صفحة الكاتب : فالح حسون الدراجي

طبيبتي الإيرانية..!!
فالح حسون الدراجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قبل مدة، تعرضت عيني اليمنى الى وضع صحي خطير، تمثل بنزيف دموي مفاجئ أغلق الرؤية فيها تماماً، حتى كدت أفقد بصري. ولعل الأمر الذي أرعبني وقتها، أن لنا في العائلة مشاكل لا تعد ولا تحصى في العيون، بحيث بات بلاء العمى أرثاً متواصلاً نتوارثه في العائلة جيلاً بعد جيل. فقد أصيب جدي بفقدان البصر، ثم جاء الدور لوالدي رحمه الله الذي أصيب بالعمى التام في آخر أيامه، وكذلك عمي، وعمتي، رحمهما الله اللذان أصيبا بالعمى أيضاً، بينما درجة نظر شباب العائلة اليوم 6 / 6000 وحتماً فإن أي شخص آخر غيري سيصاب بالذعر، لو تذكر هذا الارث الكارثي!!

في ذلك الصباح المظلم الذي نهضت فيه من نومي وجدت أن عيني اليمنى كأنها تقطر دماً، وأن الرؤية فيها معدومة، إلاَّ من صور هلامية بعيدة، وأظن أن الحظ قد خدمني، حين أصبت بهذا العارض الدامي وأنا في أمريكا وليس في العراق. لأن الأمريكيين -حكومة وشعباً ومؤسسات –ينظرون لمريض الطوارئ نظرة تكاد تكون مقدسة، فيتعاملون معه تعاملاً استثنائياً، لاسيما في الحالات المستعجلة كحالتي، ويولونه اهتماماً كبيراً جداً..

لذلك هرعت للمستشفى دون أي تأخير. وبعد سلسلة من الفحوصات الدقيقة، والتحاليل المتنوعة، والصور الملونة عبر أحدث الأجهزة توصل الأطباء الى إصابتي بجلطة العين (ستروك).. والجلطة عارض يأتي من انسداد الوريد الشبكي المركزي، فيسبب نقصاً في الرؤية أو انعداماً تاماً، وغالباً ما يحدث في عين واحدة، لكنه يأتي دون ألم، أو احمرار ظاهر في العين، مع وجود نزيف بالشبكية، بحيث تبدو داخلياً، كأنها مصبوغة باللون الأحمر. وقد يصاحب هذا العارض ارتفاع في ضغط العين، مع وجود الماء الأسود، المعروف طبياً بـ (الگلوكوما)!!

فأشار عليَّ أحد الأطباء الأمريكيين بالتوجه فوراً لعيادة الدكتورة الأمريكية، والإيرانية الأصل (نسرين ماني)، فهي طبيبة فاخرة جداً، ومتخصصة في مشاكل (الشبكية).. فذهبت في اليوم الثاني لعيادتها الكبيرة جداً. وبعد أن ملأتُ استمارة البيانات، والمعلومات المطلوبة، التي أجبت فيها على أكثر من خمسين سؤالاً مكتوباً، من بينها سيرتي الطبية والحياتية الكاملة، مع أسئلة عديدة ومفصلة عن الوضع الطبي للعائلة، استقبلتني الطبيبة (نسرين) بوجهها الجميل وطولها الفارع، وابتسامتها التي تشبه الى حد كبير ابتسامة المغنية الإيرانية الفاتنة (گوگوش). وبعد أن انتهت من فاصل المجاملات، وسؤالي عن الوضع الأمني والسياسي في العراق، بدأت الفحوصات الدقيقة والتقاط الصور للعين.. هل تصدقون مثلاً لو قلت لكم أن جهازاً صورياً التقط ثلاثة آلاف صورة داخلية لعينيَّ؟

وبعد أن انتهت من كل فحوصاتها، التي استغرقت سبع ساعات، ابتسمت وقالت لي: لا تخف (يا مستر حسون).. فأنت لن تعمى مطلقاً، ولكن بشروط !!

فصحت بها من فرط سعادتي: أشرطي دكتورة .. كل شروطك مقبولة.

قالت: اولاً أن تترك التدخين حالاً..

فقلت لها: قطعته..

قالت: وأن تترك الخمر ايضاً، مع السماح بشرب كأس واحدة من (الواين) الأحمر فقط..

قلت لها: لقد تركته قبل أن تطلبي ذلك..

قالت: وأن تلتزم باستخدام قطرة العين يومياً، والى الأبد..

قلت لها: موافق..

قالت: ولا تبكِ قط، لأن البكاء مدمرٌ للعين؟

قلت: سأحاول سيدتي..

قالت: بل ستفعل، وليس تحاول فقط؟

قلت لها: (صار دكتورة)..

ثم قالت: وأياك أن تسهر حتى الفجر، أو تجلس خلف الكومبيوتر ساعات طويلة.. واحذر من استخدام المنشطات (....)، لأنها ترفع ضغط العين.. قلت لها: (أوكي دكتورة.. تأمرين أمر) !!

قالت: وختاماً، وكي لا تعمى مثل أهلك، أرجو أن لا تتوتر، ولا تتعصب، ولا تهتم لأي أمر كان، بمعنى أن تكون (ريلكس) مهما كانت الظروف!

فنهضت من الكرسي، وقلت لها: لا دكتورة.. ارجوك أن تعذريني بهذه النقطة فقط.. فأنا مستعد لتنفيذ كل ما تفضلت به من شروط، إلاَّ موضوع الأعصاب، والتوتر.. لأني لا أستطيع السيطرة على أعصابي في العراق..

قالت: لماذا لا تستطيع ذلك، وهو جزء من علاجك.. فأنا مثلاً استطيع السيطرة على اعصابي في أسوأ الظروف..

قلت لها: نعم تستطيعين انت ذلك، لأنك تعيشين في أمريكا، وليس في العراق.

فضحكت وقالت: وماذا في العراق؟

قلت لها: في العراق ظافر العاني، واحمد المساري، واسامة النجيفي، ولقاء وردي، وناهدة الدايني، وحيدر الملا.. وعشرات (الطناطلة) غيرهم .. وكل واحد من هؤلاء قادر على رفع ضغطك، وضغطي، وضغط أمريكا كلها.. فلهؤلاء القدرة على استفزاز جليد القطب الشمالي، وتحويله من ثلج جامد الى ماء يغلي بدرجة 100 مئوي.. فما بالك بكبد تعبان مثل كبدي؟

قالت: إذن ستعمى يا أخي !!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فالح حسون الدراجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/02/23



كتابة تعليق لموضوع : طبيبتي الإيرانية..!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net