المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في مقطع سابق للعلامة الحيدري في برنامج المطارحات دعى فيه الى مرجعية جامعية ولابد ان يكون مرجع الدين واقفا على المباني الفلسفية والعقلية ولابد ان يكون واقفا على المباني والاصول العرفانية والتفسيرية و هذه العلوم هي جزء من الدين بل ومن اهم المقدمات التي لابد ان تكون عند مرجع الدين .
وكان دليل العلامة الحيدري على ان مراجعنا حفظهم الله غير مُلمين او واقفين على حد تعبيره على هذه العلوم هو انهم لم يؤلفوا فيها .
وكرر في حلقات المطارحات من اسلام الحديث الى اسلام القرآن القسم 9 د33 تاييده لهذا المبنى وقال ((ان من يحرّم الفلسفة والعرفان هل قرأ الفلسفة والعرفان فأن قرأها فقد ارتكب حراما واذا لم يقرأها فكيف يحرم ما لا يعرفه)) ثم استدرك المسأله وتفطن الى الحقيقة وقال (( لعله يقول احد هم قرأوها وتصوروا انها صحيحة وتبينوا منها بعد ذلك انها فاسدة جيد نقول له هذا اجتهادك وآخرون قرأوها وعرفوا انها صحيحة وليست فاسدة)) .
والكلام هنا ..
اولا - متى كان العلماء يُعرفون بكتبهم ؟ ثم اذا لم يكن لعالم اثر في مجال هو يتقنه فهل هذا مبرر على ان نتهم هذا العالم بانه جاهل بهذا المجال فإن عدم الوجدان لا ينفي الوجود.
ثانيا - كيف ان الفلسفة والعرفان مخالفة لظواهر القرآن ولماذا حرم فقهاؤنا قرائة هذه العلوم وهل هي من المنظومة الدينية كما يدعي العلامة الحيدري ؟؟
ذكر العلامة الحيدري في كتابه (مدخل الى مناهج المعرفة عند الأسلاميين) ص 205
قوله.. ((يمكن القول ان المدرسة المشائية لم يحالفها التوفيق كثيرا في هذا المجال ..(اي التطبيق بين المقولات الفلسفية التي يؤمنون بها وبين معطيات الشريعة الإسلامية) بالأخص في البحوث المرتبطة بعلم النفس الفلسفي وعلم المعاد وكذلك مايرتبط بالنشآت الوجودية التي سبقت عالمنا المشهود وغيرها من المسائل الأساسية الكثيرة..الى ان يقول.. إن هذه الخيبة يمكن أن ترجع لعدة إشكالات يرتبط أهمّها بالمقولات الفلسفية والقواعد العقلية التي اسّسوها وأفترضوا أنّ معطياتها كنصوص سماوية معصومة عن الخطأ ))..انتهى.
أقول ..
لايخفى ان المدرسة المشائية من المدارس الفلسفية الإسلامية التي منها الشيخ الرئيس (إبن سينا ) كما يعبر عنه الفلاسفة وكذلك ترى انهم طرحوا افكارا عقلية فلسفية وانزلوها منزلة النصوص السماوية المعصومة والتي تقابل الكتاب وتعارضه ولولا ذلك لما كانت في خيبة بل هو تعبير لطيف يقلل من خطورة الموقف اذ إن المسلم كيف له ان يعطي نظريات يخالف بها كتاب الله المنزل ويعترف بأسلامه بعد ذلك.
وقد يقال ان العلامة الحيدري اعطى مثال للمدرسة التي اخفقت في التطبيق بين المقولات الفلسفية وبين معطيات الشريعة الإسلامية على حسب قول العلامة الحيدري فهل هناك من الفلاسفة من نجح بالتوفيق بينهما؟؟
يقول العلامة الحيدري في كتابه (مدخل الى مناهج المعرفة عند الأسلاميين) ص205
بعد ان ذكر خيبة المدرسة المشائية (( وهذا عكس ما سنجده في مدرسة الحكمة المتعالية لصدر الدين الشيرازي, حيث انها كانت موفقه الى حد كبير لتأسيس أصول عقلية لها القدرة الكافية على تبيين المعطيات الدينية وإثباتها من خلال القواعد العقلية المتقنة )) انتهى .
قد لايكون هذا الكلام هو ان (مدرسة الحكمة المتعالية لصدر الدين الشيرازي وانها كانت موفقه الى حد كبير لتأسيس أصول عقلية لها القدرة الكافية على تبيين المعطيات الدينية) مقبولا عند فيلسوف العصر واستاذ الفلاسفة المعاصرين واستاذ العلامة الحيدري وهو اية الله السيد محمد حسين الطباطبائي والذي قال بشهادة دونها في كتابه الميزان في تفسير القرآن ج5 ص 164..
قوله..
(( الطريق إنما هو استعمال الظواهر الدينية على ما ينبغي من الاستعمال لا غير، و حاشا أن يكون هناك باطن لا يهدي إليه ظاهر، و الظاهر عنوان الباطن و طريقه، و حاشا أن يكون هناك شيء آخر أقرب مما دل عليه شارع الدين غفل عنه أو تساهل في أمره أو أضرب عنه لوجه من الوجوه بالمرة و هو القائل عز من قائل:
"و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء": النحل: 89 و بالجملة فهذه طرق ثلاثة في البحث عن الحقائق و الكشف عنها:
(الظواهر الدينية وطريق البحث العقلي و طريق تصفية النفس)، أخذ بكل منها طائفة من المسلمين على ما بين الطوائف الثلاث من التنازع و التدافع، و جمعهم في ذلك كزوايا المثلث كلما زدت في مقدار واحدة منها نقصت من الأخريين و بالعكس.
