صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

قراءة في سورة يوسف (عليه السلام) ( 8 )  رؤيا الملك
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تحدثنا سورة يوسف (عليه السلام) ان ملك مصر رأى في منامه سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات، هذه الرؤيا اقضت مضجع ملك مصر، واصبح يبحث لها عن تأويل اذ احس ان هذه الرؤيا توحي بأشياء مهمة، ومن هنا نستكشف ان الذهنية البشرية كانت ولا تزال تتأثر بما تراه في المنام، والقرآن الكريم عندما يخبر عن رؤيا ابراهيم ورؤيا يوسف (عليهما السلام) ورؤيا ملك مصر ورؤيا صاحبي السجن، يريد  ان يؤكد حقيقة ان بعض الرؤى حق وانها احدى الطرق التي يخبر الله تعالى العباد بما يراد لهم ليقوموا بما يتوجب عليهم لمعالجة ما سيقع في مستقبل الايام، وهذا نحو من انحاء ادارة امور العباد بصورة غير مباشرة.
كما ان عجز المقربين من الملك عن تفسير رؤياه يكشف ان العلم البشري مهما تطور فإن هناك حقائق كونية تكون غائبة عنه وتكشف للانسان انه مهما اكتشف من علوم فان هناك علوماً اخرى لم يكتشفها بعد وحقائق كونية لم تزل غائبة عنه:
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ، قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ﴾  
وفي خضم ذلك الحدث الخطير الذي يموج به قصر ملك مصر، وعجز المقربين من الملك في ان يجيبوه الى تفسير الرؤيا التي سلبت النوم من مقلتيه، يبرق في ذهن الساقي الذي نسي يوسف (عليه السلام) لسنوات متعددة ان هناك من يستطيع ان يعبر رؤيا الملك ويخرج البلاط من الحيرة التي وقع فيها، فطلب الى الملك ان يأذن له بالذهاب الى يوسف (عليه السلام) ليأتيهم بما يزيح عنهم الكرب الذي الم بهم، وفي هذا المقطع فائدتان الاولى ان العالم الذي يعمل بعلمه سوف يلجأ اليه المجتمع البشري يوماً مهما سعى الظلم الاجتماعي الى اخفاء صوته وعزله عن الساحة واقصائه وتهميشه، والثانية ان بعض الناس قد ينسون فضل من احسن اليهم ووقف معهم من غير قصد سيء وربما يأتي اليوم الذي يؤدون فيه الحق الذي يجب عليهم، الثالث ان الفضيلة حاكمة على النفوس ولا ينسى من عاشر ذوي القلوب الطاهرة والخصال الكريمة ما انطوت عليه افئدة الصالحين من صفات الكمال وخصال الخير وانهم الملجأ الذي تؤوي اليه قلوب الظامئين وعقولهم لينهلوا من عذب معينهم الصافي:
﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ، يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ 
كما تحدثنا سورة يوسف (عليه السلام) عن مسالة اخلاقية غاية في الاهمية وهي بذل الحلول وعدم احتكار المعلومة  في حال الحاجة اليها، وهذا ما جاد به يوسف (عليه السلام) في سجنه عندما جاءه الساقي يخبره عن رؤيا الملك وعن الاضطراب الحاصل في البلاط، فلم يسع يوسف (عليه السلام) لاستغلال الوضع لصالحه مع ان له الحق في ذلك فهو السجين ظلماً وعدواناً، الا ان يوسف (عليه السلام) بذل المعلومة مجاناً واخبر بها الساقي كي يتمكن المجتمع المصري من تجاوز المحنة القادمة بنجاح:
﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ 
يوسف (عليه السلام) في هذا المقطع من السورة الشريفة لم يفسر لهم ما سيحدث في مستقبل الايام فحسب، بل قدم لهم الحلول الناجعة التي عجز شخصيات البلاط عن معرفتها والوصول اليها.
الخلاصة
خلاصة هذا المقطع من السورة الشريفة:
1.  ان الله تعالى يبلغ عباده بنحو واخر كيف عليهم ان يقوموا باعمال من شانها انقاذ المجتمع البشري مما سيتعرض له في مستقبل الايام.
2.  رسمت يد الغيب تحديد المسار اللازم لانقاذ البشرية وانفاذ العدل والتاسيس لاقامة دين الله على الارض، فالرؤيا دفعت الملك للبحث عن سبل تفسير الرؤيا التي اقضت مضجعه، سجن الساقي وتعرفه فيه على يوسف (عليه السلام) واطلاقه بعد ذلك وقربه من الملك ونسيانه لقصة يوسف (عليه السلام) حتى زمان الرؤيا، ثم بعد ذلك استيزار يوسف (عليه السلام) حققت ذلك المجموع، وهذا يكشف عن دور يد الغيب في رسم مستقبل الاحداث في اطارها الفردي والمجتمعي والاممي.
3.  ان القيم الروحية تستبطن حب الانسان والعمل على حفظه وسعادته، ولذا لم يبخل يوسف (عليه السلام) بما لديه من علم في تفسير رؤيا الملك، وبيان الخطر الذي يتهدد مستقبل المنطقة ومستقبل مصر، وما هي السبل التي يتعين على قيادة الدولة في مصر القيام بها لتجاوز الازمة التي يمرون بها، فيما كان يمكنه (صلوات الله عليه) السكوت عن كل ذلك وترك الناس لمستقبلهم المجهول انتقاماً لنفسه مما حاقه من الظلم، خاصة وان المجتمع الذي سيتعرض للجوع مجتمع وثني فلِم يبذل لهم يوسف (عليه السلام) النصح، من هنا يتضح لنا ان القيم الروحية للدين تتعاطى مع الخلق كعبيد لله، وان على من يحملون القيم الالهية ان يقدموا لهم النصح في جميع الميادين للنهوض بهم كمجتمع بشري ثم بعد ذلك يكون الانسان هو المسؤول عن اختيار الطريق الذي يؤدي به الى سعادة الاخرة او شقائها.                                                  

    لمتابعة مقالاتنا السياسية والاجتماعية عبر التلكرام انضم عبر الرابط                                                                                                                                                                                    

https://t.me/abdulsettaraljabbiryploticalstud                                                                                                                                                                                                          


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/21



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في سورة يوسف (عليه السلام) ( 8 )  رؤيا الملك
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net