صفحة الكاتب : ماء السماء الكندي

براعة الحـِكمْ والموازين عند الامام الحسين (ع)
ماء السماء الكندي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تترسخ في ذهن الفرد اندفاعات زاهية وهذه الاندفاعات ناتجة عن بناء مستقبل غير ملموس لكن قيد الانشاء ، بديهي ان يبحث الفرد في داخله عن مخرج سميّ يرتقي به نحو الافضل وهذا التفكير المستمر هو افرازات لما يمر به يوميا والبحث عن التغيير ما هو الا فطرة قد فطرها الله جل ثنائه في ابن ادم لان التغيير في النفس هو تغيير في سجية المجتمع لذا يتحتم عليه ان يتأقلم مع الجمع الذي يحتل اوساط هذه الرقعة او تلك.
ان الحقب المنصرمة قد اضفت رونقاً على خارطة التغيير الاجتماعي وهي انحدار ملموس من دهر اللغة الصورية الى لغة الحواسيب ، هذا الانتقال التدريجي هو خلاصة الروح المندثرة تحت الاحكام التعسفية والتقاليد المُلزمة وما ان تتحرر الشخصية من الضغوط النفسية والجسدية المتمثلة بالاوامر المقتضية حتى تتفتح كالزهرة تبث عطرها حتى يشمل ازقة محيطها .
كان الحسين ابن علي ابن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين خلاصة الجهد الجهيد لحبيب الله محمد (صل الله عليه واله وسلم) في اتمام الرسالة الكبرى التي جاء بها والتي تتركز على توحيد المجتمع ليعم الامن والسلام والرحمة ، وكذلك كان الحسين (ع) خلاصة الجهاد والقوة المفرطة التي ورثها من علي ابن ابي طالب (عليه السلام) ، القوة والحث والتوجيه والتنوير خصال نابعة من وحي الله الذي نطق عن لسان الحبيب المصطفى (ص) ومن باب مدينة علم رسول الله علي ابن ابي طالب (ع)، كان الحسين (ع) يدعُ الناس الى احياء الرحمة فيما بينهم وزرع الاخلاق لتنعم الشعوب بنظام سويّ يعمل على الاحترام والمؤاخاة .
تختلف الازمان في تركيبتها اداريا واجتماعيا لكن الهدف واحد وهو السلطة والنفوذ والاستعمار والتحكم في مصائر الشعوب المنتشرة في اصقاع الارض ، في حكومة الحسين (ع) اختلفت الادارة بصورة كاملة فلم يتربع (عليه السلام) على عرش مزخرف بالياقوت والزمرد ولم يكتسِ الحرير الناعم ولم يسعى لملء الكروش من ذويه بل كان المثل الاعلى للفقراء فكان ردائه سمل وطعامه قطعة خبز وعرشه محراب الصلاة ، كان ( عليه السلام ) النافذة المطلة الى جنان الخلد ، وكان يرنو الى السماء بعين ترقرق ترجيا وتوسلا بمن خلق الارض والسماء من ان يرحم امة رسول الله وان ينير بصيرتهم لتمييز الحق من الباطل لكن النفس الامارة بالسوء اسمى واجل من ان تهدى الا ماشاء الله ان يهدي، جملة الحسين (ع) حين اطلقها ( الا من ناصر ينصرنا ) هي رسالة مفصوحة المعنى ومستباحة المغزى فقد كان بامكانه (ع) ان يرفع يديه الى خالقه المتعال وان يلعن القوم ليسيخ بهم الارض ، لكن الحسين (ع) قد جعله الله رحمة وطريق الهداية فقد جاهد لسانا في البدء في طرح الايات وحل المعضلات والمشكلات الا ان مرض السلطة والقمع الذي تأبد في نفس الخصوم حال دون ان يهديهم وممن اختلجهم الشك في مناصرة الحسين (ع) او الانقلاب على اعقابهم .
