صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

موج البشر!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 نهر الحياة يدوم جاريا والموج فيه البشرُ , هكذا تراءت صورة الدنيا عندما هاتفني زميلي لينبأني بوفاة زميل في بلاد الإغتراب والذوبان في بودقة المجتمعات الأخرى.

زميل تقطعت به الأسباب , بعد أن ألقت به الصراعات السياسية في غياهب المهجر منذ أكثر من نصف قرن , وكان موسوعتنا التراثية عن بلاد الرافدين وخصوصا الموصل الحدباء , التي كان يحملها بقلبه وروحه ويتذكرها بالتفاصيل الدقيقة حتى لحظة مغادرتها , وكان ديوانا شعريا ناطقا , ومتحدثا بتراث العراق السياسي بلباقة وفطنة ومتعة.
غادر زميلنا أو شيخنا بصمت , وربما أصابه بمقتل ما جرى للموصل من ويلات , وهجمات على وجودها الحضاري بإسم الدين.
وقبل أيام نشر صديقي صورة على الفيس بوك , وظهر فيها أستاذنا الذي ذكر بأنه قد غادر الحياة , أستاذنا الرياضي الذي يتمتع بجسم مفتول العضلات وروح رياضية مرحة وثقافة إنسانية واسعة , ويختزن أرشيفا حيا لمدينتنا سامراء.
في طفولتي كنت أحسب أن أبي لن يموت , لما يتمتع به من قوة بدنية وصحة , وما وجدته يوما نائما , بل في يقطة ونشاط وتفاعل مع مفردات الحياة , وما حسبته سيمرض , لكنني فجأة وجدت الموت يتكلم على لسان قسماته وحركات يديه , وعندما سألته ما الأمر , حدثني عن الأجل المحتوم , وأن القوي لا يدوم , والبشر بالغياب محكوم!!
ونهر البقاء يجري بتوثب وتجدد , والبشر أمواج تعلو وتهبط وتغيب , أو تذوب في بدن الوجود الدوار , وتنهض الحياة بجوهر حقيقتها ومعانيها وما فيها من نزعات , لتعلن أن المخلوقات كالوميض , فكل موجود ومضة تبث محتواها وتنطفئ , وتأتي أخرى بعدها لتنير وتخبو , وبتجمع الومضات يتحقق ضوء الحياة الأكبر الذي لا نشعر بإنطفائه , لأنه في حالة توازن تفاعلي ما بين المتقد والمنطفئ , وهكذا نمضي ولا نستشعر دبيب الغياب , حتى ينطفئ وميضنا بغتة!!
تعجبت من البشر , والموت يحفه أينما حل أو رحل , وفي عالم اليوم , صار الموت قريبا جدا من جميع البشر , وتوفرت له الفرص والوسائل التي لم تكن معروفة في السابق , فالبشر قد إخترع آلة موته بقدرات فتاكة وسريعة , وما الأسلحة الأوتوماتيكية التي يمكنها أن تمحق المئات بلحظات , والتي يحملها البشر في جيبه أو حقيبته , إلا قضيته المروعة القادرة على محقه وإتلاف وجوده وحضارته المعاصرة.
الموت الذي أبدعنا أدواته , وتفاخرنا بقدراتنا على تحقيقه , فالإنتصار أصبح يعني إمتلاك مهارات إنجاز الموت!!
والدول بأسرها تخصص معظم ميزانياتها لصناعاته , ولا فرق ما بين دول متقدمة أو متأخرة , فالجميع ينتج ويستورد آلة الموت وعدته , فالأرض في صراعات موتية وتطلعات حربية لا تهدأ ما دام الموت هو السلطان.
فسلوك الموت هو الذي يتحكم بوعينا ومداركنا , ويرسم خرائط سلوكنا السياسي والإجتماعي والعسكري , والفكري والثقافي والمعتقدي.
الموت وكل منا فيه من سلوك الموت ما لا يمكن تصديقه وتصوره , فالبشر يسعى لحتفه بيقظته ونومه , والنهر يجري وكل مخلوق يترجم إرادة الومضة , ويمتطي ظهر الغياب!!
وتذكرت قول لبيد بن ربيعة العامري:
"ألا كلّ شيئ ما خلا الله باطل...وكلّ نعيم لامحالة زائل"
وقول كعب بن زهير:
"كلّ ابن أنثى وإن طالت سلامته...يوما على آلةٍ حدباء محمول"
وقول أبو العتاهية:
"لعمرك مالدنيا بدار بقاءِ...كفاكَ بدارِ الموت دارَ فناءِ"
والبشرية تمضي لحتفها ونهر الحياة يجري بأمواجه المتصاخبة؟!!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/13



كتابة تعليق لموضوع : موج البشر!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net