صفحة الكاتب : مرتضى علي الحلي

الإمامُ الحُسَين (عليه السلام) يؤسِس لصياغيّة جديدة لأخلاقيات الحُكمِ والحاكم
مرتضى علي الحلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قراءةٌ في  النهضة الحسينية وتأسيساتها القيمية:: 
==================================== 
إن المقطوع به تأريخيا ودينيا أنّ نظام الحكم الإموي وحاكمه هو نظام منحرف عن الشريعة والعقيدة الإسلامية 
فمن سفكه للدماء البرئية وتزويره للأحاديث الشريفة
وسلبه للحكم الشرعي من آل البيت المعصومين (ع) 
وظلمه للمسلمين بسرقة أموالهم وهدر حقوقهم والقائمة طويلة في مجال ظلم الأمويين للمسلمين وأئمتهم.
حتى وصل بهم الأمر إلى توظيف الدين رسميا لخدمة نظام حكمهم وسياسته الظالمة.
ففي مثال واحد للتدليل على حقيقة الأنحراف الديني الذي مارسه الأمويين في شكل الحاكم وحكمه
 نقراء نصاً ((لعمروبن الحجاج الزبيدي وهو من قادة الجيش الأموي
في كربلاء حين رأى بعض أفراد جيشه ينسلون إلى الحسين (ع) ويُقاتلون دونه صاح قائلاً 
(يا أهل الكوفة إلزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من حرَّفَ في الدين وخالف الإمام )) //1// راجع/ الطبري في تأريخه /ج4/ ص331.
فقادة الأمويين يُصورون للناس الإمام الحسين(ع) مخالفاً لأمامهم يزيد..
إنظر كيف إنتكست المفاهيم وقُلَّبَت الأمور عندهم فيزيد هو المارقُ حقيقة عن طاعة الإمام الشرعي الحسين(ع) وهوشاقُ جماعة المسلمين فتراهم يُصيرونه إماما وحارسا للدين.
وعلى مثل هذا المنوال فقس ماسواه .
فمن الطبيعي جداً أن تجد المجتمع آنذاك في ظل حكم الأمويين مجتمع لا يتجاوب نفسيا وعقديا مع الإمام الحسين(ع) لأنهم ضلوا الصراط حقيقة .
وفي مثل هذا الحال الذي لا يتغيرلابد من تصدي الحسين (ع) بنفسه وموقعه الديني الأصيل والشرعي حتى يسحب البساط الديني المزيف من تحت أقدام الأمويين ولو بقوة الدم.
ولأجل صياغية حقة ومشروعة لأخلاق الحاكم وحكمه أعلن الحسين(ع) نصه الخالد من قبل في تصحيحه للأنحراف المفهومي والمصداقي لشخصية الحاكم والحكم.
قائلاً (ع)
 (( فلعمري ماالإمام إلاّ الحاكم بالكتاب . القائم بالقسط الداين بدين الحق
الحابس نفسه على ذات ألله )) /الأرشاد/ المفيد(قد) م ص 204.
 فتتويج معاوية رسميا لولده (يزيد) الفسق والفجورملكاً على رقاب المسلمين
وبقوة السيف والظلم .
 هو فعلٌ سيء جعل الإمام الحسين/ع/ يُفكرفي خياره الأخيروالسديد وهوتبني سياسة الرفض القاطع للواقع الفاسد آنذاك .
وفي مطالعة تأريخية سريعة تنكشف لك الحقيقة المؤلمة
 فهذا التأريخ الشهير يؤكد على أنّ يزيدا فاسق ومنحرف وكان يُمارس الفجور علنا على مسمع ومرأى من المسلمين وغيرهم.
وأذكر لكم ما ذكره المؤرخ البلاذري في كتابه أنساب الأشراف/ج4/ ص1و2/
(( كان ليزيد قرداً يجعله بين يديه ويُسميه أبا قيس وكان يسقيه النبيذ ويضحك مما يصنع وكان يحمله على أتان( إنثى الحمار) وخشبة ويرسلها مع الخيل))
وروى المؤرخ ابن كثير في كتابه /البداية والنهاية/ ج8/ص236/
(( أنّ يزيداً كان قد إشتهر بالمعازف وشرب الخمروالغناء والصيد وإتخاذ الغلمان ,و................., وكان إذا مات القرد حزن عليه وحتى أنه قيل أنّ سبب موت يزيد
أنه حمل قردة وجعل يُرقصها فعضته))
وإذا كان هذا حال الخليفة المزعوم فما بالك بحال الأخرين ممن معه؟
والمصيبة الأخرى أنّ هذا الحال الفاسد وصل إلى مكة والمدينة .
فقد ذكر المسعودي في تأريخه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) ج3/ ص67/
(( وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة وأُستُعمِلَت الملاهي وأظهر الناس شرب الشراب))
فلعمري ماذا تتوقع من الإمام المعصوم الحسين/ع/ أن يصنع تجاه ذلك ولو بالحد الأدنى الممكن عقلا وشرعا وعرفا.
إنّ الإمام الحسين/ع/ بحركته ونهضته رفض هذه الصورة المنحرفة أخلاقيا وسلب منها رسميتها وكشف للتأريخ والبشرية الواقع المزيف وأبقى للأمة الواعية الصفحة النقية من صفحات الرسالة المحمدية الأصيلة.
