التقييم والنقد المنصف:ومَا أَشَدَّ بَيَاضَ أَسْنَانِهِ!
د . رعد هادي جبارة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . رعد هادي جبارة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كلنا نمارس النقد في حياتنا اليومية؛النقد للأشخاص والظواهر والاشياء. ولكننا في الغالب نمارس الانتقاد او الانتقام ^حيناً^وليس النقد .
فالنقد لغةً: هو تمييز الدراهم وغيرها والكشف عن صحيحها وزائفها.
والنقد اصطلاحاً: دراسة الاشخاص والأعمال والاشياء والكشف عما فيها من جوانب [القوة أو الضعف] وتشخيص [الجمال أو القبح] ثم إصدار الأحكام النقدية عليها.
ولنأخذ مثلاً في حياتنا المعاصرة:"شرب الخمر" وهو من أقبح الافعال وأشدها حرمةً وهو حرام بإجماع المسلمين ولا نقاش في ذلك.
لكن لفت نظري في الآية الكريمة التي تحرّم شرب الخمر أن الله عز و جل حتى و هو يريد تحريم الخمر و الميسر يتطرق الى "نفع" فيهما ويستدرك قائلا:
*{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ"مَنَافِعُ" لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}* [البقرة/الآية 219]
وهذا يجسد لنا طريقة النقد البناء و المنصف.
فربنا و رغم أنه ينهانا عن شرب الخمر النجس وينبهنا الى حرمته ،لكنه في مورد النقد والتقييم المنصف يقول (قل فيهما إثم كبير و *"منافع"* ).
ولم يقل (ليس في الخمر الا الإثم الكبير و الضرر البالغ و النجاسة و المعصية و الإنحراف).
ولو عكسنا ذلك على واقعنا المعاش، فعندما نريد أن ننقد شخصا ما أو ظاهرة ما ( كالتنظيم الإسلامي أو أحد رموزه و شخوصه) فعلينا أن نكون منصفين و لا نسوّد الصورة ونمارس التسقيط و الإنكار لأي جوانب إيجابية أو فوائد عملية ،حالية و مستقبلية، في التنظيم الإسلامي [أوصيكما بتقوى الله و نظم أمركم] كما يقول الإمام علي عليه السلام الذي يقول كذلك[ عَجَباًـ وَاللهِ ـ يُمِيتُ القَلْبَ وَيَجْلِبُ الهَمَّ مِن اجْتَِماعِ هؤُلاَءِ القَوْمِ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ!!].
عندما يكون العقلاء والواعون بصدد تقييم قضية معينة او زعيم ما فإنهم يطرحون الإيجابيات و السلبيات.
قال تعالى في ثلاث سور:
*{وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}* [الاعراف/85] [والشعراء/183] [و هود/85]
ثم ينهى الله أن يكون للحب والبغض مدخلية في النقد و التقييم و العدل:
ۖ *{وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلىٰ أَلّا تَعدِلُوا ۚ اعدِلوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوىٰ}* [سورة المائدة/الآية 8]
درس عملي آخر في النقد والتقييم المنصف:
(رسول الله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ مِنَ الْحواريين، و كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ سَائِرًا مَعَهم فَأَتَوْا عَلَى جِيفَةِ كَلْبٍ أَنْتَنَتْ فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ مَعَهُ أَخَذُوا بِآنَافِهِمْ حَتَّى اجْتَازُوا الْكَلْبَ، أَمَّا سَيِّدُنَا عِيسَى فلَمْ يَفْعَلْ.
فَقَالُوا بَعْدَ أَنْ تَجَاوَزُوا هَذِهِ الْجِيفَةَ: مَا أَشَدَّ نُتْنَ هَذَا الْكَلْبِ.
فَقَالَ عِيسَى ع: ومَا أَشَدَّ بَيَاضَ أَسْنَانِهِ.
فَقَالُوا لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ هَذَا؟!!
فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ لا أُعَوِّدَ لِسَانِي الذَّمَّ!) فلنكن إيجابيين في تقييمنا ،و لنعطي طاقة إيجابية في أقوالنا وكتاباتنا.
☆الأمين العام
للمجمع الدولي للقرآن
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat