صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

الفراهيدي ولعبة الكلمات!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الخليل بن أحمد الفراهيدي عالم رياضيات قبل أن يُسخّر هذا العلم لقراءة الشعر العربي , وله باع طويل في وعيّ مفردات النغم وإيقاعاته , وبحسه الموسيقي ومنظاره الرياضي إخترع علم العروض الذي أحكم به ضوابط الشعر العربي , والتي مضت على سكته الأجيال حتى اليوم , وإن بُذِلت محاولات في العقود السبعة الماضية لزعزعة أركان عمارته الرياضية النغمية المتسامقة البنيان.

ومن المعروف أن الرياضيات لغة العلوم كافة , ولا يمكن لعلم أن يكون صاحب قدرة بقائية وتأثيرية ومادية إن لم يستند على الرياضيات , لأنها تضع له الضوابط والمعايير المتوافقة مع الحسابات الكونية المتحركة بمقدار دقيق وفق بوصلة حكيمة مُحكمة الإتجاهات.

وعندما تسعى أية قوة للضياع والغياب فأنها تنحى نحو التسيب والإنفلات , لأن في ذلك تتوفر طاقات الإتلاف الذاتي والموضوعي , وهذا القانون ينطبق على جميع الظواهر والسلوكيات , فلكي تقتل أية حالة حقق فيها سلوك الإنفلات , فأنها ستذوي وتموت.

ولهذا فأن أي موجود في الكون يكتسب صفة التواصل والبقاء عندما يكون معبّرا عن صيرورة منتظمة ذات قوانين ذاتية التوالد والثبات , وفيها ديناميكة التسرمد التي تعني الحفاظ على طاقاتها الذاتية وتجديدها والإستثمار فيها وفقا لإيقاعات مكانها وزمانها الدوّار.

وإنطلاقا من الوعي الرياضي والإدراك الكوني الحكيم , تمكن الفراهيدي من قراءة الشعر العربي بأبجديات رياضية ذات تفاعلات منضبطة ودقيقة , فأوجد البحور الشعرية وأرسى قواعد علم العروض.

والعجيب في أمر السلوك الشعري المعاصر أنه يحاول أن يهدم ما هو راسخ ودائب , بدلا من دراسته وتجديده وتحقيق الإضافات المعاصرة ذات القيمة المعرفية والإبداعية الأصيلة , والكفيلة بإنجاب الروائع من رحم الفيض الرياضي الذي أطلقه الفراهيدي.

ويبدو من تتبع آليات تفكير الفراهيدي أنه يرى الشعر علما مثل غيره من العلوم , ويتميز عنها بأنه يمتلك شروطا نغمية وإيقاعات موسيقية , أو أنه الموسيقى المعبّر عنها بالكلمات المعبأة بالأفكار والمشاعر والتصورات وغيرها من بدائع الخيالات.

وعلم الشعر هو الذي أقنعه بضرورة تطبيق علوم الرياضيات في دراسته وفهمه , ولهذا تبين له أن البيت الشعري ما هو إلا معادلة ذات شقين متوازنين , وما يتفاعل في شطريه تتحكم به موازين نغمية , أرست دعائم تكراره وإستيعابه لما يراد قوله وتوصيله ونحته في قوام رياضي , لا يختلف عن أية معادلة رياضية أو جبرية.

فالساعون إلى تحطيم معادلات الشعر الفراهيدية , " كناطح صخرة يوما ليوهنها...فلم يضرها فأوهى قرنه الوعل" , أو كالهائم في الرمضاء ويحسب السرابَ ماءً , فالباقيات محكمات بقوانين رياضية , ولا يمكن لحي أن يبقى إذا إختلت قوانين ما فيه , وهي متنوعة وكثيرة , وجميعها ذات طبيعة رياضية منضبطة.

ووفقا لمعادلات الفراهيدي فأن القصيدة صيرورة كيانية ذات قانون وآليات متوافقة متناغمة ومنسجمة , وهي إختراع مثل أي مخترع مادي , يجب أن تتوفر فيه متطلبات النشأة المتوازنة والصُنعة الماهرة , الكفيلة بإظهاره  كموجود خالد متفاعل مع معطيات الدوران.

وأي خلل في بناء المُخترع وإعداده يتسبب بإصابته بعاهات ومعوقات تمنعه من التأهل للحياة , فلا يمكن لسائب أن يدوم ويؤثر ويتجدد , وإنما لابد له أن يكون محافظا على شكله وقوامه في مواضع متكررة , وذات أحكام مقررة لطبيعة التفاعلات الكيانية الكفيلة بالحفاظ على ملامحه ومواصفاته المميزة الفارقة , وبهذا يتحقق التنوع في ربوع الحياة في أي مكان.

وما دام الكون محكوم بقوانين رياضية متناهية الدقة , فأن كل موجود فيه لا بد له أن يكون مولودا من رحم النظام الكوني الأكبر , والذين يتوهمون بأن البقاء للسراب إنما يعارضون بديهيات الأبد , ويتقاطعون مع مناهج البقاء والرقاء , التي تفرض علينا التجدد والتوالد والتفاعل في معادلاتها وقوانينها الرياضية التي لا مفرّ منها!!

ولهذا فأن رؤية الفراهيدي الشعرية ما هي إلا معادلات رياضية ذات إمتدادات سرمدية , وطاقات تجددية تساهم بالتعبير عنها الأجيال في عصورها المتواكبة , وإذا انفرط عِقدُ كينونتها تتلاشى وتندثر , كأي حالة تتعارض ومناهج المعادلات والتفاعلات الدورانية , التي بموجبها يتحقق البقاء في جميع البقاع الكونية.

فهل لدينا القدرات العقلية الكفيلة بتوليد معادلات رياضية عروضية معاصرة؟!!

د-صادق السامرائي
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/22



كتابة تعليق لموضوع : الفراهيدي ولعبة الكلمات!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net