ماتت العلوية
الشيخ عبد الحافظ البغدادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حين كنت أتردد بين النجف والبصرة فترة دراستي عام 1999م لاحظت إن سواق الحافلات يقفون لسقي شجرة نبق صغيرة بالقرب من نهاية الخط السريع جهة صعود السيارات على طريق مطار البصرة.. تكررت المسالة ، فسالت احدهم عن سبب وقوفهم وسقيهم هذه السدرة ، قال: اتفقنا نحن سواق الحافلات أن نسقيها لتكون لنا دليل انتهاء الطريق السريع ، لان طريق البصرة ناصرية لا توجد فيه أي علامة دالة ذلك الوقت ، وأحيانا يأخذنا التعب فتكون هذه السدرة إشارة لنا بالوصول ..!
كبرت السدرة بمرور الأيام، وبعد سنتين ، لاحظنا توجه عدد من النساء والرجال لزيارة السدرة ، وكثر عليها شد { العلك} وقطع خضراء وسوداء ، ثم أضيف لها كوز ماء كبير { حبّ}، ... ومن غريب الصدف أن جاءني شخص يطلب أن اكتب له طلاسم وعزائم وتعاويذ مقابل مبالغ مالية لأنه أمي لا يقرأ ولا يكتب .. وحين اعتذرت بان هذا دجل وحرام وضحك على ذقون الناس ، قال ضمن كلامه { أنا متولي العلوية}..! سألته أي علوية..؟ فأشار إلى السدرة التي في نهاية الطريق وصار يحدثني عن كراماتها وبركاتها وعطاءها .. وحين ذكرت له تاريخ و قصة علويتهم واني اعرفها قبلهم ، قال أنت ما تفيدنا لأنك لا تؤمن بكرامة هذه العلوية الجليلة وبركاتها الكثيرة على الأمة ..!!
بعد سقوط النظام اضطربت الأوضاع الأمنية وتكاثر السلابة وقطاع الطرق على الخط السريع بصرة ناصرية ... حينها لم يتمكن المتولي الأمين على رعاية مصالح الأمة أن يرعى العلوية ، بعدها تم بناء سيطرات على الطريق السريع ، ولم تعد حاجة للعلوية إن تكون دليلا .. بمرور الوقت ماتت العلوية ، ولكن الغريب في الأمر إن الجمهور العبقري المؤمن بالنبك والأشجار الهيبة والعلكات أن يذهبوا بين فترة وأخرى يشدون علك أو قطعة قماش على غصن العلوية اليابس الميت .. فهي لها كرامة إذن في اعتقادهم حتى لو تركها سواق الحافلات وعرفوا إنها لم تعد تجدي نفعا ، وفاقد الشيء لا يعطيه ...
الانتخابات الأخيرة أدهشتني حين قام بعض الناس بانتخاب الموتى من سدر النبك مرة ثانية ووضعوا أصبعهم وعلقوا علكهم على الموتى ، هؤلاء الذين لا يختلفون عن كرامات السدرة العلوية عطاءَ وهيبةَ وشكلاً ، وضعوا أصابعهم في الحبر كما يذهب العباقرة نحو العلوية الميتة وشدوا العلك عليهم في المجالس المحلية رغم إنهم ماتوا منذ أربع سنوات .. ترى هل يتوقعون أن تعود العلوية للحياة وتعطي كرامةً هي لا تعطيها ...وهل تستحق فعلا أن نشد عليها علك لتفوز بفترة انتخابية جديدة على الطريق السريع ..؟
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
الشيخ عبد الحافظ البغدادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat