النهضة الحسينية دواء النفس وغذاء الروح
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن الإنسان مكون من جنبتين :
(الجنبة الأولى) الجنبة المادية ، فهي التي تسمى بالجسد ، وهو الجانب المادي عند الإنسان .
(الجنبة الثانية) الجنبة المعنوية ، وهي التي تسمى بالروح ، ولكل ٍ منهما غذاؤه الخاص والملائم لحقيقته ، وكلاهما يتعرضان للإصابة بالأمراض الخطيرة . فكما إن الجسد يحتاج إلى طعام وشراب كذلك الروح أيضا ً تحتاج إلى الطعام والغذاء الملائم لها.
فكما إن الجسد يمرض ويتعرض لبعض الحوادث فإن الروح تتعرض إلى صدمات وحوادث.
إذن كلاهما يحتاجان إلى علاج ٍ في حال الإصابة بالأمراض ، وغذاء ٍ في حال الجوع والعطش ، فمن تلك الأغذية المعنوية للروح والدواء للنفس هو الذكر وطرد الغفلة وكثرة العبادة والإلحاح بالتضرع والخشوع فيها ، فمن خلالها يتطهر ويتهذب باطن الإنسان .
يقول السيد الخميني طاب ثراه :((إن تهذيب الباطن يزيد قوة التعبد)) (1).
يعتبر القيام بعملية تهذيب الأخلاق وتطهيرها ومعالجة الأمراض المعنوية وقلع مادة الفساد ، هي مقدمة لإنارة القلب بعد أن كان ظلمانيا ً ، وتصلح تلك الأخلاق بعد أن كانت فاسدة وسقيمة.
والى هذه الحقيقة يشير السيد الشهيد عبد الحسين دستغيب طاب ثراه بشكل واضح وصريح: : ( إن جميع الأمراض القلبية والمعنوية ليست أمرا ً تكوينيا ً ، أي أن الإنسان لم يخلق قاسي القلب وفاسد الأخلاق بل هو أمر كسبي أي يُبتلى به الإنسان من جرَّاء أقواله وأفعاله القبيحة)(2).
إن الذي يصاب بمرض في جسده نجده مسرعا ً إلى الحكيم المتفحص من أجل العلاج ، ويطلب الشفاء السريع ، لكن عندما يصاب بمرض معنوي أخلاقي تجده متغافلا ً متناسيا ً.
ومن هنا تأتي مهمة أهل البيت (عليهم الاف التحية والسلام) بالطبابة والمعالجة لمثل تلك الأمراض التي تهدد الإنسان بالخسران ودخول النار أعاذنا الله وإياكم منها.
إن العمل الرئيسي الذي كان يقوم به الأنبياء والأوصياء عبر التاريخ ، هو الطبابة ووصف الدواء المفيد النافع للمجتمع ، وإن هذه الطبابة ليست فقط تصف الدواء للمجتمع المريض , بل كانت تتحرك في أعماق الإنسانية ، وتغرس العلاج في نفوسهم .
ولهذا ان الاطباء الروحانيين لابد ان يكون كلامهم بمقام العلاج والدواء الحقيقي للنفوس والقلوب السقيمة,لا الوصفة والتجارب واكتشاف العلاج .
وهذا مااشار اليه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بشكل واضح في وصف رسول الله) صلى الله عليه واله)حيث قال : ((طبيب دوار بطبه قد أحكم مراهمه وأحمى مواسمه ، يضع ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب ٍ عمي ٍّ وآذان ٍ صم ٍّ وألسنة ٍّ بُكم . متتبع بدوائه مواضع الغفلة ، ومواطن الحيرة)) (3).
يقول السيد الخميني طاب ثراه : ( فليكن معلوما ً أنه لا بد َّ لأي إنسان أن يكون هو معالج قلبه وطبيب روحه (فإن المربية لن تكون أرحم من الأم) ولا يترك أيام الفرصة والمهلة والتوسعة تفوت منه فيستيقظ من الغفلة في وقت الاضطرار والضنك حيث لا ينفعه دواء)) (4).
عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام) حقا ً طبيب للنفوس وغذاء للروح حيث إنها أعطت الخطوط العريضة في رسم المناهج الإصلاحية في عملية مواجهة الانحراف ، وإزالة النجاسة المعنوية التي وضعتها السلطة الأموية في النفس البشرية ومن ثمة القيام بالعملية التطهيرية للقلب وإزالة الرين الذي طبع عليه من جرَّاء الانصياع الكامل وراء الشهوات المحرمة وانعدام الروح التي شربت من ماء الغفلة ، والغارقة في الطبيعة العمياء.
إن الذي يتفرغ لمعالجة نفسه ويقوم بعملية تهذيب وتصفية الأخلاق الفاسدة هو بذاته خروج عن طاعة الحكومة والسلطة الإبليسية التي تريد السيطرة على سلوك الفرد وخنق صوت الحق في أعماق الإنسان.
المصادر :
1-جنود العقل والجهل.
2-القلب السليم ص30.
3- نهج البلاغة الخطبة 108.
4- جنود العقل والجهل.