امتازت حكومة الحسين (ع) بمؤازرة المهمشين من الفقراء والمنكوبين وعمل (ع) على تصحيح المسارات التي انحرف عنها البعض حين قال : (ماخرجت اشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا  وأنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله) ، وللتبحر بكلمة ( الاصلاح) لوجدنا ان الامة قد اختلفت بعد ان رحل الخاتم التقي والرسول النقي محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) وقد اكد (ص) بالتمسك بكتاب الله وعترة اهل بيته كي لا تضل الامة من بعده ، لكن الحال تغير لان الاحزاب انقسمت واختلفت فيما بينها ، ولهذا السبب قد اشار (ع) في كلمة الاصلاح ليصحح الخلاف العميق الذي انتاب الامة .
لم يأتي الحسين (ع) برسالة سماوية جديدة بل جاء بدروس وعبر واحكام لترويض المجمتع واعادة هيكلته ليتراصف في طابور الفلاح ، وحين رفض الحشد المتراكم في الجهة الاخرى من صحراء كربلاء قدم الحسين (ع) طفله الرضيع ( عبد الله عليه السلام ) وكانت غايته ان يحرك القلوب الحجرية التي طلاها الحقد والكره والعداء لأهل البيت عليهم السلام حتى جاءت النتيجة بسهم مسموم قد اخترق نحره الشريف وارداه شهيداً ، كما وان خلاصة اصحاب الامام (ع) قد استشهدوا امام ناظريه وهو يعلم واقعتهم ومسيرتهم وقد غادر البعض جيش الحسين (ع) خوفا من القتل واعلان الخيانة الكبرى التي خسروا بسببها الدنيا والاخرة .
قدم الحسين ابن علي ابن ابي طالب (صلوات الله وسلامه عليهم ) اولاده ورجاله ولا سيما الامام ابي الفضل العباس بطل الملحمة الكربلائية والقائد الضرغام الذي طعن الفرات بكفه واعتصره حزنا دون ان تدني نفسه المباركة الشريفة على احتساء رشفة واحدة دون الحسين وعياله فقد كان قمر بني هاشم المثل الاعلى لمعنى الاخوة والجهاد والنضال والتضحية من اجل بث رسالة حقة تتسم بصفات التضحية من اجل المجتمع عامة .
ان الحسين (ع) هو نبراس الهداية الظاهر وصراط الحق فهو خلاصة علم جده وابيه وكان (ع) الطريق المختصر لانعاش المجتمع والتقرب الى الواحد الاحد، الا ان النفس المشوبة بالرغبات والطمع الشنيع حالت بين اتمام رسالته السميــّــة وبين افراغ عقول الخصوم من شحنات حب الدنيا.
اتعض الكثير من الحكام في العصور المتواترة من واقعة الحسين (ع) وقد كتب الروائيين والكتاب الكثير من المقولات حول شخص الحسين (ع) وقد استنار العالم على الصعيدين العربي والاجنبي برسالته (ع) وقد افلحت الشعوب حين وضعت قدمها على صراط الحسين المنير ومثالا على انتعاش الشعوب ناخذ الشخصية الهندية ( مهاتما غاندي ) الذي كافح الظلم وجاهد القوى العظيمة في سبيل خلاص شعبه من سياط الحكام وقد اطلق مقولته الشهيرة ( تعلمت من الحسين ان اكون مظلوما لانتصر ) وقد انتصر غاندي حين ابد الروح الجهادية في نفسه ونفوس شعبه .
الحسين (ع) هو القائد الحي وصاحب الرسالة التي لم ولن تغمرها اتربة الحاقدين والطاعنين بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلام ، وليتعض حكام هذا العصر في العالم اجمع وان يدرسوا قضية الحسين (ع) ليفلحوا وينعشوا شعوبهم وان يثبتوا اوتدة الرأفة ليعم الامن والسلام والرفاهية جميع اصقاع الارض.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ماء السماء الكندي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/11/09



كتابة تعليق لموضوع : براعة الحـِكمْ والموازين عند الامام الحسين (ع)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net