صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

رمضان في سامراء!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 
 
كانت ليالي رمضان في سامراء , ذات نكهة ومعنى , ودور في تهذيب السلوك , وتنمية الوعي , وإثراء الثقافة الدينية واللغوية , وإنعاش الذوق وإرهاف الحسّ , وإطلاق جمال الخُلق , وروعة المقال , وحُسن الإبداع , وأصول الحديث , في جلسات ونشاطات روحية وطقوسية , متوهجة بالإيمان والرحمة والمحبة الإنسانية الفياضة.
فكانت العوائل تستعد لشهر رمضان , بتوفير الحاجات الأساسية , اللازمة لإعداد (الشوربة) , والتي تكون من (الماش) أو (العدس) وأحيانا من (الرز). 
وعادة تتواجد في البيت (بيشة تمر خستاوي) أو (تمر زهدي) , إضافة إلى اللبن الذي هو عنصر أساسي في الإفطار.
وتزدحم موائد الإفطار بالأكلات السامرائية اللذيذة , كالرز والكبة واللحم المشوي والدولمة , والطبخات الأخرى المتنوعة التي تتفنن في إعدادها ربة البيت , كل يوم.
وتبدو المدينة في مهرجان ديني متواصل , حيث تصدًح  منائرها بالأصوات الشجية التي ترتل القرآن , والتواشيح النبوية , منذ صلاة العصر وحتى مطلع الفجر.
وفي سامراء قرّاء يتميزون بعذوبة الصوت وتأثيره على السامع , وكانت منارة الجامع الكبير المتألقة في روعة القراءات , حتى لتبدو المدينة وقد صارت تتحرك وفقا لإيقاعات المآذن الشادية بآيات القرآن الكريم  , والمصدحة بالمدائح النبوية.
وترى الناس يهرعون إلى الجوامع قبل الغروب , ويتمتعون بالأحاديث الدينية , ويشاركون في الإفطار الجماعي الذي غالبا ما يكون على التمر واللبن , وبعدها ينفضون إلى بيوتهم , ليعودوا قبل صلاة العشاء , حيث الأجواء الروحية المعطرة بآيات الذكر الحكيم.
وأئمة سامراء الذين يخطبون ويئِمون الصلاة , لديهم قدرات ترتيلية مؤثرة في الأعماق , فيشدونك إلى الصلاة بقوة روحية مذهلة , حتى لتنقطع عن كل ما يرتبط بك , وتكون خالصا نقيا للصلاة , التي يأخذونك أثناءها إلى فضاءات التأمل والوعي والإدراك العميق.
وبعدها تبدأ صلاة التراويح العذبة , التي تحتشد الجوامع بها , فالناس قد تأهبوا لها بكل طاقاتهم الروحية والنفسية.
وبعد ذلك يأنس الناس بالبقلاوة والزلابية , وفي سامراء فرنان أو ثلاثة لإعدادها وفقا لخبرتهم , فكانت ذات طعم لذيذ , خصوصا عندما تكون قد أحضرت لتوها من الفرن. 
وترى الناس تأكلها في المقاهي والمحلات وهي مبتهجة مسرورة , فرحة مرحة , تتبادل أجمل الأحاديث والفكاهات.
وعند الساعة الثالثة صباحا , يبدأ (التمجيد) يتعالى من مأذنة الجامع الكبير , بالآيات والتواشيح , بأصوات قرّاء معروفين ومؤثرين في السامع . 
وقبل صلاة الفجر يبدأ الصوت يتردد (إشرب الماء وعجّل) , وبعدها (إمساك , أيها الصائمون إمساك) , ثم الآذان , وصلاة الفجر.
وكان معظم الناس يحرصون على إداء صلاة الفجر والتمتع  بما يقوم به  شيوخ سامراء العلماء الفقهاء من نشاطات إيمانية , وكان في مقدمتهم الشيخ أيوب الخطيب رحمه الله , الذي كان له تأثير روحي ونفسي وثقافي عميق , وكنا نشاركه بعض حلقات الذكر بعد صلاة التراويح , في الجامع الكبير , والتي كان يديرها بنقاء وإيمان مطلق وتسامي نبيل , وكان له دور واضح في بناء عالمنا النفسي والروحي , ولغتنا العربية , لحسن نطقه ومعرفته بها. 
وفي جوامع سامراء , كنا نتعلم من رجالاتها , أنواع القراءات القرآنية , وكيفيات النطق السليم , وقد تعلمت من مشايخها , ورجالات دينها والبسطاء من عامة الناس , ما لا يمكن تعلمه في أي محاضرة أو كتاب.
وكانت ليالي رمضان في مرقد الإمامين  علي الهادي والحسن العسكري (ع) , ذات معاني وتجليات روحية وإيمانية ساحرة , حيث يكون تواجدنا في الحضرة المطهرة على مدى أيام الشهر وخصوصا ليلة الجمعة , وبعد صلاتها في الجامع الكبير المجاور لها , فكانت زيارة المرقد وكأنها جزء مهم من تلك الصلاة.
ولليلة القدر مذاق خاص , حيث المآذن لا تهدأ حتى الصباح , وهي تنقل حلقات الذكر التي تلهج بها القلوب والأرواح والنفوس " سبحان الله , والحمد لله , ولا إله إلا الله , والله أكبر , ولا حول ولا قوة إلا بالله , والله أكبر ولله الحمد...."
وفي الأسبوع الأخير تبدأ الإستعدادات للعيد , فتجد الناس منشغلة بشراء الملابس الجديدة , وحلويات العيد , وإعداد (الكليجة) , وترى (صواني الكليجة) في طريقها من وإلى الأفران التي تعمل على مدار الساعات.
تلك أيام خَلت , وبقيت حيةً في ذاكرة الذين تنعموا بصفائها ونفحات لياليها!!
 
ورمضان كريم.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/06



كتابة تعليق لموضوع : رمضان في سامراء!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net