قبل ان نتحدّث عن لقب العباس عليه السلام هذا لابد لنا من وقفة لغوية عند كلمة (القمر) ليتضح لنا سبب هذه الملازمة بين هذا اللقب وبين صاحبه العباس عليه السلام...
القمر في اللغة:
مصدر (قمِر) / بكسر الميم / (يقمَر) / بفتح الميم/ (قمرا) الشيء الذي اشتد بياضه (المنجد في اللغة).
وفي (لسان العرب) قال ابن (قتيبة):ـ الأقمر ـ الأبيض الشديد البياض، وفي اللسان ايضا:ـ يُقال للسحابِ الذي يشتدُ بياضه ـ لكثرة مائه ـ :ـ سحاب أقمر.
وقالوا:ـ أتان قمراء، أي حمارة بيضاء. وقال ابن فارس ـ في معجم مقاييس اللغة ـ :ـ 5/5 2:ـ القاف والميم والراء، اصل صحيح، يدل على بياض في شيء، ثم يفرّع منه، من ذلك القمر، قمر السماء، سُمّي قمرا لبياضه.
وفي هذا المسار، سار الرازي في (مختار الصحاح)، و(الفيومي) المصباح المنير.
وفي ختام هذا المطاف اللغوي يتضح لنا بأن القمر مشتق من (القُمرة) ـ بضم القاف ـ وهي البياض الناصع المنير، وبذلك سُمِّي القمرُ ببعض صفاته، وهي بياضه الشديد الذي يستمده من نور الشمس ليعكسه على الأرض.
والعرب تطلق على هذا الكوكب ثلاثة اسماء، فهم يسمونه هلالا عند ولادته، وتستمر هذه التسمية الى ثلاث ليالٍ، بعدها يُسمى قمرا الى آخر الشهر، فاذا ما استدار كالقرص، وذلك في اليوم الرابع عشر من الشهر سموه بدرا. وجمعه بدور . وربما غلـّب العرب (القمر) على الشمس. فقالوا:ـ القمران، للشمس والقمر.
فلقب العباس (ع) قمر بني هاشم؛ ليس مشتقا من القمر كما يتبادر ذلك الى الذهن بل هو اسم قائم بذاته... لُقـّب به العباس (ع) لشدة بياضه الذي لم يكن عارضا بل كان قد ورثه عن اجداده بني هاشم الذين كان جمال البياض صفة اصيلة لا تخفى على احد حتى قال الكميت بن زيد فيهم:
(الى النفر البيض الذين بحبهم *** الى الله فيما نابني أتقرّب
بني هاشم رهط النبي فانني *** بهم ولهم أرضى مرارا واغضب)
وقال كعب الانصاري شاعر النبي (ص ) في بني هاشم:
(ياهاشما ان الإله حباكموا *** ماليس يبلغه اللسان المفصلُ
قوم لأصلهم السيادة كلها *** قدما وفرعهم النبي المرسلُ
بيض الوجوه ترى بطون اكفهم *** تندى اذا اغبر الزمان الممحلُ)
( بطل العلقمي :ـ 1.. 148)
وكانت العرب تسمي عبد مناف (البدر) وتسمي هاشم بن عبد مناف واخوته (اقداح النضار) والنضار: الذهب، ولقبوا عبد المطلب بـ(البدر). وقال حسان بن ثابت يمدح النبي (ص):
(واحسن منك لم ترَ قط عيني *** واجمل منك لم تلد النساءُ
خلقت مبرّءا من كل عيب *** كأنك قد خلقت كما تشاءُ)
وقال محمد بن الحنفية في خطبته بين الصفين يوم صفين، يمتدح اباه أمير المؤمنين عليه السلام مخاطبا اهل الشام:
(اخسئوا عن القمر الزاهر والبدر الباهر) (بطل العلقمي .. 1..143)
وكان الحسن عليه السلام يشبه رسول الله (ص) في الخلق والخلق. اما الحسين عليه السلام فقد قال عنه الغلام الذي قُتل ابوه في المعركة:
(اميري حسين ونعم الأمير *** سرور فؤاد البشير النذير
علي وفاطمة والداه *** فهل تعرفون له من نظير
له طلعة مثل شمس الضحى *** له غرة مثل بدر منير)
ويحق لأبي الفضل العباس عليه السلام ان يفتخر ويقول:
(اولئك آبائي فجئني بمثلهم *** اذا جمعتنا يا جرير المجامع)
فانحدر ذلك الإرث في الجمال البهي الى العباس عليه السلام فكان قمرا مضيئا في سماء بني هاشم ثم في سماء كربلاء...
قال المرحوم الشاعر الحويزي في قصيدة عصماء:
(في الهاشميين زاه وجه قمرا *** اذا دجى النقع ليلا فهو كاشفه)
وقال الأزري (رحمه الله):
(اللهُ أكبر أي بدرٍ خرَّ من *** أفقِ الهدايةِ فاستشاطَ ظلامُها)
وقال الحسينُ عليه السلام:ـ
(ويا قمرا منيرا كنتَ عوني *** على كلِّ النوائبِ في المضيق)
ويحق لكربلاء ان تفخر ـ شامخة ـ بأن لها قمرين، فهي مضاءة بنور قمر السماء، وبنور قمرها قمر بني هاشم, لذلك هي محط الرحال ومهبط الأبرار ومنار الزوار...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat