صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

نقد كتاب الشيخ المظفر "عقائد الامامية" ... (4)
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

 {عقيدتنا في صفات الاِمام وعلمه}:

قال الشيخ المظفر: (لقد ثبت في الاَبحاث النفسيّة أنّ كل انسان له ساعة أو ساعات في حياته قد يعلم فيها ببعض الاَشياء من طريق الحدس الذي هو فرع من الاِلهام؛ بسبب ما أودع الله تعالى فيه من قوّة على ذلك، وهذه القوّة تختلف شدّة وضعفاً، وزيادة ونقيصة في البشر باختلاف أفرادهم، فيطفر ذهن الانسان في تلك الساعة إلى المعرفة من دون أن يحتاج إلى التفكير وترتيب المقدّمات والبراهين أو تلقين المعلّمين، ويجد كل إنسان من نفسه ذلك في فرص كثيرة في حياته. وإذا كان الاَمر كذلك، فيجوز أن يبلغ الانسان من قوّته الالهامية أعلى الدرجات وأكملها، وهذا أمر قرَّره الفلاسفة المتقدّمون والمتأخرون)[49]. 

نقول: تعود الفلسفة الظنّية المنبوذة من قبل الائمة الاطهار (عليهم السلام) لتلقي بظلالها على ابحاث الشيخ المظفر في كتابه هذا ! فتراه يستند الى الفلسفة في اثبات وجود إلهام عند الانسان يكون مصدراً للمعرفة. فقوله (لقد ثبت في الابحاث النفسية) لم يبين من خلاله أمرين: الاول ما هو قصده بالابحاث النفسية ، هل يقصد الابحاث الطبية النفسية المبنية على النظريات العلمية وهل ارتقت تلك النظريات الى مستوى القانون الذي لا يقبل الشك لكي يتمكن ان يستدل بها على قضية دينية عقائدية ؟! ام انه يقصد الابحاث (النفسية- الفلسفية) وهو الارجح بحسب متبنياته الفكرية التي يظهر صداها جلياً في كتابه هذا ! والامر الثاني ما مدى حجية الابحاث النفسية في اثبات دعوى مهمة كهذه واعني بها دعوى ان الانسان عموماً لديه قوة الهامية وإن كانت متفاوتة من شخص لآخر وانها قد تبلغ عند بعض الناس اعلى الدرجات وأكملها ؟!

ثم انه في الانسان كيف يمكن ان يكون الحدس طريقاً للمعرفة رغم ظنيته ؟! وكيف يكون الحدس حجة على الآخر ؟! هذا في الحدس الذي قال عنه انه درجة من درجات الالهام ، فكيف بالالهام كله الذي افترض ان الانسان يناله ؟؟ كيف يمكن ان يكون إلهام انسان مصدراً للمعرفة رغم ظنيته ، وكيف يصبح حجة على الاخر؟!! عدا الائمة الهداة المعصومين (صلوات الله عليهم) الذين ثبت انهم ملهمون معصومون ، وعصمتهم هي وسيلة الوثوق بإلهامهم (عليهم السلام)، فليس لإنسان آخر ان يقول انه ملهم وان باب المعرفة الالهامية لديه مفتوح. 

 

{عقيدتنا في الرجعة}:

قال الشيخ المظفر: (وعلى كل حال ، فالرجعة ليست من الاصول التي يجب الاعتقاد بها والنظر فيها ، وإنما اعتقادنا بها كان تبعاً للآثار الصحيحة الواردة عن آل البيت (عليهم السلام) الذين ندين بعصمتهم من الكذب ، وهي من الامور الغيبية التي اخبروا عنها ، ولا يمتنع وقوعها)[50].

والتدليس واضح في هذا النص بدعوى التقريب مع المخالف ! نعم الرجعة ليست من اصول المذهب (التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد) لكن الايمان بها واجب لوجود آثار صحيحة واردة عن آل البيت (عليهم السلام) فيها. فإنَّ انكار الرجعة رد عليهم (عليهم السلام) والذي يستوجب دخول النار ؟! بل والشيخ المظفر نفسه يؤكد ان للرجعة اصل في القرآن الكريم بقوله: (في مثل ذلك ممّا لا دليل عقلي لنا على نفيه أو إثباته، أو نتخيّل عدم وجود الدليل، يلزمنا الرضوخ إلى النصوص الدينية التي هي من مصدر الوحي الاِلهي، وقد ورد في القرآن الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلى الدنيا لبعض الاَموات، كمعجزة عيسى عليه السلام في إحياء الموتى ﴿وَأُبرئ الاَكمَهَ وَالاَبَرصَ وأُحيى المَوتَى بإذنِ اللهِ﴾. وكقوله تعالى ﴿أَنَّى يُحيِي هَذِهِ اللهُ بَعدَ مَوتِها فأَمَاتَهُ اللهُ مائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعثَهُ﴾)[51] ! ثم هو نفسه يقول في موضع آخر: (قد جاء القرآن الكريم بوقوع الرجعة إلى الدنيا، وتظافرت بها الاَخبار عن بيت العصمة)[52].

يقول الشيخ ميرزا جواد التبريزي (قده): (ليست الرجعة من اصول المذهب ولكنها ثابتة يقيناً لورود أخبار معتبرة فيها ، كما لا يبعد تواترها إجمالاً)[53]. 

*****

وقال الشيخ المظفر عن عقيدة الرجعة: (وهي عيناً معجزة إحياء الموتى التي كانت للمسيح عليه السلام، بل أبلغ هنا؛ لاَنها بعد أن يصبح الاَموات رميماً ﴿قَالَ مَنْ يُحيي العِظمَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُل يُحييهَا الَّذِي أَنشأَهَا أَوَّلَ مَرةٍ وَهُو بِكُلِّ خَلقٍ عَليِمٌ﴾)[54]... الى ان يقول: (والرجعة من نوع المعاد الجسماني) وفي هذا النص رد بليغ على مباني المدرسة التي ينتمي اليها اي المدرسة (الفلسفية- العرفانية الصوفية) التي ينتمي اليها والتي اسسها ملا صدرا والمسماة (الحكمة المتعالية) التابعة لتراث الصوفي ابن عربي ، حيث تذهب هذه المدرسة الى تبني دعوى فلسفية تنص على (استحالة اعادة المعدوم) وترى ان المعاد في اليوم الاخر ليس بالمعاد الجسماني بل بجسم آخر من سنخ العالم الاخر !!

 

{عقيدتنا في الدعاء}:

قال الشيخ المظفر عن الادعية المروية عن آل البيت (عليهم السلام): (إنّ هذه الاَدعية قد أُودعت فيها خلاصة المعارف الدينية من الناحية الخلقية والتهذيبية للنفوس، ومن ناحية العقيدة الاسلامية، بل هي من أهم مصادر الآراء الفلسفية، والمباحث العلمية في الالهيات والاخلاقيات)[55].

وهكذا نجد ان الشيخ المظفر لا يترك مناسبة الا ويحاول بها الترويج لبضاعته الفلسفية ويحشرها في القضية العقائدية الشيعية حشراً ! فما علاقة أدعية اهل البيت (عليهم السلام) ليزعموا انها مصدراً للآراء الفلسفية ! ونحن نعرف جيداً الاصول اليونانية والفارسية لفلسفاتهم التي ما انزل الله سبحانه وتعالى بها من سلطان. قال السيد محمد حسين الطباطبائي عن الشيخ صدر الدين الشيرازي (ملا صدرا الذي يسمونه صدر المتألهين) : (كما ناصر صدر المتألهين نظرية "اتحاد العاقل والمعقول" التي نقلها اجمالاً عن "فرفريوس الصوري" احد تلامذة ارسطو)[56]. وقال عن اصالة الوجود: (اختلف القائلون بأصالة الوجود ، فذهب بعضهم إلى أن الوجود حقيقة واحدة مشككة ، وهو المنسوب إلى الفهلويين من حكماء الفرس)[57]. وهو الرأي الذي تبناه ابن عربي ومدرسة الحكمة المتعالية الشيعية تبعاً له!

 

{عقيدتنا في معنى التشيّع عند آل البيت}:

