صفحة الكاتب : د . عبد الحسين العطواني

تشكيل الحكومة العراقية ومرحلة البناء
د . عبد الحسين العطواني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لايختلف اثنان على ان الاحزاب العراقية الحاكمة لم تنجح في تادية ادوارها الوطنية وبرامجها السياسية التي اعلنت عنها والمطلوبة منها ، والاستمرار في تأدية ادوارها الالهائية والمدائحية والاستمرار في ترويج الاكاذيب ودغدغة المشاعر وفي الاستخفاف بمستوى ادراك رجل الشارع باعتبارها اللغة واللعبة الوحيدة التي تتقنها الى الآن ، بل ان نجاحها لم يتحقق الا بتغيير اساليبها وفعاليتها عن طريق الحقيقة – للمجتمع الداخلي ، واضحة بلا رتوش مصحوبة بروح التضحية والثقة في تجاوز المحن والازمات ، وبالحلول والافكار والمساهمات الفعلية لتي تساعد على تصحيح الاخطاء والتفوق على الكبوات . وبهذا المعنى استرق النظام العراقي من الديمقراطية مايفيده لاعادة انتاج الطائفية لتستخدم مصدر غني للديمقراطية وليس العكس ، في مجتمع يختلط الولاء الديني بالمنهجية السياسية ، لذلك اصبح من الصعب على هذه الطوائف ان تعيش في حيوية دينية وتقيم التصاقا بينها في الحياة العامة ، لاسيما عندما يمتلك بعضها افضلية على البعض الاخر من حيث الولاء الخارجي ، ووسائل الضغط ، وغيرها من الاساليب الاخرى بغض النظر عن المبررات ، دون ان ترتكزعلى عقد اجتماعي اومسار تحرري استقلالي تتخلى فيه الفئات عن امتيازاتها لتعيد الدولة توزيعها على المجتمع ، ومن هنا يمكن القول فان الواقع العراقي تلقف فكرة الديمقراطية والتعددية الحزبية دون تلقف شروطها ، واصبح من الصعب على المرء ان يزعم بان المشروع العراقي كان يعمل على تقوية الدولة . من خلال حكم المحاصصة التي عملت على ارسائها التدخلات الخارجية ، والضغط بتنصبت الانظمة والرموزالحارسة لمصالحها الاستراتيجية في البلاد ، ولو وجدت هذه الدول ضيرا في هذه الرموز في التعامل مع مصالحها ، لعملت على استبدالها منذ اليوم الاول لتنصيبها . واصبحت اغلب القوى السياسية في هلوسة مستدامة نتيجة عقم في فهم الواقع السياسي واصول السياسات ، بدعوى ان طبيعة الحكم في هذا البلد لايمكن اخذه الا بصيغة التعددية الطائفية وان البعض يبالغ في القدرة على امكانية التغيير ، وانعكس الامر على تعثر تشكيل الحكومة رغم الجهود الحثيثة من قبل المكلفين لهذا الغرض باعتماد برنامج الاصلاح لحل الازمة ، على قاعدة الابتعاد عن المحاصصة الطائفية السياسة ، والغاء الامتيازات ، وتوظيف الكفاءات ، والقضاء على الفساد ، وانشاء الخدمات لتصبح عاجزة امام ضغوط الكتل والاحزاب البرلمانية ، ويظهر الصراع واضحا على تقسيم المغانم بين هذه القوى كاستحقاق انتخابي لايمكن التنازل عنه ( لتمويل احزابهم ) . هذا الخلاف بين الكتل والاحزاب في اعلى الهرم الفكري والسكاني لايمثل القاعدة الجماهيرية العريضة لذلك الهرم والتي لاتزال متمسكة بأنتمائها وهويتها ، وهو خلاف مايعالج هموم تلك القاعدة ولا يتناسب مع اهتماماتها ، وخسر المجتمع نهضته العلمية وخسر فاعليته الحضارية ، وخسر ادواته النهضوية ، وانتهت صراعاته الطائفية لاغالب ولامغلوب ، وبهذه الخصوصية الفكرية والايديولوجية ، كانت حافلة ا لمجتمع العراقي المتهورة تشق طريقها نحو منحدر المستقبل المحفوف بكل صنوف المخاطر والتحديات والمآزق الشرسة ، وهي غير مزودة بأبسط وسائل السيطرة . لذلك لم تنجح تجربة العراق الديمقراطية الى بناء نموذج عصري , بل كونت افكارها ومواقفها بما تستدعيه مصالحها الشخصية والاستحواذ على السلطة واتخاذ القرار ، ورافضة لحقيقة انتصار الطرف الاخر بروح تسامحية ، بسبب سوء الرؤية وعدم الوضوح في الهدف ، او بسبب الاخفاق في اختيار الوسائل وفي تحديد النتائج ، وأبت الا