صفحة الكاتب : علي بدوان

اللاجئون الفلسطينيون وموقعة مجدل شمس
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

شكّلت فعاليات إحياء ذكرى النكبة لهذا العام خطوة نوعية جديدة داخل فلسطين وفي بلدان الطوق العربية التي تضم فوق أراضيها تجمعات اللاجئين الفلسطينيين. إذ انتقلت تلك الفعاليات من ميدان الخطابة والبيانات الاستذكارية إلى ميدان الفعل المباشر على الأرض، بعد أن استلهم الشعب الفلسطيني وأجياله الشابة الجديدة روح التحولات الهائلة التي باتت الآن سمة مميزة للحال العربية من أقصاها إلى أقصاها، فأنطلقت فعاليات إحياء النكبة بصورة مغايرة لما تم الاعتياد عليه من قبل، انطلاقاً من وسط مدينة يافا حيث رفع الشبان الفلسطينيون أعلام فلسطين وراياتها صباح يوم النكبة، وصولاً إلى بيت حانون وقلنديا والى مجدل شمس ومارون الراس.
 الجيش الالكتروني الفلسطيني 
ففي سورية، كان فلسطينيو سورية على موعد مع دعوات الشباب الفلسطيني من كل مكان عبر الفايسبوك والبريد الالكتروني التي انطلقت قبل شهرين تقريباً من حلول ذكرى النكبة، في سياق التحضيرات التي جرت من أجل إعادة إحياء قضية حق العودة وإعطاء المناسبة حقها عبر إحداث نقلة نوعية على طريقة إحياءها، وتفعيل مشاركة الشتات الفلسطيني بأوسع إطاراته الممكنة.
فقد تصدر شباب فلسطين الذين تفتحت عيونهم على الحياة في مخيمات وتجمعات اللجوء والمنافي بعد أربع عقود من نكبة فلسطين ومعهم شبان الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 وفي مناطق الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، ومعهم قطاعات واسعة من أبناء فلسطين بمن فيهم من الأجيال الطاعنة في السن من الذين ولدوا على أرض فلسطين، صدارة الحدث على جبهة الجولان في مجدل شمس وعلى جبهة جنوب لبنان في مارون الراس، في إحياء خالد ومجيد لذكرى النكبة غابت عنه دموع البكاء والحسرة واللوعة، لتحل مكانها دموع الفرحة والاعتزاز الوطني، وحنيناً  لوطن أسمه فلسطين، ارتسم في ذاكرة هؤلاء الشبان.
حقاً، لقد تمت خطوة اختراق الحدود من دول الطوق باتجاه فلسطين، بدعوة من أجيال الشباب الفلسطيني الصاعدة، دعوة استلهمت التحولات الجارية في العالم العربي، وتسارع ترديد تلك الدعوة وتوزيعها  خلال الشهرين الماضيين، وكان فيها شبان (الجيش الالكتروني الفلسطيني) وعبر الاستثمار الفعال لتقنية (الفيسبوك) ووسائل التواصل المعاصرة وفي كل بقعة يتواجدون فيها على أرض العالم، قلباً واحداً، عملوا من أجل تحقيق خطوة نوعية على صعيد إحياء ذكرى النكبة، وإعادة الاعتبار لحق العودة بعد أن ضاع في دهاليز مفاوضات عبثية ومسدودة الأفق.
موقعة مجدل شمس
كان اللاجئون الفلسطينيون في سورية على موعد هناك صباح الأحد الخامس عشر من أيار بأعداد قاربت الخمسين ألفاً ومعهم بضع آلاف من شبان سورية، مصممين على اختراق حقول الألغام المزروعة مهما كلف الثمن، فاقتحموا الموت ودخلوا فلسطين عبر مجدل شمس التي استطاعوا تحريرها لمدة أربع ساعات متواصلة، رافعين العلمين السوري والفلسطيني فوق أبنيتها الرئيسية وفوق نصب المجاهد السوري سلطان باشا الأطرش المقام وسط البلدة.
وبتحريرهم لمجدل شمس، ولو لساعات فقط، أعاد فلسطينيو سورية كتابة سفر التاريخ الكفاحي للشعب الفلسطيني على أرض الجولان، وخضبوا تربته الطاهرة بدمائهم الزكية، وقد سبق لهم وأن قدموا بسخاء دمائهم على أرض الجولان طوال سنوات الصراع مع العدو "الاسرائيلي" خصوصاً في حربي العام 1967، وحرب العام 1973، وحرب الاستنزاف على جبهة الجولان طوال العام 1974. فقد كانت قوات حطين ومعها قوات القادسية التابعة لجيش التحرير الفلسطيني من التشكيلات القتالية العربية التي قامت بعمليات انزال (ابرار جوي) في حرب تشرين بواسطة حوامات تابعة للجيش العربي السوري على المواقع والتلال فوق الهضبة وتحريرها من جيش الاحتلال خلال الضربة التالية التي تمت صباح حرب تشرين بعد موجات القصف الجوي الأولى التي قامت بها القوات الجوية السورية، في تل الفرس حيث قاد الإنزال الشهيد العقيد مصطفى أبو دبوسة من مدينة يافا، وعلى جبل الشيخ بقيادة الشهيد الرائد صالح الشهابي من بلدة لوبية قضاء طبرية، وعلى تل الشحم بقيادة الشهيد الرائد محمد فايز حلاوة من سهل الحولة, إضافة للإنزال على تلال شعاف السنديان وسط الجولان من قبل مجموعات وسرايا قوات القادسية، وإنزال كتيبة خالد بن الوليد التابعة لقوات الصاعقة بقيادة الشهيد النقيب حسن طراف على مقر العمليات المركزية لجيش الاحتلال في منطقة كفر نفاخ  وسط هضبة الجولان وقد استشهد منها (39) مقاتلاً، ودمرت مروحيتين سوريتين.
إن تحرير مجدل شمس لبضع ساعات، واختراق الحدود، وان كان عملاً رمزياً، إلا أنه عملاً شجاعاً يحمل في طياته المعاني الكثيرة، التي تؤسس لبداية جديدة في مقارعة الاحتلال، تتجاوز الأساليب السابقة، وتضفي على صراعنا مع الاحتلال نفساً جديداً عبر إشراك الجميع من الفلسطينيين بالداخل والشتات، بكل عمل ممكن ومنتج لقضيتهم الوطنية.
وفي هذا السياق، أود أن افضح أكذوبة طالما رددها البعض في وسائل الإعلام العربية، واستند إليها بعض المحللين السياسيين، حين اعتبروا بأن اختراق خط وقف إطلاق النار من قبل مئات الشبان الفلسطينيين تم بإيعاز سوري للتغطية على الحدث السوري الداخلي. فالحقيقة التي عايشتها من موقعي المتابع إلى جانب القيادات الفلسطينية من كافة فصائل العمل الوطني من حركة فتح إلى حركة حماس وما بينهما في الساحة السورية، أؤكد بأن عملية اختراق خط وقف إطلاق النار كانت عملاً فلسطينياً محضاً قام به الشبان الفلسطينيون ونواتهم في مخيمات سورية والتي تراسلت مع الجميع عبر الفايسبوك مصمم على اختراق الحدود، ولم يكن أحداً من القيادات الفلسطينية من أي فصيل كان من المشاركين في الحشود الجماهيرية في الموقع المقابل لمجدل شمس يتوقع أن يقوم الشبان بتنفيذ ماسعوا وخططوا له، حيث فوجئوا بما وقع ولم يستطع أي منهم أن يسيطر على مسار الحدث على الأرض، أو أن يمنع أحد من الاندفاع نحو مجدل شمس، حتى من أعضاء وكوادر تلك الفصائل الذين تركوا قياداتهم واندفعوا وراء الشبان الذين اقتحموا حقول الألغام.
وأكثر من ذلك، أريد توفير المزيد من الإيضاح والقول بأن القيادات المعنية في سورية على المستوى الأمني والسياسي كانت مترددة حتى اللحظات الأخيرة، وعلى وشك عدم الموافقة على إقامة تلك الفعالية وبحشود ضخمة على خط الجبهة، لولا إلحاح الشبان الفلسطينيين وتعهد القيادات الفلسطينية في سورية للقيادات الأمنية والسياسية السورية على ضمان تجنب وقوع أي تفلت امني يسيء لسورية على ضوء أحداثها الداخلية.
وعليه، فقد أظهر الشبان الفلسطينيون حكمة واقتدار من خلال اقتحام حقول الألغام والوصول إلى مجدل شمس واحتلالها، ومن خلال منع أي استغلال أو اختراق أمني يسيء لسورية وأوضاعها الداخلية. 
وقائع من مسرح الحدث
إن المشهد الذي ارتسم على أرض مجدل شمس والمعركة المباشرة التي خاضها الشبان الفلسطينيون وبقرار منهم وحدهم ودون تدخل أي جهة كانت، واقتحامهم لخط وقف إطلاق النار، وتحريرهم لبلدة مجدل شمس لعدة ساعات ورفع العلام الفلسطينية والسورية فوق مبانيها، بل والاشتباك مع جيش الاحتلال بالحجارة والأيدي، إن هذا المشهد من الصعب كتابة لحظاته الحية ونقلها كما جرت بلحظاتها الحاسمة، فقد كان تدفق مئات الشبان ومعهم البعض ممن تجاوز عمر الستين والسبعين أشبه بعملية إغارة أو إنزال جوي باغت جيش الاحتلال، وأدهش المحتشدين على الجانب السوري، كما فاجأ أهالي بلدة مجدل شمس الذين ذهلوا من إقدام الشبان واقتحامهم لخط وقف إطلاق النار غير عابئين بحقول الألغام ولا بالسياج الشائكة التي جرى تحطيمها وتدميرها بأيدي هؤلاء الشباب، حيث ظهرت شجاعة المتظاهرين المهاجمين في التحدي والتصدي للرصاص، وهذه شجاعة تعبر عن نفسها أضعافا لو تمكن هذا الفلسطيني من حمل السلاح.