قال الشيخ المظفر: (إنّ الاَئمّة من آل البيت عليهم السلام لم تكن لهم همّة ـ بعد أن انصرفوا عن أن يرجع أمر الاَمَّة إليهم ـ إلاّ تهذيب المسلمين، وتربيتهم تربية صالحة كما يريدها الله تعالى منهم، فكانوا مع كلِّ من يواليهم ويأتمنونه على سرّهم يبذلون قصارى جهدهم في تعليمه الاَحكام الشرعية، وتلقينه المعارف المحمدية، ويعرّفونه ماله وما عليه، ولا يعتبرون الرجل تابعاً وشيعة لهم إلاّ إذا كان مطيعاً لاَمر الله، مجانباً لهواه، آخذاً بتعاليمهم وإرشاداتهم. ولا يعتبرون حبّهم وحده كافياً للنجاة، كما قد يمنّي نفسه بعض من يسكن إلى الدعة والشهوات، ويلتمس عذراً في التمرّد على طاعة الله سبحانه، إنّهم لا يعتبرون حبهم وولاءهم منجاة إلاّ إذا اقترن بالاَعمال الصالحة، وتحلّى الموالي لهم بالصدق والاَمانة، والورع والتقوى. ولا يعتبرون الرجل تابعاً وشيعة لهم إلاّ إذا كان مطيعاً لاَمر الله)[58].

ورغم اهمية هذا الموضوع إلا انه موضوع اخلاقي لا علاقة له بالتخصص العقائدي للكتاب !

وكذلك بعض المواضيع التالية ، نجدها خليط بين كونها اخلاقية وفقهية ، ولكنها بالتاكيد ليست عقائدية ، منها:

{عقيدتنا في الظلم والجور}.

{عقيدتنا في التعاون مع الظالمين}.

{عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة}.

{عقيدتنا في الدعوة الى الوحدة الاسلامية}.

{عقيدتنا في حق المسلم على المسلم}.

 

{عقيدتنا في البعث والمعاد}:

قال الشيخ المظفر: (نعتقد أن الله تعالى يبعث الناس بعد الموت في خلق جديد في اليوم الموعود به عباده فيثيب المطيعين ويعذب العاصين. وهذا أمر على جملته وما عليه من البساطة في العقيدة اتّفقت عليه الشرائع السماوية والفلاسفة)[59] !! ولنا أن نتسائل: ما علاقة الفلاسفة بقضية عقائدية مهمة في الاسلام المحمدي الاصيل الذي تمثله مدرسة آل البيت الاطهار (عليهم السلام) ؟!

لقد استمر الشيخ المظفر بالترويج للفلسفة والفلاسفة حتى الرمق الاخير ... من كتابه هذا !!

 

{عقيدتنا في المعاد الجسسماني}:

قال الشيخ المظفر: (وما المعاد الجسماني – على اجماله – الا اعادة الانسان في يوم البعث والنشور ببدنه بعد الخراب وارجاعه الى هيئته الاولى بعد ان يصبح رميماً. ولا يجب الاعتقاد في تفصيلات المعاد الجسماني أكثر من هذه العقيدة على بساطتها التي نادى بها القرآن ، وأكثر ممّا يتبعها من الحساب والصراط والميزان والجنة والنار والثواب والعقاب ، بمقدار ما جاءت به التفصيلات القرآنية)[60] ... ثم يقتبس من كتاب (كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء) للشيخ جعفر كاشف الغطاء (قده) وبداية نص اقتباسه: (ولا تجب المعرفة على التحقيق التي لا يصلها الا صاحب النظر الدقيق كالعلم بأنّ الابدان هل تعود بذواتها أو إنما يعود ما يماثلها بهيئات؟ وان الارواح هل تعدم كالاجساد أو تبقى مستمرة حتى تتصل بالابدان عند المعاد؟) الخ. وليته اقتبس كلمات من كتاب الشيخ كاشف الغطاء سبقت هذا النص المُقتَبَسْ ، وهو قوله (قده): (في المعاد الجسماني: ويجب العلم بأنه تعالى يعيد الابدان بعد الخراب ، ويرجع هيئتها الاولى بعد ان صارت الى التراب ، ويحل بها الارواح على نحو ما كانت ، ويضمها اليها بعد ما انفصلت وبانت)[61]. وهو نص صريح في عقيدة الشيعة الامامية بان المعاد هو بعودة الابدان نفسها بعد خرابها وبعد ان صارت الى التراب ، وليس كما يذهب اليه اتباع الفلسفة والعرفان الصوفي الذين يقولون بان المعاد هو بجسد غير ترابي من طبيعة العالم الاخر وليس بجسد ترابي، لاستحالة اعادة المعدوم بحسب فلسفتهم الظنية ! ولذلك لا ترى الشيخ المظفر يصرح بأن الجسم الذي يعود يوم القيامة هو الجسد الترابي بل يكتفي بوصفه بان المعاد جسماني دون ان يبين طبيعة ذلك الجسم الذي تتلبس به روح الانسان في المعاد !

