لا يختلف الحديث عن الامام محمد الجواد عن الحديث عن اي امام من ائمة اهل البيت (ع) كونهم حلقات يتبع بعضها بعضا في سلسلة ذهبية واحدة , فالائمة (ع) تنوعت ادوارهم لكنهم جميعا عملوا باتجاه هدف واحد هو اقامة الدين خالصا لله سبحانه وانقاذ الامة من سطوة الطغيان والانحراف .
نهض الجواد (ع) بالامامة العظمى اثر استشهاد ابيه الرضا سنة (203 هـ ) وكان له من العمر تسع سنوات وقيل سبع , ونص الامام الرضا على امامة ولده ابي جعفر الثاني وتعدد رواة النص عليه بالامامة من ابيه , فنقل ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة في معرفة الائمة ان صفوان بن يحيى قال للرضا (ع) : قد كنا نسألك قبل ان يهب لك الله لك ابا جعفر , من القائم بعدك فتقول يهب الله لي غلاما , وقد وهبك الله واقر عيوننا به , فان كان كون , ولا ارانا الله لك يوما فالى من ؟ , فاشار الامام بيده الى ابي جعفر وعمره اذ ذاك ثلاث سنين , فقلت : وهو ابن ثلاث ؟ قال وما يضر من ذلك فقد قام عيسى بالحجة وهو ابن اقل من ثلاث سنين .
وهنك منقولات اخرى عن الرضا نقلها معمر بن خلاد , والجبراني عن ابيه عن الرضا (ع) , وعلي بن جعفر عن الرضا (ع) عن الكاظم (ع) قال , قال رسول الله : بابي ابن خيرة الاماء النوبية الطيبة يكون من ولده الطريد الشريد الموتور بابيه وجده صاحب الغيبة . وكانت ام الجواد (ع) نوبية تدعى سبيكه .
لقي الامام الجواد في عصره الذي توزع على شطر من خلافة المامون وشطر من خلافة المعتصم عنتا ومحاولات محمومة للتضييق عليه لمنعه من اداء دوره , فبعد وفاة الامام الرضا (ع) استدعاه المامون الى بغداد سنة ( 204 هـ ) وعرض عليه الزواج من ابنته ام الفضل بالرغم من معارضة كبار البيت العباسي , وكانت المحاولة من المامون جاءت لدفع تهمة اغتيال الرضا عن نفسه اذ يظهر قربه من البيت العلوي , ومن الطريف ان المحاولة المامونية هذه كانت مناسبة لان يظهر الجواد (ع) شيئا مما افاض الله عليه من علم , اذا احتج العباسيون على المامون بصغر سنه وتواضع علمه حتما بهذه السن , حتى قال قائلهم اتزوج ابنتك من غلام لم يفقه الفرائض من السنن , فعقد المامون مجلسا كبيرا دعا اليه الفقهاء والقضاة والمتكلمين ليناظروا ابا جعفر (ع) وكان المتصدي للمناظرة قاضي القضاء يحيى بن اكثم فطرح القاضي ما عنده فتصدى الامام للجواب بتفريعات اشتهرت في كتب المؤرخين , وباء الجميع بالفشل والاندحار بين يدي الامام وانتهى الامر بعقد زواج الامام من ابنة المامون وبصداق الزهراء (ع) .
انصرف الامام (ع) في تلك الفترة الى تعليم شيعته والحفاظ عليهم من زوابع الفتن والشبهات فبث الوكلاء , واقام حلقات الدرس فروى عنه عشرات الرواة الثقات , وصدرت عنه عشرات الاحاديث والروايات في مختلف العلوم من تفسير وكلام وفقه واخلاق , طفحت بها كتب الحديث , كما كان موقفه من الحركات الثورية كموقف ابائه لم يتدى لقيادتها بصورة مباشرة لكنه لم يعارضها اذا ما كانت خالصة في سبيل الله وتهدف الى تنبيه الامة الى طغيان الحكام وانحرافهم , وفي هذا المجال كان يوصي من يتولى منصبا من شيعته للحكومة العباسية بان يحسن الى جمهور الشيعة ويكون سببا في رفع معاناتهم , فكتب الى احد الشيعة ممن تولى مسؤولية حكومية : مالك من عملك الا ما احسنت فيه الى اخوانك , واعلم بان الله عز وجل سائلك عن مثاقيل الذر والخردل .
وكان مما قاله : العامل بالظلم والمعين عليه والراضي به شركاء , يوم العدل على الظالم اشد من يوم الجور على المظلوم .
وبمقامه العلمي وامامته العظمى وبنشاطه المتواصل ثقل الامام (ع) على السلطة فاستدعاه المعتصم العباسي الى بغداد , وكان هو وجعفر بن المامون ومن معهما من العباسيين يحيكون مؤامرة التخلص من الامام فاتصلوا بزوجته ام الفضل التي كانت منحرفة عنه (ع) بحسب رواية السيد المرتضى التي نقلها صاحب اعيان الشيعة ( الحسني , سيرة الائمة الاثني عشر , ج2 ) فتم للحاكم العباسي ما اراد فدست له زوجته السم في العنب فكانت شهادته في ذي القعدة سنة (220 هـ ) حسب الشيخ المفيد , وله رواية اخرى بان وفاته سنة (225 هـ) , ولم يدرجه الاصفهاني في كتابه مقاتل الطالبيين ضمن من تابعهم من المقتولين بالسيف او السم من الطالبيين .
وبشهادته (ع) رحل امامنا الجواد مظلوما وهو في ريعان شبابه اذ كان له من العمر (25) سنة لكنه ظل نورا مستداما في الدنيا والاخرة وبابا للنجاة فصدق قول الشاعر :
انا عائذ بك في القيامة لائذ الفي لديك من النجاة طريقا
لا يسبقني في شفاعتكم غدا احد فلست بحبكم مسبوقا
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat