الى أي حدٍ يتوجب على العمل الفني أو الأدبي أن يكون (وثائقياً) حاله كحال كتب التأريخ التي (يُفترض) أنها تقول الحقيقة؟
و هل من الممكن أن يعالج الفن أو الأدب الأجنبي بشتى أشكاله قضايا ومشاكل (محلية) تعاني منها مجتمعات (أخرى) فيُستنبَط منه حلولاً لمشاكل تعاني منها تلك المجتمعات؟
والى أي مدى يمكن الوثوق بالأدب (وهو فن من الفنون) كمصدرٍ من مصادر استكشاف المسكوت عنه والمحظور والمخفي في سراديب المجتمع؟
الى أي حد يمكن الوثوق بشهادة مجنون يبلّغُ عن جريمة قتل (هاملت مثالاً)؟
هل الفن محاكاة كما قال افلاطون أم هو إعادة خلق (ابداع) لعالمٍ موازٍ؟
ولنختصر كل هذه الأسئلة بسؤال جوهري فنقول:
هل يكشف الفن بطبيعته الحقائق أم يزيفها؟ وهل الأمر مرهونٌ بطبيعة الفن أم بنيّة الفنان وقصده أم بتفسير المتلقي؟
ان لكل عملٍ فني أو نصٍ أدبي (باعتبار الأدب فناً من الفنون) قوانينه الخاصة به التي تحكمه، ومفاتيحه الموجودة في طياته، والتي يصبح العمل أو النص من دونها كصخرة صماء بلا فائدة أو كحال صحيفة بائته لا يرجى منها نفعاً غير تنظيف الزجاج وتغليف أشياء يخشى عليها من العطب.
فبالقصة الرمزية Allegory تصبح خرافة الضفدعة التي أرادت اخافة الثور الذي يرد البركة فيطأ بأظلافه الضفادع بنفخ نفسها ليزداد حجمها حتى انفجرت، تصبح ذات معنى وعبرة. ان اطار القصة الرمزية Allegory الذي تُقّدم به (خرافات ايسوب)1 اجمالاً، يُنبئ القارئ أن خرافة الضفدعة التي أرادت اخافة ثور يرد البركة فيطأ بأظلافه الضفادع، لها معنىً وعبرة، اذ تلجأ الضفدعة الى نفخ نفسها بابتلاع الهواء ليكبر حجمها حتى تنفجر، فالقصة تُحيل القارئ الى عالم البشر. ألا نُصاب نحن بـ (انتفاخٍ) طوعي رغبة بأن نبدو أكبر من حجومنا أمام الآخرين؟! أليس منا من يحرص على اقتناء سيارةٍ ذات دفع رباعي ليوهم الآخر أنه شخصية "رباعية الدفع"؟! و نتظاهر بالغنى ونحن فقراء وبالصحة والقوة ونحن مرضى ضعاف وبالشباب ونحن هرمين. تلك الأقنعة التي يكشف عنها ت. أس اليوت في قصيدته (اغنية حب جاي ألفريد بروفروك)، والتي دأب المجتمع البشري على اكراهنا على ارتدائها.
ان لوحة بيكاسو )الغورنيكا (Guernicaتحمل من القوة التعبيرية عن بشاعة الحرب ما جعل النقاد يعدونها تحفة فنية ورمزاً لرفض الحرب هو الأكثر قوة في التأريخ.2
وبالإسقاط Identification يصبح المخلوق الخيالي الأزرق في فلم Avatar لمخرجه جيمس كاميرون، نحن.3 فيرى مناصري الطبيعة والبيئة (حقيقة) العلاقة التي تربط المخلوقات الزرق ببيئتها من حيوان ونبات، ويصبح التحلق حول (شجرة الأسلاف) في الفلم طقساً روحياً تتواصل فيه الشخصيات (والمشاهد) مع ذواتهم الداخلية، فلا يبدو ما قاله الشاعر الأمريكي (ثيودور رويثكي) مرة غريباً لما قال أنه في احدى المرات كان له "تجربة روحية مع شجرة"، أو أنه مرةً صار ماءاً.
وما الحقيقة؟
أهي شيء موضوعي قد نصل اليه فنمرره الى أبنائنا كصيغة كيميائية أو معادلة رياضية لا لبس فيها... فيدخلون الفردوس الأعلى؟! أم أنها أمر نسبي وشخصي يختلف باختلاف الفرد والقابلية والظرف والسياق والمجتمع؟
لماذا سمي الفن أو الأدب الواقعي واقعياً؟
هل لأنه يقدم عينة أو شريحة من الحياة slice of life فيصور الواقع تصويراً فوتوغرافياً بلا رتوش أم لأنه قائم على فكرة جمع شظايا واقعٍ يعجز الانسان عن تفسيره فيسعى لإيجاد معنى وابتكار نظام أو نسق تُرَتّب به هذه الشظايا كقطع الميكانو التي يلهو بها الأطفال ويعمل بها المهندسين؟
هل تنقل هذه المقالة شيئاً من الحقيقة أم أنها تزيفها؟
هل أنت حقيقي أم أن هذا ظلك؟
1. http://www.latefah.net/artic5/%D8%A5%D9%8A%D8%B3%D9%88%D8%A8.PDF
2. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%BA%D8%B1%D9%86%D9%8A%D9%83%D8%A7_(%D9%84%D9%88%D8%AD%D8%A9
3. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%81%D8%A7%D8%AA%D8%A7%D8%B1_(%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85_2009)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat