قال تعالى: «مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا»(1).
هنيئاً لساكنات التحريم، لَكم تنقلت الملائكة بين أجنحتهن، فظفرنها جسراً إلى الجنان ومعراجاً إلى كنه الانسان. هذه الصفات التي هز بينها مهدي، ونسجت قمائطي الأولى تلك اللحظات من الراحة والنقاء التي لم تسجلها الذاكرة، تعيدها التحريم إلينا نميراً بصوت (ابو أنور الشيخ محمود الشحات أنور) صفاتهن حقول خضراء ممتدة تنتظر أن نرتادها ونرتديها، لَكم أخذني الصوت إلى مدارجهن، حيث الغيم سجادة لهن، هنيئاً لصفات كالأبواب تفتح إلى ما يعلو المنتهى بغير منتهى هنيئاً لهن وهن يجاورن امرأة فرعون:
«وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(2).
هكذا ذكرها الوحي لم يذكر اسمها بل قال: (امرَأَتَ فِرعَونَ) ليس انتقاصاً بلا اجلالاً وتعظيماً وتذكيراً بأنها آمنت وهي في بيت أكبر طاغية، وكما كانت عزيزة في الدنيا أرادت أن تكون عزيزة في الآخرة: «رَبِّ ابنِ لِي عِندَكَ بَيتاً فِي الجَنَّةِ».
وبقيت مؤمنة حتى آخر نفس، فلم تطلب غير النجاة: «وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ».
لم تحول صفوها إلى كدر الحقد، ولم تدع عليهم لينزل العذاب بهم مخافة أن يغلق باب التوبة عليهم، ثم يجاورن سيدة الختام: «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ» شممت ريح السيدة مريم في آية (امرَأَتَ فِرعَونَ) كانت المرة الأولى التي استمع فيها التحريم لكن الطيبات تشم ريحهن في الطيبات، أيوجد مسكناً في التحريم لسيدة مريم؟ فيأتي صوت (أبو أنور) قاطعاً الشك باليقين «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ» ويعيدها سبعاً أو ثماني مرات، أتمنى أن تطول وأحيا بها العمر كله «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ» وهي الوحيدة التي يشرفها الوحي بذكر اسمها واسم أبيها، فكل النساء المذكورات بالقرآن الكريم لم يفصح عن اسمهن جلياً مثلها ومن الأمثلة، أتذكر أني يوم ارتديت الحجاب، وأنا ابنة تسع ارتديته من محبة خالصة لها، دون أن يطلب مني ارتداؤه، ومن رغبة طفولية بتقليدها، وتشبه بها، عندما كنت أتابع مسلسل (مريم المقدسة) قبل أن أعلم بوجود كلمتي الحلال والحرام في القاموس، ولذلك لغاية الخامسة عشرة بقيت ارتديه كما الراهبات، بعدها بدأت أختار الأوشحة الموردة أو التي تطير منها اسراب الفراشات كشيء يعبر لسيدة مريم عن محبتي.
بدأت أحس بأن مصطبة الاسمنت التي أسندني التعب إليها، تحولت إلى شيء حريري ويختم صوت (أبو أنور): «وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ»(3).
فأسأل يد الصوت أن تعيدني لسورة التحريم، فهنيئاً هنيئاً لساكنات التحريم، هنيئاً لهن وهن الموعودات بيوم: «يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة التحريم: 5.
(2) سورة التحريم: 11.
(3) سورة التحريم: 8.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat