الأسبوع القرآني للإمام الجواد "عليه السلام" ( 3 )
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
- الآية الثالثة:
قال تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾. [سورة الأعراف: الآية 99]
* روى الحسن بن شعبة الحراني "رحمه الله" عن الإمام الجواد "عليه السلام": *((تَأْخِيْرُ التَّوْبَةِ ﭐغْتِرَارٌ، وَطُوْلُ التَّسْوِيْفِ حَيْرَةٌ، وَالاعْتِلَالُ عَلَى الله هَلَكَةٌ، وَالإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ أَمْنٌ لِمَكْرِ الله ﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾)).*
إنَّ الرواية التفسيرية الشريفة تبيِّن مسألة مهمة من المسائل التربوية التي ٱستعرضتها الشريعة الإسلامية المقدسة، وبينت ما يتعلق بها، فالآية المباركة في مقام بيان أهمية التوبة ومحاسبة النفس، وعدم الاغترار بالدنيا، من خلال ﭐرتكاب المعاصي وتأخير التوبة، ولأجل أنْ نكون على بينة مما ورد في الرواية الشريفة وما تضمنته نحاول بيان موضوعات ثلاثة بإيجاز:
*- الأول: ما المراد بالمكر الإلهي
ورد أنَّ المراد بالمكر معان متعددة، وإنْ كان الغالب يراد به الخديعة والاحتيال في اللغة، فضلًا عَمَّا يطلق عليه، وقد يراد منه الممدوح والمذموم، وهذا ما أشار إليه الأعلام، وخصوصًا ما يتعلق بالممدوح الذي يطلق على الله تعالى، وما كان له علاقة بالبيان العربي ولسانه، ونذكر بعض ما ورد فيه:
* قال الشيخ الطريحي: ((المَكْرُ مِنَ الْخَلْقِ خِبٌّ [أي غِشٌّ] وَخِدَاعٌ، وَمِنَ الله مُجَازَاةٌ، وَيَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ ﭐسْتِدْرَاجُهُ الْعَبْدَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ، وَفِيْ الدُّعَاءِ الَّلهُمَّ ﭐمْكُرْ لِيْ وَلَا تَمْكُرْ بِيْ، أَرَادَ بِمَكْرِ الله إِيْقَاعَ بَلَائِهِ بِأَعْدَائِهِ دُوْنَ أَوْلِيَائِهِ)).
إنَّ الشيخ الطريحي أراد بيان إمكانية ﭐنصراف المكر إلى العبد وإلى غيره، فيكون الأول واقعًا على المعنى الحقيقي الموضوع له، والثاني على المعنى المجازي، وما يراه العرب من محسنات بديعية، وهذا وارد في الكلام العربي بصورة عامة، سواء في القرآن، أو الحديث الشريف، أو الدعاء، أو الشعر وغيرها. *
- الثاني: أقوال المفسرين* .
إنَّ المفسرين قد ذكروا فيما يتعلق بالآية المباركة أقوال متعددة، نذكر منها:
قال الشيخ الطوسي: ((﴿فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ الله﴾ كأنَّها جوابٌ لمَنْ قالَ قد أَمِنُوا [المكرَ]، والمكرُ أَخْذُ العبدِ بالضرِّ من حيثُ لا يشعرُ، إلا أنَّه قد كَثُرَ ﭐستعمالُهُ في الحيلةِ عليهِ، قالَ الخليلُ: المكرُ الاحتيالُ بإظهارِ خلافِ الإضمارِ، وإنَّما جازَ إضافةُ المكرِ إلى الله لما في ذلكَ من المبالغةِ من جهةِ أنَّهُ قد صارَ العذابُ كالمكرِ على الحقيقةِ؛ لأنَّهُ أَخْذٌ للعبدِ بالضرِّ من حيثُ لا يشعرُ، وأصلُ المكرِ الالتفاتُ، تقول: مكرَ يمكرُ مكرًا إذا ﭐلتفَّ تدبيرهُ على مكروهٍ لصاحبهِ.
إنَّ تفسير الآية الشريفة ظاهر في بيان المراد من (المكر) وما يتعلق به، وما ورد عنه في إشــارات إلى ما جــاء في الروايــة التفسيـرية عـن الإمام الجواد "عليه السلام"، والتي أكدت على أنَّ الاغترار والتسويف وعدم التوبة هو نوع من أنواع الأمن من المكر، وهذا ما يجب على الإنسان أنْ يحذره، وإنَّ في تشبيه العاقل الآمن من المكر بما يغترُّ به من عفو وعدم العقوبة بالذي يبات حذرًا إنَّما هو كمال الأمن من المكر من حيث لا يشعر، وما معنى الرواية إلا للتحذير من ذلك.
*- الثالث: الإصرار على الذنوب.*
إنَّ من أعظم الاجتراء على الله تعالى هو الإصرار على الذنوب والمعاصي، وعد التوبة والرجوع إليه نادمًا من ذلك، وقد حذرت كثير من الروايات المؤمنين من ذلك، سواء كان ذلك في كبائر الذنوب أو صغائرها، فإنَّها مخالفَة للأوامر الإلهية، بل حثت على التـوبة وعد تسويفها والمماطلة فيها، والوثوق بالصحة والعمر، أو المال والأولاد، والغرور بلهو الدنيا ولغوها، وهذا في الواقع هو ما صدر من الرواية التفسيرية للإمام الجواد "عليه السلام" في جميع فقرات الرواية، وخصوصًا في قوله: ((وَالإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ أَمْنٌ لِمَكْرِ الله))، ونحاول أنْ نعرض بعض الروايات الشريفة التي أكدت النهي على ذلك، والحث على التوبة.
١- عن النبي "صلى الله عليه وآله وسلم": ((لَا كَبِيْرَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ، وَلَا صَغِيْرَ مَعَ الْإِصْرَارِ)).
٢- روي عن الإمام علي "عليه السلام": ((أَعْظَمُ الذُّنُوْبِ عِنْدَ الله سُبْحَانَهُ ذَنْبٌ صَغُرَ عِنْدَ صَاحِبِهِ)).
٣- وعنه "عليه السلام": ((أَشَدُّ الذُّنُوْبِ عِنْدَ الله سُبْحَانَهُ، ذَنْبٌ ﭐسْتَهَانَ بِهِ رَاكِبُهُ)).
٤- عن الإمام الباقر "عليه السلام": ((لَا مُصِيْبَةَ كَاسْتِهَانَتِكَ بِالذَّنْبِ، وَرِضَاكَ بِالحَالَةِ الَّتِيْ أَنْتَ عَلَيْهَا)).
٥- عن الإمام الكاظم "عليه السلام": ((لَا تَسْتَقِلُّوْا قَلِيْلَ الذُّنُوْبِ، فَإِنَّ قَلِيْلَ الذُّنُوْبِ يُجْتَمِعُ حَتَّى يَكُوْنَ كَثِيْرًا)).
وللذنوب آثار كبيرة مختلفة على النفس يُحْرَمُ بسببها الإنسان كثيرًا من المنازل والمقامات عند الله تعالى، بل عند الناس في المجتمع، وللتوبة أثر كبير في دفع ذلك والرجوع إلى الله عز وجل، والفوز بالمنازل الرفيعة التي أعدها الله تعالى لعباده التائبين، ففي الحديث عن النبي "صلى الله عليه وآله وسلم": *((لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى الله مِنْ مُؤْمِنٍ تَائِبٍ أَوْ تَائِبَةٍ)).*
فعلينا الحذر من الأمن من مكر الله تعالى بالإصرار على الذنب؛ لأنَّه يُعَدُّ ﭐغترارًا بعفوه تعالى وكرمه، وإمهاله للعاصين كما ذكر الإمام الجواد "عليه السلام".
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat