صفحة الكاتب : عباس الكتبي

رجال الإمام الحسن"ع"ليسوا كرجال الحشد!؟
عباس الكتبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يروي الشيخ الطبرسي في"الاحتجاج" أنّه لما صالح الحسن بن علي بن أبي طالب،معاوية بن أبي سفيان،دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته، فقال"عليه السلام":
((ويحكم ما تدرون ما عملت،والله للذي عملت لشيعتي خير ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت،ألا تعلمون أنّي إمامكم ومفترض الطاعة عليكم،وأحد سيّدي شباب أهل الجنة بنصّ من رسول الله( صلى الله عليه وآله)عليّ؟ )).
قالوا:بلى،قال: 
((أما علمتم أنّ الخضر لمّا خرق السفينة ،وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران"عليه السلام" إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عندالله تعالى ذكره حكمةً وصواباً؟ أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلاّ يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم"عج"،الذي يصلي خلفه روح الله عيسى ابن مريم"عليه السلام"؟)).
في هذا الكلام قد بيّن الإمام الحسن عليه السلام،العناوين والخطوط العريضة للحكمة من صلحه مع معاوية، والرؤية السياسية الواقعية الصالحة، لحفظ الأمة الاسلامية عامة،ولشيعته خاصة،دون ان يخوض بتفاصيل الأسباب التي دفعته الى الصلح، ولكن"سلام الله عليه"أشار اليها بأستشهاده بآيات من القرآن،كآيات موسى والخضر عليهما السلام،وان كان بيّن"عليه السلام"بعض هذه الأسباب في المواضع التي قام فيها خطيباً، وسنأتي على ذكرها بعونه تعالى.
معاوية ابن أبي سفيان"عليه لعنة الله"،أرسى دعائم ملكه في الشام زمناً طويلاً،ينفق ويغدق الأموال عليهم،فكانوا أهل الشام يعيشون في النعمة،والرخاء والرفاه على حساب بقية المسلمين،حتى أصبحوا يطيعونه طاعة عمياء،ولا يعصون لمعاوية أمراً ان كان حق أو باطل،حفر معاوية بئر عميق،وشرك سياسي شيطاني،ليطيح فيه بالامام الحسن عليه السلام،عندما عرض على الامام مبادرة الصلح،وهو بحالة القوة والقدرة،والأعتزاز بالنفس،ورضى لنفسه بكل شرط يشرطه عليه الإمام، ظناً منه ظن الواثق كل الثقة،ان الامام الحسن عليه السلام،سيرفض هذه المبادرة.
مما يعني ان رفض المبادرة لا خيار آخر غير الحرب، ومن ثمة تبرير قتل الحسن والحسين عليهما السلام،وأهل بيتهما،وبني هاشم،والشيعة جميعاً، الذين يشكلون عقبة أمام طموحات ورغبات معاوية في القضاء على الإسلام الأصيل، المتمثل في أهل البيت عليهم السلام، وتوسيع سلطانه،وخاصة ان معاوية لديه القدرة في تمرير مبراراته،وأقناع الناس بالحجج، وبالذات أؤلئك الذين ينظرون الى ظواهر الأمور ويحكمون عليها،ولا توجد لديهم معرفة أو بصيرة في بواطنها، وما اكثرهم ولكن المفاجأة لم يتوقعها معاوية رغم دهائه،انه الإمام قد قبل بالصلح وشرط عليه شروط لا يستطيع معاوية تنفيذها،فوقع بالفخ،وسقط بالبئر الذي حفره للإمام،وفشلت مخططاته الشيطانية،عندما اضطر على توقيع وثيقة الصلح.
أنزعج معاوية اشد الانزعاج،وغضب غضباً شديداً من التوقيع على الوثيقة، فلم يصبر ويتحمل الامر،فسرعان ما بان ما كان يضمره من نوايا،وكشف وجه الحقيقي، عندما مزق وثيقة الصلح امام المسلمين،رافضاً جميع الشروط التي فيها،فبعد توقيع الوثيقة توجه معاوية الى الكوفة،ونزل بالنخيلة، وصلى بالناس يوم الجمعة وخطب فيهم فقال في آخر خطبته:
((إنّي والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم،وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون،إلاّ وإنّي منّيت الحسن وأعطيته أشياء،وجميعها تحت قدميّ لا أفي بشيء منها)).
من الاسباب التي دفعت الامام الحسن عليه السلام للصلح مع معاوية، والتي ذكرت على لسان الامام الحسن عليه السلام،هي غدر وخذلان قادة الجيش بالامام عليه السلام،وذهابهم مع معاوية،فأستعمل هذا الأخير سياسة الترغيب والترهيب في معسكر الامام،الذي اخترقه معاوية بالجواسيس والعيون،فقاموا يبثون الشائعات،وشراء الضمائر،حتى أشتروا من القادة البارزين عشرين الف رجل،امثال:(عبيدالله بن العباس الذي هو ابن عم الامام،وقد قتل معاوية ولدين له من قبل،والكندي،والمرادي)، وهذا ما ذكره الامام عليه السلام في كتابه الى معاوية:((امّا بعد،فإنّك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال، وارصدت العيون كأنّك تحبّ اللقاء، وما أشك في ذلك،فتوقعه ان شاء الله)).
كما ذكر الإمام سلام الله عليه،في عدة مواضع وهو يخطب باصحابه، كقوله:(قد اخبرتكم مرة بعد مرة انّه لا فاء لكم،أنتم عبيد الدنيا)،وقوله:(قد اخبرتكم مرّة بعد اخرى انّكم لا تفون لله بعهد)،وقوله:(إنّي لأعلم انّكم غادرون ما بيني وبينكم،والله لا تفون لي بعهد،ولتنقضن الميثاق بيني وبينكم)،بعد ان بايعوه على ان يكونوا سلم لمن سالمه،وحرب لمن حاربه،بل ان معاوية قام بشراء كثير من زعماء القبائل،ووعدوا معاوية بتسليم الامام الحسن"عليه السلام' له،ان قرب معسكره من معسكر الامام.
المرجعية الدينية،تمثل الامام المعصوم،بعد الغيبة الكبرى،وهي في مقام النيابة العامة عنه،وعندما أصدر الامام السيستاني"حفظه الله تعالى"الفتوى بالجهاد الكفائي، هبّت الملايين لإستجابة الفتوى بالجهاد،ونزلوا الى الشوارع،وحتى من غير الشيعة استجابة لفتوى الجهاد ضد أرهاب داعش،وسطروا أعظم البطولات والملاحم في المعارك التي خاضوها،حتى تحقق النصر المبين على أيديهم،فياليت هؤلاء الرجال اليوم بجندهم وقادتهم،كانوا رجال الامام الحسن"عليه السلام' بالأمس،لما تحسر وقال:(ولو وجدت أعواناً ما سلّمت له الأمر،لأنّه محرم على بني أميّة،فأفّ وترحاً يا عبيد الدنيا).
اقول:ان الامام الحسن عليه السلام، حفظ الأمامة المتمثلة بشخصه الكريم، وبأخيه الامام الحسين عليه السلام، وحفظ الخلّص من شيعته،والذي قال عنه عليه السلام:(خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت)، لكن كثير من الناس لا يدركون الامور، ولا يعرفون وجه الحكمة منها،لذلك يعترضون وينعقون مع كل ناعق.
فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة،لولا صلح الامام الحسن عليه السلام،لما كانت كربلاء أو تكون،وابتلاء الامام بالصلح،لا يقل شأناً عن بلاء اخيه  الامام الحسين عليه السلام،وأن هذا لهو البلاء العظيم! 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عباس الكتبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/11/09



كتابة تعليق لموضوع : رجال الإمام الحسن"ع"ليسوا كرجال الحشد!؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net