تغليب المبدأ على المصلحة هو القانون العام الذي ساس به أمير المؤمنين ؏ البلاد والعباد أيّام خلافته ، وهذا القانون بطبيعته صارم ويواجه صاحبه مشاكل ومتاعب كبيرة وكثيرة وهذا ما حصل فعلا ..
يُلتجأ إلى هذه القانون عندما تتعرض المبادىء لخطر التحريف والتشويه ، وعندها تتوقف قواعد الضرورة وتتعطل أحكام العناوين الثانوية وما يساوقها والتي قد تكون في الظروف الطبيعية ضمن الصلاحيات والإمكانيات ، أي عندما يكون الأصل مؤمّناً عليه والمبدأ مُصاناً ومحفوظا ..
عندما يكون مِلاك درء المفسدة أكبر من مِلاك جلب المنفعة عندها لا يصبح لأحكام التزاحم موضوعاً ، ولا تبقى للمصلحة قيمة إذا كانت على حساب الأسس التي أنطلقت منها ، يقول عبد الله بن العباس : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله ، فقال لي : ( ما قيمة هذا النعل ..؟ ) فقلت لا قيمة لها ، فقال عليه السلام : ( والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلّا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلا ) .
وفي كلمات أخرى له سلام الله عليه يصرّح بشكل أوضح بأن مجيئه للخلافة كان من أجل هذا الهدف الكبير ، أي بيان وصون معالم الإسلام : ( اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان ، ولا إلتماساً من فضول الحطام ، ولكن لنُري المعالم من دينك ، ونُظهر الإصلاح في بلادك ، ويأمن المظلومون من عبادك ، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك ، فإن لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم وعملوا في إطفاء نور نبيّكم ، وحسبنا الله وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير ) .
من لم يعرف المباني السياسية والأسس المعرفية والفكرية التي إعتمدها أمير المؤمنين ؏ في حكمه وفلسفة إدارته للدولة سيصعب عليه قراءة تاريخ الخلافة في أيّامه ويخطأ في تحليل الأحداث التي جرت أبانها .. فما لم نعرف كبريات المسائل ونحقق بأمّهات القواعد لا نستطيع فهم ما تفرّع عنها ونتج منها ..
ولهذا لم تكن جميع الحلول متاحة لأمير المؤمنين ؏ كما كانت متاحة لمعاوية مثلاً ، فالغاية لا تبرر الوسيلة عند علي ، ولا يعمل بالمكيدة ولا يطلب النصر بالجور كما كان يفعل معاوية ، فلا ينتصر الحق بالباطل ولا تُحفظ المبادىء بما ينافيها .. يقول عليه السلام : ( والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر كنت من أدهى الناس ولكن كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة ) . يتبع
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat