صفحة الكاتب : مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)

اضاءات عاشورية (8)
مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الثوران التفاعلي في الشعائر الحسينية

1- إن من خصائص الشعيرة الحسينية التي اشير اليها في الروايات هو التفاعل الساخن مع المعاني السامية للدين والمبادئ للقيم .
ولا ينسجم مع هوية الشعيرة البرود والجمود العاطفي فانه مباين مع باب الشعائر الحسينية .
وهذه الخصيصة للشعيرة الحسينية هي التي تجعلها فائقة ومتميزة عن بقية الشعائر الدينية .
حيث ان التفاعل الروحي والعاطفي مع القيم المثلى التي يلمسها المشاهد بقلبه لاحداث الطف وكربلا – تجعله ينصهر وينشد مع تلك القيم بعمق وانجذاب قوي للغاية .
ومن ثم التعثر و التلكؤ في حماسية الشعيرة الحسينية والاشتعال اللاهب فيها يفقدها حقيقتها وهويتها .

2- حيث إن هناك في الانسان قوى مختلفة وطبايع متنوعة كل قوة وطبيعة تشد وتجذب الانسان الى جانبها .
وعلى الانسان ان يكون متوازنا متوسطا كي لا ينزلق مع احدى القوى النفسانية فيه .
وهذا التوسط والتعادل والتوازن ليس بمعنى التساوي في الانفعال و التأثر بتلك القوى بل الاهم هو اعمال تلك القوى والتأثر بفاعليتها وانفعالها في المواطن المناسبة لحكمة اقامتها .
ويشير القرآن الى تلك التجاذبات في الانسان بقوله تعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون .
اي ان في الانسان مايجذبه الى نعومة العيش ورغادة المعيشة ويكرهه وينفره من المجازفة والمخاطرة بالنفس .ولكن ليس الكراهة الغريزية والمحبة الجبلية بالضرورة صائبة وسديدة ولا مدركة للخير الواقعي ولا متجنبة عن الشر الحقيقي .
فالتنفر والانجذاب الجبليان في الانفس ليسا مقياسين لما هو حسن ومستحسن ولا لما هو قبيح ومستقبح
بل الهداية الوحيانية للادراك العقلي هي الرشد والرشاد .

3- إن من الخصائص الاخرى للشعيرة الحسينية هي كسر حاجز الخوف والجبن والزج في مغامرة الفداء والتضحية .
ففي زيارة الحسين ع ورد الحث اﻷكيد عليها في مواطن الخوف على النفس بل في كتاب كامل الزيارات وكتب الحديث المعتمدة ورد دفع وزج الصادق ع لعدة عديدة من خيرة فقهاء تلاميذه للقيام بالزيارة في ظروف مخاطرة بالنفس
وكذلك ما قام به بقية الائمة ع مع اصحابهم .

وهذه الروايات الصحيحة الاسانيد والمعتبرة وغيرها المعاضدة بل السيرة منهم ع القائمة على ذلك وهي سيرة اتباعهم في كل القرون والازمان – يبين خصيصة مهمة في الشعيرة الحسينية تختلف عن بقية الشعائر الدينية .
فالحج الواجب لحجة الاسلام وشعيرته يسقط مع الخوف على النفس في الطريق بل مع الخوف على المال فضلا عن العرض .
بينما شعيرة زيارة الحسين ع يؤكد عليها مع اجواء الخوف والرعب من الظالمين بل يشتد ندبها ويتضاعف ثوابها اضعافا .
وهذا يؤسس قاعدة وضابطة في الشعيرة الحسينية استلهما المتشرعة ارتكازيا وفطريا ان تلك الشعيرة قائمة على التدريب على المجازفة والمخاطرة في طريق الحق لاجل الاستعداد للتضحية والتهيؤ على الدوام للفداء ساعة الصفر بحسب الوظيفة الشرعية .

فلاينسجم مع هوية الشعيرة الحسينية النعومة الوردية ولا الرغد المخملي .
بل طبيعة الشعيرة الحسينية الوهج الملتهب والحماس المشتعل والثوران المجازف لانماء الجرأة والاستعداد للخوض في غمرات خطوب الفداء والتضحية .

4- وإن من خصائص الشعيرة الحسينية ايضا الجانب التعبوي والتعبأة والإعداد والاستعداد والتهيأ والشحذ والحشد واﻹندفاع والجيشان والتجييش نحو سوح وساحات الفداء والتضحية بالنفس والعرض فضلا عن المال ورغيد العيش ونعومة التجمل .فلاينسجم مع هوية الشعيرة الاستكانة والاستسلام والتماوت والبرود والتباطئ والإخلاد الى الزينة والتجمل ولا الإقبال على الرونق والتزويق بل طابع المكافحة والإيثار والمجاهدة والاستبسال والمقارعة والصمود .
5- و إن من خصائص هوية الشعيرة الحسينية في الادلة الواردة انها رغم كون هدفها الاعداد على التضحية والفداء والاستقامة على الدين في الشدائد وهي امور في غاية الصعوبة وترويض البشر عليها في نهاية التعقيد ،
إﻻ ان تطويع الشعيرة البشر على ذلك في منتهى النجاح والتفوق و سر ذلك يكمن في نور جمال الحسين ع الجاذب فإن نوره ونهجه رغم كونه بطابع سلمي لكنه ليس استسلاميا ورغم كونه انساني الا انه ليس انهزاميا ورغم كونه تواددي وتآلفي الا انه ليس انفعاليا يتأثر بانحراف وانزلاق اﻵخر .
ورغم أمنه وأمانه للمسالمين الا انه استعدادي واعدادي للمنازلة والصمود امام المعتدين والعاتين .
فلا تنسجم الشعيرة إﻻ بهذا التركيب الثنائي ولا يقوم عمودها الا بهما وتخلف احدهما عن الآخر يفقدها هويتها بحسب الادلة الواردة والبراهين الساطعة .

6- وإن حكمة وحكم الشعيرة الحسينية انها تربي وتهدي البشرية الى ضرورة التناسب بين حجم القبيح وقباحته ودرجة الفساد وشرورته وبين حجم اﻹنكار له ودرجة التصدي له .
فالتوازن والتناسب بينهما لابد منه وإﻻ لم يكن اﻹنكار جديا حقيقيا جدوائيا وعلى ضوء ذلك فبحجم المأساة يجب ان يكون حجم التأثر وبحجم الظلم يجب ان يكون حجم ودرجة الادانة والتبري والا لم يكن علاجا ولا ازالة له بل تكريسا للفساد وتجذيرا للظلم وتأصيلا للانحراف
ومن ثم يتضح احد وجوه حكمة الثوران والتجييش والجيشان في الشعيرة الحسينية .
فبحجم قبح القبيح يلزم عقلا وشرعا وفطرة تقبيحه وبحجم ودرجة الحسن والمحاسن يجب ان يكون التحسين والإنجذاب له
فلا ينسجم البرود والتخفيف والنعومة في هوية الشعيرة ،كيف وقد اسست شرعا لانكار المنكر بحجمه ولاقامة المعروف بدرجة اهميته .
فالتنفر من الظلم لابد ان يكون بحجمه والا كان تمايلا للباطل
والانجذاب للنور والمعروف لابد ان يكون بحجمه واهميته والا لكان تخاذلا عن الحق وتباعدا عن الكمال .
فلايتعجب من شدة واشتداد البكاء والجزع وغيرها من آليات الشعائر الحسينية فانها مؤسسة بما يتناسب مع الولاء و ما يتناسب مع الادانة و البراءة من الظلم والانحراف.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/03



كتابة تعليق لموضوع : اضاءات عاشورية (8)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net