و كان الكلام في التفسير يختلف اختلافا فاحشا بحسب اختلاف مشرب المفسرين بمعنى أن النظر العلمي في غالب الأمر كان يحمل على القرآن من غير عكس إلا ما شذ.
و قد عرفت أن الكتاب يصدق من كل من الطرق ما هو حق، و حاشا أن يكون هناك باطن حق و لا يوافقه ظاهره، و حاشا أن يكون هناك حق من ظاهر أو باطن و البرهان الحق يدفعه و يناقضه.
و لذلك رام جمع من العلماء بما عندهم من بضاعة العلم على اختلاف مشاربهم أن يوفقوا بين الظواهر الدينية و العرفان كابن العربي و عبد الرزاق الكاشاني و ابن فهد و الشهيد الثاني و الفيض الكاشاني.
و آخرون أن يوفقوا بين الفلسفة و العرفان كأبي نصر الفارابي و الشيخ السهروردي صاحب الإشراق و الشيخ صائن الدين محمد تركه.
و آخرون أن يوفقوا بين الظواهر الدينية و الفلسفة كالقاضي سعيد و غيره.
و آخرون أن يوفقوا بين الجميع كابن سينا في تفاسيره و كتبه و صدر المتألهين الشيرازي في كتبه و رسائله و عدة ممن تأخر عنه.
و مع ذلك كله فالاختلاف العريق على حاله لا تزيد كثرة المساعي في قطع أصله إلا شدة في التعرق، و لا في إخماد ناره إلا اشتعالا: ألفيت كل تميمة لا تنفع و أنت لا ترى أهل كل فن من هذه الفنون إلا ترمي غيره بجهالة أو زندقة أو سفاهة رأي، و العامة تتبرأ منهم جميعا )) . إنتهى كلام العلامة الطباطبائي.
نرى في كلام العلامة الطباطبائي إنه لم يبق او يسثني من المدارس الفلسفية وحتى صاحب مدرسة الحكمة المتعالية صدر المتألهين الشيرازي ممن أرادوا أن يوفقوا بين الجميع اي الظواهر الدينية والفلسفة والعرفان مع ذلك كله فالاختلاف العريق على حاله وحقيقتا لم يبقى هناك أي تعليق لنا بعد بيان العلامة الطباطبائي سوى ان ننقل بعض كلام سماحة اية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني (دام ظله) حول الفلسفة...
((لا كلام أعلى من كلام أئمة الدين صلوات الله عليهم، فأرجو أن تقرروا جميعاً بدون استثناء من هذا اليوم أن يقرأ الواحد منكم كل يوم صفحة من أول كتاب البحار. إن هذه الجهود التي بذلها أساطين العلم من أجلكم ، أمثال الشيخ الأنصاري والآخوند وآقا ضيا والأصفهاني أعلى الله مقامهم ، والأفكار التي طرحوها إنما هي مقدمة لتصيروا أهل فكر واجتهاد ، وتستعملوا ذلك في فهم الآيات والأحاديث ، فاقرؤوا صفحة من البحار بتلك الحصيلة العلمية التي استفدتموها من درسكم في الحوزة ، وتأملوا في دقائقها ، وواصلوا هذا البرنامج في حياتكم.
غرضي مما أقوله أن أبين لكم أن المسافة بيننا وبين الوصول الى الأسرار كبيرة ، فقد قرأنا زيارة الجامعة كل عمرنا ، فتأملوا فيها فقرة فقرة .
من فقراتها: كلامكم نور وأمركم رشد. فما معناه؟ معناه أنكم جميعاً تطلبون النور ، وتبحثون عن النور ، لكن هذا النور ليس في شفاء ابن سينا ، ولا في المباحث المشرقية للرازي ، ولا في كلمات أرسطو وأفلاطون وفيثاغورس..
هذا النور في قلب عدة من المستقيمين ، ذوي القلوب المتوقدة من شعاع (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ )
ابن سينا في آخر عمره وبعد أن قضى حياته في الفلسفة المشائية، وولج كل الأبواب بحثاً عن ضائعه ، واصطدم رأسه بالصخور مرات عديدة... في آخر عمره فهم أن ضائعه لايوجد في تلك المداخل وإنما يوجد في القرآن ، فكتب كلمات يفهم منها ذلك ، وكان يقضي نهاره وليله في قراءة القرآن !
أما أنتم فيمكنكم أن تكونوا يقظين من أول أعماركم وتصلوا من الآن الى القرآن والحديث ، الى: ( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ! )
ابن سينا في آخر عمره ، وبسبب قصة لايتسع المجال لشرحها الآن، وصل ، لكن بعد فوات الأوان! لكنه قرر أن يغتنم ما بقي له من أيام، وأخذ في قراءة القرآن ومطالعته الى أن توفي !
أما النبي صلى الله عليه وآله فقال:(إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً . )..))