صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ الفُلك الجارية في اللُجج الغامرة.. أين الشعبانيون؟(3)
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أمان لأهل الأرض من الغرق والهلاك فلولاهم لساخت الأرض بأهلها. سفن نجاة من الضلالة والإنحراف والتيه والضياع. تؤكد هذه الصلوات المباركة على حديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله بالتمسك بعترته الطاهرة ففي ذلك نجاتنا في الدنيا والآخرة : "مَثَلُ أهل بيتي فيكم مثلُ سفينة نوح مّن ركبها نجا ومَن تخلف عنها غَرِق ـ أو هلك ـ ". لم تكن سفينة عادية تلك التي أشار إليها رسول الله ص. إنها سفينة نوح النبيّ عليه السلام، سفينة خاصة يقودها نبيّ الله بأمر الله تعالى، وجهتها معلومة فلم تبحر وتشق عباب البحر نزهة وسياحة ولا حتى إستكشافا أو تنقيبا عن المعادن أو دراسة أعماق البحار وإرتفاع الأمواج والمد والجزر. سفينة تسع الخلق كله فليست محدودة العدد والمقاعد لكن لم يركبها إلاّ من آمن بنوح عليه السلام وصدّق بما جاء به من عند ربه تعالى وأراد النجاة من الغرق والهلكة. فالطوفان قادم لا محالة ولا عاصم من أمر الله إلاّ من رحم. فمن نجا في الدنيا فاز في الآخرة ومن غرق أو هلك في الدنيا خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين. الدنيا دار عمل وتكليف والآخرة دار الحساب (بالمليم) عندما يصدر الناس لمعرفة ما هو مثبت في سجلاتهم من خير او شر "يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ*فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ". ان مناداة نوح عليه السلام لإبنه بأن يركب  سفينته التي سوف تنجيه من الغرق "وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ" كان رحمة وشفقة من الوالد على ولده وكبده الذي يمشي على الأرض، لكن عناد الولد الشقي وغروره وحساباته الخاطئة بأن الطوفان سوف لا يدركه لأن الجبل سوف يعصمه من الماء أدت إلى تعجيل هلاكه، فلم يكن للولد المتمرد الشقي ما أراد، وكان ما أراد الله وشاء. "أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ".
كما نوحٍ النبيّ من قبل فقد نادى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أمته  شفقة منه عليها ورحمة بها لعلمه بأنها سوف تتفرق من بعده وسيكون الطوفان قادم أيضا لا محالة، لكنه طوفان من نوع آخر، طوفان الفتن والبدع والضلالة، طوفان النفاق والرياء وأكل أموال اليتامى باسم اليتامى ومحاربة الدين وأهله بإسم الدين، وظلم الآخرين باسم الدفاع عن المظلومين، هكذا هي مقاييس الدجالين على مرّ العصور. أمر النبيّ أمته أن تكون على درجة كبيرة من الوعي والفطنة والحيطة والحذر وأن تعرف الحق وأهله فتنصرهم بأن تكون ملازمة لأهل بيته لا تتخلف عنهم ولا تتقدم عليهم "المتقدِّمُ لهم مارقٌ، والمتأخِّر عنهم زاهقٌ، واللازمُ لهم لاحق". فالنجاة لمن لازمهم وتمسك بحل موالاتهم وسار على هداهم وإقتدى بهم سادة وقادة وأولياء لله تعالى وأوصياء لرسول الله المختار. 
ما بالنا أيها السادة الافاضل نرفض هذه الدعوة الكريمة والرحمة والشفقة من نبيّ الرحمة وإمامها  لملازمة أهل بيته الكرام الميامين. دعوة وتحذير من أن الفتن ستطوّق أمته وتعصف بها من كل حدب وصوب. فما أن وُأدت فتنة هناك إلاّ وقد عصفت اخرى هنالك، ولا عاصم إلاّ من رحم الله وركب سفينة آل محمد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين وكان زينا لهم وليس شينا عليهم. عن الإمام جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليه انه قال : "كونوا لنا زينا، ولا تكونوا علينا شينا". عبارة شاملة جامعة لكل أخلاق أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم. ميزان حسن الولاء لأهل بيت النبيّ المختار صلى الله عليه وآله وسلم. هل نحن فعلاً زينا لهم؟! هل نحن فعلاً قد طلقنا الدنيا ثلاثا ولا تعني لنا (الدنيا) إلاّ دارعبور ومرور ودار تزود بخير الزاد؟! إن الصلاة على محمد وآل محمد ليست بالتلفظ فقط وإنما هي بالتلفظ والعمل على محاربة هوى النفس الذي هو رأس الشرور ومقدمة الإنحراف والضلال. الصلاة على محمد وآل محمد وبهذه التأكيدات المذكورة في الصلوات الشعبانية يكون لها أثرا إيمانيا في نفوس المصلين على الحبيب المصطفى وآله. إليكم القصة:
اللهم إجعل همي الآخرة..
هكذا هو المؤمن الحقيقي يجعل الآخرة مراده ومبتغاه فهي نصب عينيه ولا يرى سواها. إن اصابه خير شكر الله عليه ولكنه يدير(قلبه) نحو الآخرة متأملا الحال، فهناك إن اصاب خيرا فقد أصاب كل الخير وحُشِرَ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقا. وإن اصابه شر صبر عليه وسأل الله الفرج ورضاه ولكنه يدير (قلبه) نحو الآخرة متأملا الحال، فهناك إن أصاب شرا فقد أصاب الشر كله وحُشِر مع المعاندين المتكبرين في الأرض بغير الحق. الخلاصة أن المؤمن يشخص ببصره نحو الآخرة فيهون عليه أمر الدنيا ومكرها وتقلبها من حال إلى حال. 
في مطار النجف الأشرف..
والقصة هي أني في مدخل مطار النجف الاشرف وقبل أكثر من عشر سنوات إلتقيت أحد العلماء من مدرسي الحوزة العلمية في دمشق وكان ذلك العالم الجليل والأكاديمي اللامع صديقا لي تجمعنا صحبة قديمة من أيام الحج وكنت أسكن معه في غرفة واحدة فأصبحت صداقتنا ومعرفتنا متينة علماً بأني أقل تلاميذه وأصغر خدامه لكني للأسف لم اتشرف بخدمته بشيء ما لكبير وحسن تواضعه. إلتقيته في مدخل المطار وكان يودع أهله التي كانت تريد السفر إلى خارج العراق فحاول أن يرافقها حتى صالة الشحن عند دخول المطار فلم يسمحوا له بالدخول. كان واقفا ينتظر من يمر به من المعارف ليلتمسه ان يعمل له معروفا. كنت أنا خادمكم ذلك الذي مر به فناداني : يا أبا صادق. قلت : سلام عليكم سلام مقصر بحقكم ولم يلتفت لجنابكم. ردّ التحية كعادته بأحسن منها بعشرة أضعاف ثم قال لي : يا سيد أريدك ان تساعدني وتعمل لي معروفا. قلت : أبشر أيها المولى. قال : جئت مع أهلي مودعا لها وأحببت مرافقتها إلى صالة شحن الأمتعة (چيك إن) كما هو متعارف في بقية دول الخلائق لكن ذلك المسؤول المحترم لم يسمح لي بذلك فهل بإمكانك ان تتوسط لي عنده؟ قلت : أيها المولى انا واسطة ضعيفة جدا ويادوبك إمشّي حالي، لكن لا بأس سوف اذهب إليه وأرجوه لحاجتك عسى أن يرفق بيّ ويحسن إليّ. ذهبت إلى ذلك المسؤول وقلت له أن ذلك الرجل هو فلان وهو عالم جليل وباحث واستاذ أكاديمي واستاذ في الحوزة العلمية وطلبه ان يرافق زوجته لغاية طاولة شحن الامتعة. فقال لي عابسا : لا يُسمح لدخول كائن من كان إلاّ من كان عنده باج مطار. شكرته لحسن الإصغاء على أية حال، وعدت لذلك العالم الجليل واخبرته بالجواب حرفيا فما كان منه إلاّ أن جلس أرضا وهو يبكي ويقول إلهي العفو. واقعا لم اعرف سبب البكاء لكن عبارة إلهي العفو جعلتني أبكي معه فهي عبارة نقولها دوما لأننا نخطأ ونذنب دوما (أنا وأمثالي). توجه إليّ بعدما توقف عن البكاء وقال لي : يا محمد جعفر لقد تذكرت الآخرة وكيف أنه لا يسمح لدخول الجنّة من لا يكون قد خُتِم له، يعني لا يسمح من لم يكن عنده باج من مولى الموحدين عليه السلام. هذا هو أثر الصلاة على محمد وآل محمد. طلاق للدنيا وتعلق بالآخرة فلا يرى غيرها كلّما حدث حادث. أما أن تكون النتيجة معكوسة فمعنى ذلك لا صامَ ولا صلى!! لقلقة لسان فحسب وربما مغلّفة بالرياء والسمعة!