ان تتعامل مع تلك الفرصة النادرة بعقلية قائد المركبة المتهور ، ومحجمة عن التعاون الايجابي مع الطرف المنتصر بدلا من الانجراف وراء مصالحها وقناعاتها الفكرية المضادة الى مصالح الطرف الاخر وقناعاته ، اشبه ما تكون بتلك الحافلة البائسة ، وبدلا من ان تنسق هذه الاطراف جهودها وتتعاون معا لانقاذ الحافلة وانقاذ انفسهم ، فقد كان الخاسرون في الحكم يتعنتون في سبيل افشال جهود الرابحين ، وكان الرابحون يتعنتون في سبيل اهمال قدرات الخاسرين ، دون اعطاء الاهمية لخطر التتدهور المحدق بالمجتمع ، بل كانوا لايبخلون لاحباط المحاولات الناجحة عن الوصول الى هدف اعادة البناء واعادة الثقة واعادة الروح ، او يعيقوا حركتها ،كي لاتسجل كانجاز لهذا الطرف او ذاك ، وبهذا التحارب الشقاقي ، بقيت صورة المجتمع دائما حافلة بالمخاطرواصبحت قيادتها تواجه صعوبة بالغة ، لا لكي تصل الى محطتها الاخيرة بأقل قدر من الخسائر ، ولكن لئلا تنحرف من مسارها وتتدهور وتتحطم ، وهي ماتزال في اول الطريق ، هذا الخلل في الفهم ، وهذا العجز في التطبيق ، هو ذلك الجهل نفسه الذي يولد العداوات بين الفرقاء , وهو الذي قاد المجتمع بالتبعية الاقليمية والى التدخلات الخارجية ، والى تشجيع حكومة اقليم كردستان التفرد بالقرارات ، والتنصل عن التزاماتها بتسليم عائدتها النفطية لحكومة المركز , والاستحواز على واردات المنافذ الحدودية ، وبالتالي اضاعة الوقت على ارض الواقع في الصراع الفكري ومفاقمة الشرخ بينهم ، لتبتعد عن الوصول الى صيغة مناسبة ومقبولة ومجدية لمحاولة اعادة البناء واعادة الثقة ، من خلال تقبل الاخر واحترامه ومن ارضية الاحتكام الى الحوار العقلاني القائم على الحجة وعلى الدليل العلمي ، لا على المساجلات الفارغة والوطنيات المزيفة والملغومة التي تروج لها بعض وسائل الاعلام المأجورة . لذلك من المفترض بهذه الكتل ونحن نستبشرخيرا انشاء الله بحكومة جديدة ، توحيد الصف بجميع فئات المجتمع وجماهيره واطيافه الفكرية والدينية والاثنية ، ويجب ان تتناسى الشروخ التي تفصل بينها ، وان تتفق على الوقوف في خندق النهوض ، لاسيما وان العراق يتعرض حاليا الى هجمة داعشية جديدة تهدف الى احتلال مدنه واعادته الى الصراعات الطائفية على خلفية تصويت البرلمان بخروج القوات الاجنبية ( في اجواء امريكية غامضة بين اسناد سري للدواعش ، وتأييد علني للكاظمي) ، وهذا الهدف يجب ان يمثل عنوان برنامج العمل للمرحلة البنائية المقبلة، وفق معطيات البرنامج الدفاعي والاعماري المطروح من قبل حكومة الكاظمي لانقاذ البلد ، وبناء عليه فأن هذا البرنامج يجب ان لا يكون قابلا للاحتكار من قبل فئة على حساب فئة اخرى ، بل بمعيار المصلحة العظمى للمجتمع ، ويكون الخلاف مرفوضا ومحكوما عليه بعدم الصلاحية وبعدم الجدوى ، وبذلك تبقى الخلافات الايديولوجية والفكرية والعقيدية مجرد قناعات شخصية لاصحابها المخلصين لقضيتهم ولمبادئهم ، وان لا يكون مكان بين هذه الصفوف لمن لديهم اطراف يعملون لصالحها ، لتكون المصالح الاستراتيجية الكبرى للمجتمع ، وهي مصالح يحتاج تحقيقها الى تضحيات والى صبر والى استشراف للمستقبل والى التمرحل الممنهج في بلوغ الاهداف ، والابتعاد عن صراع المصالح ، ولو كان ذلك على حساب تأجيل بعض القناعات الضيقة والمكاسب التي لاتحقق نموا حقيقيا في الناتج المحلي ، سوى تحقيق الاطماع الشخصية والتوسعية ونهب ثروات البلد على حساب الفقراء والمحرومين .ي


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الحسين العطواني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/05/17



كتابة تعليق لموضوع : تشكيل الحكومة العراقية ومرحلة البناء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net