فلذا كانت ضرورة حفظ الشريعة وعقدياتها حاضرة وبقوة في ذهن الإمام الحسين/ع/
والوفاء بإلتزاماته /ع/ تجاه شريعة ألله تعالى كانت تفرض عليه سلوك منهج التغيير والإصلاح ولا سبيل سواه.
وعندما كتب يزيد اللعين إلى واليه على المدينة ( الوليد بن عتبة ) أن يأخذ البيعة من أهل المدينة بشكل عام ومن الحسين/ع/ بشكل خاص رفض الإمام الحسين/ع/ ذلك وبقوة .
وقد أوضح الإمام الحسين /ع/ ذلك الرفض لبيعة يزيد قائلاً لوالي المدينة ( الوليد بن عتبه) 
(( ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة مُعلِن بالفسق ومثلي لايُبايع مثله )) /إنظر/ مقتل الحسين/ع/ لإبن طاووس /ص 11/.
فالإمام الحسين/ع/ أراد بقوله هذا التأسيس علنا وصراحة لمنهج إختيار الحاكم ومواصفاته
 فذكر/ع/ رذائل يزيد حتى يَعرِف الناس بأنه هكذا مواصفات لاتُصحح ولاتُشرعن ولاتُرسمن حكم المُتَصف بها كيزيد.
وفي نفس الوقت وفي المقابل بيّن الإمام الحسين /ع/ المواصفات الشرعية والحقيقة للحاكم المُسلم والصالح لقيادة المسلمين وتدبير امورهم الدينية والدنيوية والذي تجبُ طاعته
 وذلك في رسالة أرسلها /ع/ إلى أهل الكوفة قائلاً /ع/
(( فلَعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب . القائم بالقسط . الداين بدين الحق. الحابس نفسه على ذات ألله )) /1/
/1/ الإرشاد/ المفيد / ص 204/.
وهنا يجبُ الوقوف المعرفي والمُتفحِص للتأسيس على ما بيّن الإمام الحسين/ع/
من مواصفات صالحة وحكيمة لشخص الحاكم أو دولته بشكل عام .
فالإستناد في حكم الأمة إلى دستور سديد مثل كتاب ألله العزيز (القرآن الكريم) يعطي
لنفس الحاكم ودولته مشروعية ورسمية في تدبير وإدارة إمور المسلمين دينيا ودنيويا.
فضلا عن منحهم الثقة بالدين والمنهج القرآني إن تم الأعتماد عليه عمليا وتنظيريا.
وإنّ ّ تأكيد الإمام الحسين/ع/ على مفردة 
(( القائم بالقسط)) 
لهوأمرٌ في غاية الأهميةوالحكمة في تأسيس الدولة وبسط نفوذها على المسلمين.
والأمر الأهم من ذلك هو أن يكون دين الحاكم دين الحق لا الباطل وأن يعمل لله تعالى لا أن يؤسس لذاته ولشهواته الدنيوية وتاركاً مصالح وصلاح المسلمين
خلف ذاته .
والقارىء اللبيب في قرآته لهذا النص يَذعن لحقانية ومشروعية الإمام الحسين/ع/ ومدى إلتزامه بضرورة توفر الأهلية والشرعية في شخص الحاكم للمسلمين
وعدم السماح للظالمين من التسلط على رقابهم.
فالعمل والحكم بكتاب ألله تعالى واجب شرعي وإتباع منهج العدل والقسط في التعاطي مع امور المسلمين وتدبيرهم هو مطلبٌ عقلاني وقرآني مركزي وحيوي
إنّ كلّ تلك المُرتكزات الشرعية والعقلانية من ضرورة الحفاظ على العمل بكتاب ألله
والسير على منهج العدل والمساواة بين الناس وعدم ظلمهم جعلت الحسين/ع/ يتحرك
سريعا لمعالجة الموقف .
 
فإصراره /ع/ في رفض بيعة يزيد وبقوة هو لأجل عدم إعطاؤه الصفة الشرعية والقانونية في حكمه للمسلمين.
 
 
ولذا أبلغ /ع/ والي المدينة ( الوليد بن عتبة) قائلاً له وبصورة نهائية 
 
 
(( أيها الأميرُإنّا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح ألله (أي فتح نبوة محمد /ص/وإمامة علي/ع/ وبنيه المعصومين ) وبنا ختم ( أي بإمامة المهدي/ع/ خاتم الأئمة المعصومين/ع/ )
 ويزيد الفاسق فاجر شارب الخمرقاتل النفس المحترمة
مُعلِن بالفسق والفجور ومثلي لا يُبايع مثله))/ إنظر/ أعيان الشيعة/ السيد محسن الأمين/ القسم الأول/ج4/ص183/184/.
 
 
/مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف/ 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى علي الحلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/07/02



كتابة تعليق لموضوع : الإمامُ الحُسَين (عليه السلام) يؤسِس لصياغيّة جديدة لأخلاقيات الحُكمِ والحاكم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net