تعليق..
ذلك العالم والاكاديمي والأستاذ المعتبر لم يغتر بشهاداته وعلمه وسمعته ومقامه بل طلب المساعدة من شخص مثلي أقل ما يقال عنه أنه من خدامة. اين هذا من ذلك الخطيب الذي قال أنه قد حصل على الدكتوراه فقلت له وما عساك تصنع بها عما بأنك قد درست نفس العلوم عندك في الحوزة فلم تأتِ بعلمٍ جديد، ما فائدة أن تدرس الفقة في كلية الشريعة بالمراسلة وأنت طالب في الحوزة العلمية الشريفة، هل تدرس تدرس الكاراتيه وفنون القتال في الحوزة مثلا وذهبت لتدرس علوم الشريعة مراسلة؟ ثم لا أفهم ما معنى دكتوراه في الشريعة؟! فقال لي : احب أن يقال لي سماحة الدكتور الشيخ فلان الفلاني فهذا اللقب يساعد في التأثير النفسي على المتلقي. فقلت له : على رِسْلِكَ يا شيخ! هذا الخطيب المحترم هل إستفاد من ذكر الصلاة على محمد وآل محمد؟! أية مادة منبرية يقدمها لنا هكذا عينّة؟ سوف تفوتنا سفينة آل محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام إن بقي المنوال على هذا الحال ولات حين مندم. هل نفع ابن نوحٍ النبيّ الندم؟ وهل عصمه جبله عن الماء الذي آوى إليه من الغرق؟ سنغرق حتما إن لم نركب سفينة النجاة.
 سفينة آل محمد عليه وعليهم السلام..
مدرسة متكاملة المراحل والمناهج هذه السفينة المباركة، ففيها يحصل الراكب على دروس في الإيمان والعقيدة وحسن الولاء والتخلق بأخلاق الرسول وعترته الطاهرة. (الباج) الذي يكون على صدر الراكب فيها (اللازم للعترة الطاهرة) هو ليس لدخول صالة مطار النجف بل هو لإجتياز الصراط بأمان وإطمئنان وبقدم ثابته راسخة لا تهوى ولا تزل ولا تعثر. باج للدخول إلى صالة (چيك إن) في مكان آخر يعرفه من أعدّ وإستعدّ للوفادة على الحق سبحانه.
 في البحار والمحيطات ترسل بعض السفن وحتى أضخمها حجما وأحدثها تجهيزا وتقنيّة واكثرها أمانا من الغرق،  ترسل إشارات إستغاثة ونجدة وتطلب المساعدة الفورية العاجلة من خطر يداهمها وقد أحاط بها وأخذ يهدد حياة الطاقم وسلامة الحمولة. السفينة العملاقة التي جنحت منذ عدة أيام في قناة السويس في مصر خير شاهد على ما نقول، بل ان هذه السفينة التي تحمل العديد من الحاويات على سطحها، أصبحت موضع تندر وسخرية البعض لعدم جدوى إرجاعها إلى ما كانت عليه قبل أن تجنح وتميل في عرض البحر. والأكثر من ذلك أن الفريق الهولندي المنقذ قال أنها أصعب مهمة واجهته لحد الآن. إلاّ سفينة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهي تبعث إشارات أمان ونجاة من أهوال أمواج بحر لجيّ متلاطم بالفتن والضلالة والتيه والعمى تماما كالذي بيده طوق النجاة ويرميه لمن يرجو النجاة لينجو.
 سفينة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم هي المنقذ لمن يخشى الغرق من الطوفان الجارف والفكر الضال المنحرف.
أيها السادة الأفاضل انه شهر شعبان الأغر شهر رسول الله ص، وما بعده هو شهر رمضان الفضيل شهر الله تعالى الأعظم، لنتصارح مع أنفسنا ونبدأ الجد في العمل، فالوقوف أو أقله التوقف مع النفس وفتح كشف حساب عام بما لها وما عليها مهم جدا في التنبه لما فاتنا ولم ننتبه ونحن نقرأ الأدعية الشريفة ونكتب عنها أو نحاضر بها في مناسبات مختلفة وأماكن شتى ونحن في غفلة من أمرنا. أيُعقَلُ ذلك؟! للأسف الشديد نعم وبلى. وأول الغافلين وفي مقدمتهم هو خادمكم كاتب هذه الكلمات فهي تذكرة لي قبل غيري. يبدو أنه قدري فلا أتقدم أحدا في شيء وإن كان متواضعا إلاّ في الغفلة والتسويف بالتوبة، سبّاقاً قبل غيري المحترم للمعصية وتجاوز بعض حدود الله عز وجل. أذكر هنا القليل من جهالاتي وسوء أفعالي وكثرة ذنوبي وسيئاتي طمعاً بدعوة قاريء كريم له منزلة عند الله يدعو لي بالهداية بظهر الغيب وتلك من الدعوات التي لا يردها الله ان شاء الله. أجل أيها السادة الأفاضل.. لست وإياكم هنا بموضع إسداء النصح للآخرين المحترمين فهم قد نالوا نصيبهم أو بعضه ونرجوا المعذرة إن قصرنا بحقهم، وأنّى لأمثالي عدم التقصير!!!
أنفسنا لها علينا حق محاسبتها، ان نحاسبها اليوم خيرُ من أن تُحاسَبَ غدا. وهل نقوى على الحساب في يوم الحساب. سألني أحد المحترمين عن إحدى فقرات دعاء كميل"وأنت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها وما يجري فيها من المكاره على أهلها على أنّ ذلك بلاءٌ ومكروهُ قليلٌ مكثُهُ يسيرٌ بقاؤهُ قصيرٌ مدتُه" فقال : قصيرٌ مدتُهُ يعني كم مثلاً؟ قلت : يعني كل مدة حياتنا مثلاُ. فلو كان البلاء ـ دفعه الله عنكم وعنا عاجلاً وآجلاًـ كل أيام عمرنا فهذا يهون قياسا للحظة واحدة " لبلاء الآخرة وما يجري فيها من المكاره على أهلها". سفينة آل محمد ص أمان لبلاء الدنيا من التيه والضياع والإنحراف عن المنهج الرباني القويم وصراطه المستقيم، وأمان لبلاء الآخرة الذي نسأل الله تبارك وتعالى ان يجعلنا من الناجين يومئذ وممن فاز بالدرجات العلى. لكن المسألة ليست بمجرد أماني ودعوات لا عمل يدعمها. الدعاء سلاح المؤمن ومفتاح الجنّة لأهميته العقائدية الإيمانية ودوره في التربية وإعداد النفوس وحملها على السير على هدى خير الكائنات والتمسك بعترته الطاهرة، وكما قلنا سابقا فإن ذلك ليس بالتمني والأحلام فلا يُدركُ المُراد بالتمني خاصة عندما يكون المراد هو الفوز بالجنّة والرضوان في دار السلام. مراد كهذا يحتاج لركوب سفينة آل محمد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين فهم باب المراد وأبواب رحمة الله الواسعة.
 الصلوات الشعبانية المباركة التي نعيش أجواءها الإيمانية هذه الأيام وكذلك غيرها من الصلوات والأدعية الشريفة لن تنفعنا بشيء إن كنا فقط نحسن قراءتها ونجيد لفظ كلماتها وربما أبدعنا بالقراءة  في ستوديوهات تسجيل الصوت الستيريو مع التضخيم والتلحين، من يدري فربما غدا حتى مع موسيقى هادئة ناعمة حالمة ساحرة كلاسيكية (شرعية). لست بصدد التعرض لجواز الموسيقى من عدمه فهذا (ليس من تخصصي). لكني أقول وعلى عجالة : 
هل جمال الصوت أهم من نقاء القلب! 
هل الألحان أهم من البكاء من خشية الله!
هل (الهوسة) و(التدبچ) و(الصريخ) أهم من الجلوس بين يديّ الحق سبحانه جلوس العبد الفقير الحقير المسكين المستكين المنكسر النادم بباب المولى الكبير المتعال (مگدي بباب الملك)؟ 
 لقد إستمعت إلى أصوات كثيرة ومتنوعة وحنجرات تصدح بإستوديوهات التسجيل الصوتي والمرئي، لكني لم أسمع أجمل من صوت القلب عندما يكون منقطعا للحق سبحانه. صوت تخنقه عبرات الخوف من الوقوف غدا بين يدي مالك الملك وهو يقول : "يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ". يوم خطير مرعب تقشعر الأبدان من ذكره هنا في هذه الفانية، فكيف هناك والمحاسب هو الله تعالى جبّار السماوات والأرض. ومرة تلو أخرى نكرر بأننا لسنا بموضع التعرض للنصيحة وإنما لنجعل من يومنا الذي نعيشه يوم حساب مصغّر عسى الله ان يرحمنا في ذلك اليوم ويبدل سيئاتنا حسنات فهو اكرم الأكرمين ويقبل اليسير ويعفو عن الكثير.
في بيت الله الحرام..
لم أنسَ ذلك الحاج الذي أبكى كل من سمع كلامه وحتى البعض الذي لا يفهم لغته العربية غير الفصيحة. وقف ذلك الحاج الكريم قبالة الكعبة المشرفة قبل صلاة الصبح وكان التعب قد أخذ منه مأخذه فبدى عليه الإرهاق من السهر وقلة النوم، ثم أخذ يخاطب ربّ البيت الحرام : يا الله لا شك في أن هناك من الحجيج مَن هو أفصح مني لسانا ويخاطبك بفصاحة لسانة فيختار تلك الكلمات التي تليق بجلالة الربّ العظيم. وأن هناك من هو أكثر تديناً مني فيتلو بعض الآيات التي حفظها عن ظهر غيب ثم يسال حاجته. وأن هناك مَن هو يجيد الشعر ونظمه وقد أعدَّ لهذا اللقاء قصيدة تليق بكرم وجهك. وأن هناك من قصدك من فجّ عميق وتحمل عناء السفر ومشقة القصد وهو من ذلك كله لا يملك ثمن إيجار غرفة متواضعة في أرخص الفنادق فإفترش الأرض ملتصقا بجوار حرمك وبيتك العتيق مستأنساً بنِعْمَ الجوار وخير مأتي ومقصود. وان هناك من هي مرضع وقد حملت رضيعها بين يديها تطوف به وسط الزحام حول البيت حتى كاد يختنق لتعذر وصول الاوكسجين فتظطر أن ترفعه عاليا لينفس الهواء دفعا للإختناق، وبعدها تسعى به بين الصفا والمروة ويتكرر المشهد مرّة أخرى، لكنها تشعر بالسعادة تغمرها لأنها قصدتك أنت لا غيرك، فما حال ونفسية ومشاعر وسرور من قصد أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين وحلَّ ضيفا عليه في بيته الحرام؟ وها هي  تعود للطواف مرّة أخرى وقد أقسمت عليك بسيد الكائنات وعترته الطاهرة أن لا تردها إلاّ بغفران ذنوبها ماظهر منها وما بطن صغيرها وكبيرها. ثم رفع ذلك الحاج يديه عاليا وقال : امّا أنا يا الله فلا أجيد نظم الشعر ولا لغتي فصيحة ولست ممن حفظ القرآن عن ظهر غيب فأنا لا أجيد اللغة ونحوها وصرفها وقواعدها ولكني أجيد كلمة واحدة فقط هي : يا الله. فأقسم عليك بحق يا الله أن تجعلني ممن قبلت حجه وغفرت ذنبه يا الله. الكل حول ذلك الرجل بما فيهم ذلك الشاعر ترك قصيدته ورفع يديه وهو ينادي يا الله وقد بح صوته وأحمرت عيناه من شدة البكاء فلم اجد بدا من تقبيل قدميه لشدة إنقطاعه إلى الله تعالى وذوبانه في الدعاء وهو بين يديّ الحق سبحانه وتعالى. يا الله بحق محمدٍ وآلِ محمدٍ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ الفُلك الجارية في الُلجج الغامرة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/27



كتابة تعليق لموضوع : اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ الفُلك الجارية في اللُجج الغامرة.. أين الشعبانيون؟(3)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net