لقد أعاد هؤلاء الشبان الشجعان من أبناء اللاجئين الفلسطينيين في سورية وغالبيتهم ممن رأت عيناه نور الحياة بعد أربعة عقود من النكبة، إلى أهالي مجدل شمس روح الانتعاش والعزة والكبرياء، فتدافعوا لتقبيل الشبان وأجسادهم، ولخدمتهم وهم الذين حرروا بلدة مجدل شمس، فقدموا لهم الماء والشراب والغذاء، ورموا إليهم بـ (البصل) حتى يساعدهم من خلال استنشاق جوفه على تخميد مفعول القنابل الغازية التي كانت تطلقها مروحيتين من مروحيات جيش الاحتلال.
كان الحاج أحمد أنيس بدوان (50 عاماً) من مدينة حيفا، ومعه أولاده الثلاثة أول الذين فتحوا الطريق أمام عبور حقول الألغام واختراق خط وقف أطلاق النار.
 وصل العابرون إلى ساحة سلطان باشا الأطرش في ساعات الظهيرة، فطلب الشاب الفلسطيني حسن حجازي من أهالي مجدل شمس إيصاله إلى مدينة يافا ليبحث عن بيت عائلته، وهو سماكان له، ليظهر بعد ساعات في جميع وسائل الإعلام بصفته (العائد إلى يافا).
بعض الشبان حملوا معهم (كواشين) أراضيهم في فلسطين، وحمل آخرون مفاتيح بيوتهم الأصلية، في صفد، طبرية، عكا، حيفا، يافا، الناصرة، بيسان ... والكثير الكثير من أسماء القرى والمدن الفلسطينية.
كان خالد شاهين (أبو مجاهد) من مدينة طبرية، ورغم كبر سنه، والذي سبق وأن بقي في سجون الاحتلال إحدى عشر عاماً بعد تنفيذه عملية إنزال على شاطئ الزيب قرب عكا عام 1979، من أوائل الرجال الذين شاركوا الشبان في الوصول إلى مجدل شمس ورفع الأعلام فوق أبنيتها.
كان الأشقاء، خليل ووسيم ونصر الله (البالغ من العمر عشر سنوات فقط) أبناء المناضل الفلسطيني سعيد نصر من بلدة الكابري قضاء عكا، في مقدمة من دخل مجدل شمس.
كان أبو جبر منصور من مدينة صفد، وعضو جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، من الذين تجاوزا عقبة العمر الزمني، فأستعاد شبابه في العمل الفدائي الفلسطيني مع مشاركته الأجيال الشابة في اقتحام حقول الألغام.
كما كان الشيخ الطاعن خميس جرادات (ثمانون عاماً) من بلدة طوبا الزنغرية قضاء صفد، يحاول الوصول إلى مجدل شمس وفور وصل إليها بالفعل، بدأ بالصراخ فبلدته (طوبا الزنغرية) في فلسطين لاتبعد سوى عشرين كيلومتراً عن مجدل شمس.
صوّب جندي "إسرائيلي" سلاحه في وجه الشاب أحمد محمد ياسين من بلدة شفاعمرو ومقيم في مخيم اليرموك وممن عبروا خط وقف إطلاق النار، فواجهه بثقة وأشهر أصبعه في وجهه صارخاً : أنت جبان، جبان، جبان. نحن سنعود إلى قرانا ومدننا وبلداتنا إن رضيتم أم أبيتم...سنعود قريباً.
لقد دفع شبان فلسطين دمهم الغالي الطهور بسخاء على أرض الجولان ومارون الراس، سقط عدد من الشهداء، رووا بدمهم أرض الجولان من أجل فلسطين.. تأسيسا لجسر العودة، فاستشهد منهم في مجل شمس الشهداء : عبيدة محمد عوض زغموت من بلدة الصفصاف قضاء صفد، والشهيد بشار على الشهابي من بلدة لوبية قضاء طبرية، والشهيد قيس أبو الهيجاء من بلدة عين حوض قضاء حيفا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/05/25



كتابة تعليق لموضوع : اللاجئون الفلسطينيون وموقعة مجدل شمس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net