الوافي بالوفيات، الصفدي، ج2، ص22.

(33) جدل الهويات، ص269.

(34) شرفنامه، ص78 (هامش).

(35) العشائر الكردية، الاستخبارات البريطانية، ص22- 23.

(36) لسان الكرد ، ص57.

(37) لسان الكرد ، ص63.

(38) لسان الكرد ،ص64.

(39) لسان الكرد ، ص60

(40) تاريخ الكرد الحديث، ص44.

(41) لسان الكرد ، ص62.

(42) المرشد إلى مواطن الآثار، ص20؛ تاريخ اللغة الكردية، ص30.

(43) تاريخ اللغة الكردية، ص46.

(44) تاريخ اللغة الكردية، ص38.

(45) شرفنامه، ص79.

(46) ينظر: تاريخ اللغة الكردية، ص38

(47) الفهرست، ابن النديم، ص15.

(48) معجم البلدان، ج4، ص281.

(49) من الخطأ إضافة أداة التعريف (ال) إلى (شاهنامه) و(شرفنامه) لأنهما معرفان أصلاً، وذلك بالإضافة حسب نظام اللغات الهندو- أوربية (شاه- نامه/ كتاب الملوك الفرس) (شرف- نامه/ كتاب شرف) إذ يتقدم المضاف إليه على المضاف على الضد من قواعد العربية.

(50) ينظر:  شرح ابن عقيل، ج1، ص422- 423.

(51) ينظر: الكرد وكردستان، ص31.

(52) تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي، مج2، ق1، ص40.

(53) لسان الكرد، ص57.

(54) الأكراد، ص34.

(55) تاريخ الكرد الحديث،ص 59.         

(56) الفيليون، ص20.

(57) الثقات، ابن حيان، ج2، ص219.

(58) تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج12، ص287.

(59) تاريخ أصل الأكراد، رشيد ياسمي، ص81.

(60) تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي، مج2، ق2، ص232.

(61) شاهنامه، ص50 (هامش).

(62) الأخبار الطوال، الدينوري ص386.

(63) تاريخ سياسي اجتماعي كردهاي فيلي، ص39. 

(64) تاج العروس، الزبيدي، ج1، ص100.

(65) تاريخ اللغة الكردية، ص38.

(66) شرفنامه، ص123.

(67) قسمت لرستان في الوقت الحاضر إلى محافظات عدة: محافظة إيلام، محافظة لرستان، محافظة چهارمحال، محافظة شهركرد وغيرها. 

(68) الفيليون، نجم سلمان مهدي، ص24.

(69) ينظر: الأكراد، أرشاك بولاديان، ص178.

(70) تاريخ الإسلام، الذهبي، ج26، ص482.

(71) شرفنامه، ص105- 106.

(72) لم يضبط الاسم فهو: عنان وعيار وعناز وعياز (ينظر: شاهنامة، ص109).

(73) مذكرات مأمون بيك، ص23 (الهامش).

(74) الكرد والدولة العثمانية، ص77- 78.

(75) شرفنامه، ص109- 110.

(76) شرفنامه، ص117.

(77) الأكراد، ص204.

(78) الكرد والدولة العثمانية، ص78- 79.

(79) شرفنامه، ص118- 124.

(80) تاريخ سياسي اجتماعي كردهاي فيلي، ص35.

(81) تاريخ سياسي اجتماعي كردهاي فيلي، ص35، 36.

(82) تاريخ سياسي اجتماعي كردهاي فيلي، ص38.

(83) شرفنامه، ص149 (هامش).

(84) تاريخ سياسي اجتماعي كردهاي فيلي، ص26.

(85) تاريخ سياسي اجتماعي كردهاي فيلي، ص115.

(86) في رحاب مدينة بدرة، هادي حافظ مقبولي،www. Puk med ia. com. وقد مرَّ ذكره مع أمراء (پشتكو).

(87) شرفنامه، ص131- 132.

(88) توفي هذا الأمير عام 658هـ/1261م واليه يعزى بناء مدينة بدرة.

(89) شرفنامه، ص132- 147.

(90) تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي، محمد أمين زكي، مج2، ق1، ص191.

(91) ينظر: تاريخ الكرد الحديث، ديفيد مكدول، ص33.

(92) الفيليون، ص138- 142.

(93) جدل الهويات، سليم مطر، ص269.

(94) الفوز بالمراد في تاريخ بغداد، سليمان الدخيل، ص8.

(95) حلوان فتحها العرب عام 640 واحرقها السلاجقة عام 1046. وأكمل الزلزال هدمها عام 1149. وهي قبلة التماس بين العراقين: عراق العرب وعراق العجم، ومتاخمة لـپشتكو لذا تسمى جبال پشتكو (جبال الكرد) و(جبال حلوان)، ويسمى الفيليون لذلك كرد جبال حلوان، وقد لقِّب الشيخ ملا كتاب الكردي الفيلي بـ(الحلواني) وهو جد الشيخ مهدي بحر العلوم. (أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج10، ص144.

(96) الأكراد، أرشاك،ص73.

(97) ينظر: حياة الإمام الحسين، الشيخ باقر شريف القرشي، ج2، ص135.

(98) الأكراد ، ص58.

(99) أنساب الأشراف، البلاذري، ج5، ص45.

(100) تاريخ الطبري، ج5، ص111.

(101) الأكراد، ص75.

(102) العقد الفريد، ج3، ص361.

(103) العقد الفريد، ج3، ص361.

(104) البيان والتبيين، ج3، ص366.

(105) قال ابن خلكان:" وقد اختلف الناس في نسب أبي مسلم، فقيل إنه من العرب، وقيل من العجم، وقيل من الكرد". (وفيات الأعيان، ج3، ص155)

(106) المعارف، ابن قتيبة، ص421.

(107) القبائل الكردية، ص36 (الهامش).

(108) موسوعة المصطفى والعترة، حسين الشاكري، ج14، ص465.

(109) ينظر: مشاهير الكرد وكردستان في العهد الإسلامي، العلامة محمد أمين زكي بك.

(110) شرح ديوان المتنبي، ج3، ص232.

(111) المتنبي، عبد الرحمن المصطاوي ص391- 394.

(112) جاوان، القبيلة الكردية المنسية، ص10.

(113) جاوان، القبيلة الكردية المنسية، ص28.

(114) جاوان، القبيلة الكردية المنسية، ص14- 17.

(115) العراق بين احتلالين، عباس العزاوي، ج2، ص17.

(116) مذكرات مأمون بك بن بيـگـه بك، ص23 (الهامش).

(117) الفيليون، ص39.

(118) الكرد وكردستان، وليد حمدي ص402.

(119) نقلا من كتاب فقد مني بعنوان (حسن زيرك).

(120) الفيليون، ص108.

(121) الفيليون، ص109.

(122) من تراث النساء الثائرات: قدم خير، د. زهير عبد الملك، انترنت.

(123) شبكة المرأة الكوردية الفيلية، انترنت.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد تقي جون
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/11/29



كتابة تعليق لموضوع : الكرد الفيليون
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net