 

يقول سيد كمال الحيدري وهو من نفس المدرسة الفلسفية العرفانية الصوفية التي ينتمي اليها الشيخ المظفر: (جملة من أعلام الفقهاء الامامية كفّروا ملا صدرا لأنه لا يقول بالمعاد الجسماني وإنما يؤمن بالمعاد الروحاني)[62]. وهو اعتراف منه بأن ملا صدرا لا يقول بالمعاد الجسماني بخلاف ما هو عند سائر علماء الشيعة الامامية ، بل ان سيد كمال الحيدري نفسه يتفق مع ملا صدرا في نظرته الى المعاد وانه غير جسماني[63] بحكم تبعيته لمدرسة الحكمة المتعالية التي اسسها ملا صدرا !! 

ويقول الشيخ جوادي آملي محاولاً شرح نظرية ملا صدرا بالمعاد غير الجسماني فيقول: (نجد لدى صدر المتألهين رأياً خاصّاً في المعاد الجسماني، .... تنقسم كلمات الملا صدرا في المعاد إلى نوعين: أحدهما: ما قاله في شرح الهداية الأثيرية، وهو المتطابق مع ظواهر الكتاب والسنّة، وهو الذي قَبله بوصفه نظريةً دقيقة. والنوع الآخر: ما بيّنه في كتبه الأُخرى كالأسفار الأربعة، وقد اختاره بوصفه النظرية الأدق. إذن، فهناك تصور دقيق للمعاد عند صدر الدين الشيرازي، كما هناك تصوّر أدق، وقد اختار في شرح الهداية الأثيرية ذلك المعنى الذي اختاره المحدّثون، ... كلما تقدّمنا إلى الأمام وتأمّلنا، نرى أنه لا اختلاف بين نظرية الشيرازي ــ ولو بالمعنى الأدقّ ــ وبين نظرية المحدّثين والفقهاء؛ ذلك أنهم ـ المحدثين والفقهاء ـ لم يبيّنوا اصطلاحاً خاصّاً للمادة، وهم يعبّرون عنها بالجسم، ويثبتون آثاراً وخصوصيات لهذا الجسم تنطبق على الصورة التي يقول بها الملا صدرا..... لقد كان على كبار المحدّثين كالعلامة المجلسي أن يفسّروا المادّة أولاً، فإن كان مرادهم منها شيء ذو طول وعرض وعمق، فلا بحث في هذا ولا خلاف، أمّا لو قصدوا ما كان له مكان وجهة معيّنة، فهذا لا معنى له، طبقاً لما سبق. .... ثمة ـ عند الملا صدرا ـ نظر دقيق وآخر أدقّ، وذلك من باب تقسيم المعارف الحقّة إلى درجات، لتكون كلّ واحدةٍ منها حقّاً في مرتبتها، كما كان المؤمنون درجات: ((هُمْ دَرَجَاتٌ)) آل عمران: 163، ((لَّهُمْ دَرَجَاتٌ)) الأنفال: 4، فالمؤمنون أنفسهم في مراتب، كما لهم درجات أيضاً. يُخاطب المؤمن يوم القيامة: "اقرأ وارقه"، على هذا، لا يكون النظر الدقيق باطلاً، بل يغدو حقّاً في مرتبته، ثم يكون أدق أيضاً وحقاً في المرتبة الأُخرى، وليس ذلك من اجتماع المتضادين؛ لأن شرطه ـ اي اجتماع المتضادين ـ وحدة الرتبة، أمّا هذان ففي رتبتين)[64]، فيكون محصلة كلام الشيخ الآملي ان هناك عقائد للمؤمنين بحسب درجاتهم !! وهذا أمر لم يعهده الشيعة الامامية ، نعم قد يكون هناك فهم عقائدي بسيط وآخر عميق للمسألة الواحدة بحسب درجة استعداد المؤمن وتقبله الذهني ، لا ان تكون هناك عقيدة لمؤمن وعقيدة اخرة للآخر بحسب درجته وفقاً لكلام الآملي فيكون ايمان المؤمن البسيط بالمعاد بالجسم الترابي بينما عقيدة المؤمن الاخر المنتمي للمدرسة الفلسفية الصوفية هو الايمان بالمعاد بالجسم الروحاني او الاثيري او المثالي او الابداعي أياً ما يمكن ان يطلقوا عليه من تسمية !!

