صفحة الكاتب : فالح حسون الدراجي

كم أنت شجاع يا معالي الوزير؟!
فالح حسون الدراجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جريدة الحقيقة
شاهدت أمس الأول حلقة جديدة من برنامج (صنع في العراق)، من على شاشة قناة دجلة الفضائية، والبرنامج من تقديم الفنان والإعلامي الناجح سنان العزاوي.. حيث رافقت كاميرا البرنامج معالي وزير الصناعة والمعادن المهندس محمد صاحب الدراجي في جولة تفقدية لشركة الصناعات الجلدية التابعة لوزارة الصناعة.. وهذه هي الحلقة الثالثة التي أشاهدها من هذا البرنامج، بعد أن كنت قد شاهدت من قبل حلقة خاصة بشركة منتوجات الألبان، وحلقة أخرى خاصة بشركة الصناعات النسيجية / معمل الألبسة الرجالية في النجف / بالقناة ذاتها. 
لقد لفت إنتباهي في هذه الحلقات الثلاث أمرٌ لم أجده في أغلب البرامج النقاشية التي تبث هذه الأيام من القنوات الفضائية العراقية، خصوصاً القنوات الفضائية (الإشكالوية) حسب توصيف الفيلسوف خضير ميري. وهذا الأمر يتلخص في أن برنامج (صنع في العراق)، يخلق حواراً ساخناً، ونقاشاً حاداً، يصل أحياناً الى إرتفاع الصوت، بل والصراخ العالي، بين مواطن متعب، ومهموم (ومشلوع گلبه)، وبين مدير عام شركة، أو مدير مصنع، مقيد بآلية، وأرقام، وضوابط، ومسطرة وقلم (وفيتة)، ووزير، محكوم بالموازنة والنزاهة والقضاء، ومُراقب من وسائل الإعلام، ومُحاسب من ضميره الواعي، الذي هو أشد قسوة من محاسبة البرلمان والنزاهة والإعلام والحكومة!!
لكن- وهنا جوهر الإمتياز- أن كل هذا الجدل الساخن وهذا الإختلاف الشديد بين جميع المشتركين في البرنامج، لم يفقد أحداً منهم إحترامه للآخر، رغم النبرة الحادة في الحوار.. ورغم التقاطع في الرؤى، لكن اللغة المهذبة ظلت سائدة بين الجميع، كما بقيت المقامات محفوظة.. وبقي المواطن- رغم شعوره بالغبن- ملتزماً بآداب وأخلاقيات الجدل.. ولم يفقده هذا الغبن إحساسه العالي بأن إحترامه يأتي من خلال إحترام الآخر، وإن حريته الشخصية تتوقف عند حدود حرية الآخر..
لقد كانت حلقة أمس الأول ساخنة جداً، لكنها كانت في حدود المطالبة بالحقوق ليس أكثر، فالمواطن كان يطالب في هذه الحلقة بما يتمنى أن يكون، سواء في جودة المنتوج وسعره، أم بمشكلة الراتب، أو الحوافز - إذا كان موظفاً فيها- وكان المدير أو المسؤول عن الشركة – يرى بما يشرحه للمواطن، ويبرره، ويدافع عن رؤيته، هو الأكثر تقديراً للموضوع، بينما كان الوزير شفافاً ومرناً وعادلاً- فهو بمثابة الحكم بين المواطن والمدير- حيث يتدخل في الوقت الذي يجب أن يتدخل فيه، ويقرر في القضية التي لا يحق للمدير أن يقرر فيها.. كما كان يرطب الجو حين يلتهب، أو يسخن جداً!!
ولعل النقطة التي أعجبتني أكثر من غيرها أمس الأول، أن الوزير لم يطلب من المسؤولين عن إدارة القناة حذف هذه الفقرة، أو منتجة هذا الموقف، أو رفع ذاك القول، قبل أن يبث، بمعنى أن الوزير لم يتدخل في المادة، إنما تركها تبث كما سُجلت وصُورَّت.
لقد كنت أرى الوزير فرحاً، وهو يرى امامه المواطن يدافع عن حقه بقوة، ويرى (المدير) - الموظف عنده - يدافع عن منجزه بحرارة، ويرى أيضاً مقدم البرنامج يقود الحلقة نحو هدفها بتوفير مساحة إعلامية حرة وواسعة، ليقف عليها المواطن والوزير، والحلقة الوسطى- أي المدير التنفيذي- فيتحاور الجميع بشجاعة وكياسة أيضاً، ويتجادلان في الحقوق بروح ديمقراطية حقيقية، بل ويختلفان بكل ما في الإختلاف من معنى، لكن بإنتباه شديد، وسيطرة أشد على محركات اللسان النفسية والعصبية.. فكانت بحق حلقة رائعة، توفرت فيها كل أسباب وعوامل النجاح الإعلامي المسؤول..
لقد سئمنا من إنتهاكات البرامج التقاذفية والشتائمية وعدم الإحترام، سواء من قبل مقدم البرنامج، أم من المشاركين فيها، حتى وصل الأمر الى إستخدام الأحذية بدلاً عن الحجج والبراهين الإصناعية.
قد يقال أن فكرة هذا البرنامج ليست جديدة، حيث سبق وإن قدمت من قبل القنوات التلفزيونية المختلفة، لكن الشيء الجديد فيها، أنها بدأت وإنتهت بإيقاع متوازن، ومنضبط، وبلغة عالية السقف بما يخص الحقوق والمطالب، والرد عليها بكلفة واطئة- على حد تعبير المقاولين والمعماريين- لذلك نجحت نجاحاً طيباً، فحققت أهدافها بهدوء ولياقة. 
وقبل أن أختتم مقالي وددت أن أحيِّي وزير الصناعة على شجاعته، وهو يصطحب معه كاميرا تلفزيونية (فاضحة) في جولاته التفقدية لشركات، ومصانع وزارته، وهو يعرف جيداً، أن الذهاب الى بؤر إنتاجية ومطلبية أمر ليس سهلاً، خصوصاً حين يكون فيها الناس متعطشين لعرض إحتياجاتهم على الوزير بحضور كاميرا وميكرفون لاسيما الناس المكتوين بنار الروتين والموجوعين من ترديدات : (تعال باچر، وتعال عگبه)؟!
ملاحظة: كانت بدلة الوزير الأنيقة في هذه الحلقة من إنتاج معمل ألبسة النجف.. كم كان الوزير شجاعاً حين أعلنها بلسانه أمام الكاميرا أمس الأول؟!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فالح حسون الدراجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/08



كتابة تعليق لموضوع : كم أنت شجاع يا معالي الوزير؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : رشيدمعار ج ، في 2015/11/08 .

المعروف عن الوزير الدراجي وبالحق اقول ئن اقواله اكثر من افعاله والاعلانات ايام الوزارة السابقة فضيحة لان اكثر ميزانية الوزارة صرفت للدعاية فقط اما الافعال بيقت خلفه بكل اريحية




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net