وقد رد السيد جعفر سيدان الخراساني على كلام الشيخ جوادي آملي المذكور آنفاً رداً تفصيلياً بليغاً نقلناه بطوله في بحثنا الموسوم (لكي لا يكون ابن عربي إمامي) والمنشور في موقعنا الالكتروني وبعض المواقع الاخرى. ننقل فيما يخص النقطة التي ناقشناها عن رتبتي الايمان ودرجتي العقائد ! قال سيد جعفر سيدان: (ذكرتم في الجلسة السابقة أن لصدر الدين الشيرازي نظرتين: دقيقة، وأدق.

الدقيقة: هي كلام المحدثين والعلماء الآخرين.

والأدق: هو ما أثاره في كثيرٍ من كتاباته.

والمتبادر إلى الذهن من ذلك كلّه، أنه لو كان المقصود من هذا الكلام أن له طريقين لإثبات دعوى واحدة، أي له دليلان: أحدهما دقيق؛ والآخر أدق، فلا إشكال في ذلك. أما لو كان المقصود غير ذلك، أي وجود دعويين، مع القول بأن إحداهما دقيقة والأخرى أدق ــ مع كون الدعويين صادقتين واقعيّتين ـ فهذا أمر غير مفهوم ولا واضح، يعني في مركز واحد، وفي ظل ظروف واحدة.

أي أن المحشور في القيامة تتحقق له واقعيتان متضادتان:

أ ــ الجسم العنصري.

ب ــ الصورة الإبداعية.

وعليه، إمّا أن نقول: هما نظرتان متضادتان، أو أن النظر الثاني كاشف عن النظر الأول، بمعنى أن المختار واقعاً هو النظر الثاني)[65].

وهكذا يفند سيد جعفر سيدان رآي الآملي القائل بتعدد مراتب العقائد !!

وما نريد ان نضيفه انه كل هذه الآيات القرآنية الكريمة الا تكفي مدرسة الحكمة المتعالية الفلسفية العرفانية الصوفية لكي تبين لهم ان المقصود بالمعاد هو المعاد بالجسم الترابي (الجسم العنصري) ! فيتركونها متذرعين بقاعدة فلسفية ظنية ورثوها من فلاسفة اليونان تقول بإستحالة إعادة المعدوم ! ليطبقوها على دينهم وعلى مذهب آل البيت الهُداة الاطهار (عليهم السلام) ! وهذه عقيدة الرجعة التي يؤمن بها الشيعة الامامية حيث يرجع المؤمن او الكافر الى الدنيا بعد موته وانعدامه ، الا تثبت بطلان قاعدتهم الفلسفية التي تزعم (استحالة اعادة المعدوم) !!

فلنذكّر ببعض الآيات القرآنية الكريمة المتعلقة بالمعاد والتي تبين بوضوح ان المعاد إنما يكون بالجسم الترابي:

قال تعالى في سورة العنكبوت: ((أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) ، وسنرى بعد قليل ان الفلاسفة يقولون باستحالة إعادة المعدوم بينما الله سبحانه وتعالى يبطل قولهم ويقول ان ذلك عليه يسير.

وقال تعالى في سورة الروم: ((وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ المَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)) ، وهي ابضاً صريحة في إبطال مذهب الفلاسفة في إستحالة إعادة المعدوم.

وقال تعالى في سورة الحج: ((وَأَنَّ السّاعَةَ آتيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)). فهل في القبور الا جسد الانسان ، فيكون البعث للجسد والروح معاً.

وقال تعالى في سورة الحج أيضاً: ((ذَلِكَ بِأَنّ‏َ اللَّهَ هُوَ الْحَقّ‏ُ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلّ‏ِ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ)). انظر لقوله تعالى: ((يُحْيِي الْمَوْتَى)) فمن الذي يموت اليس هو الجسد وهو الذي يحييه اللهُ تبارك وتعالى. 

وقال تعالى في سورة البقرة: ((أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِيْ هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامَكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)). فانظر الى الآية الكريمة وهي تتحدث عن العظام كيف ينشزها الله تبارك وتعالى ثم يكسوها لحماً ، اليس في ذلك دلالة اكيدة على المعاد الجسماني.

وقال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى)). فكان طلبه (عليه السلام) اراءته كيف يحيي الموتى ، فهل الموتى سوى الاجساد واحيائها بعودة الارواح اليها.

وقال تعالى في سورة يس: ((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)). فالآية الكريمة تتحدث صراحة عن إحياء العظام ، أي إحياء الجسد بالمعاد الجسماني.

وقال تعالى في سورة المؤمنون: ((أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ، إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ، إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ، قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ، قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)). فالآيات تتحدث عمن يجحد المعاد بعد التحول الى تراب وعظام ، فهم يجحدون المعاد الجسماني وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى بالقوم الظالمين.

وقال تعالى في سورة الصافات: ((أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ، أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ ، قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ، فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ، وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ، هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ)).

وقال تعالى في سورة العنكبوت: ((أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمّ‏َ يُعِيدُهُ إِنّ‏َ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)).

وقوله تعالى في سورة البقرة حاكياً عن احياء الموتى يوم القيامة بتمثيله بإحياء الميت في الدنيا ، في اوضح بيان ، وكل بيانات الله تبارك وتعالى واضحة ، قال سبحانه وتعالى: ((وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (*) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ المَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)).

... لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ... صَدَقَ اللَّهُ العَلِيُّ العَظِيمُ.

*****

ثم يقول الشيخ المظفر: (وليس في الدين ما يدعو الى مثل هذه التفصيلات التي حشدت بها كتب المتكلمين والمتفلسفين ، ولا ضرورة دينية ولا اجتماعية ولا سياسية تدعو الى امثال هاتيك المشاحنات والمقالات المشحونة بها الكتب عبثاً ، والتي استنفدت كثيراً من جهود المجادلين واوقاتهم وتفكيرهم بلا فائدة. والشبه والشكوك التي تثار حول تلك التفصيلات يكفي في ردها قناعتنا بقصور الانسان عن ادراك هذه الامور الغائبة عنّا والخارجة عن افقنا ومحيط وجودنا والمرتفعة فوق مستوانا الارضي ، مع علمنا بأن الله تعالى العالم القادر اخبرنا عن تحقيق المعاد ووقوع البعث)... إلخ فليت الشيخ المظفر توجه بكلامه هذا الى ملا صدرا الذي فتق هذا الباب واشعل فتنة المعاد استناداً الى تراث الصوفي ابن عربي وبث كل هذه البلبلة والاختلاف داخل مذهب التشيّع منذ عدة قرون. وليته كفَّ عن اتّباعه !

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[49]  عقائد الامامية / الشيخ محمد رضا المظفر (مصدر سابق) – ص88 و89.

[50]  عقائد الامامية / الشيخ محمد رضا المظفر (مصدر سابق)– ص114.

[51]  المصدر السابق – ص113.

[52]  المصدر السابق – ص111.

[53]  الانوار الالهية في المسائل الاعتقادية / الشيخ ميرزا جواد التبريزي (قده) / مطبعة نينوى في قم المقدسة / الطبعة الرابعة ، 1425هـ - ص230.

[54]  عقائد الامامية / الشيخ محمد رضا المظفر (مصدر سابق) – ص112.

[55]  عقائد الامامية / الشيخ محمد رضا المظفر (مصدر سابق) – ص126.

[56] دراسات في الحكمة والمنهج / السيد عمار ابو رغيف – ص266.

[57] بداية الحكمة / السيد محمد حسين الطباطبائي - ص17.

[58]  عقائد الامامية / الشيخ محمد رضا المظفر (مصدر سابق) – ص143.

[59]  المصدر السابق – ص167.

[60]  عقائد الامامية / الشيخ محمد رضا المظفر (مصدر سابق) – ص168.

[61]  كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء / الشيخ جعفر كاشف الغطاء (قده) / تحقيق عباس التبريزيان ، ومحمد رضا الذاكري (طاهريان) وعبد الحليم الحلي / مطبعة مكتب الاعلام الاسلامي / الطبعة الاولى ، 1422هـ - ج1 ص59.

[62] محاضرة (مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي (461) ) لسيد كمال الحيدري ، منشورة في موقعه الالكتروني.

[63] المصدر السابق.

[64] مناظرة بين السيد جعفر سيدان الخراساني والشيخ جوادي آملي تحت عنوان (الإشكالية المنهجية بين العقلين: الفلسفي والتفكيكي – (نظرية المعاد الصدرائية) – القسم الثاني ) ، منشورة في الموقع الالكتروني لمجلة نصوص معاصرة بتاريخ 20 مايو 2014.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/08/21



كتابة تعليق لموضوع : نقد كتاب الشيخ المظفر "عقائد الامامية" ... (4)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net