اللوح المحظوظ
فاطمة السعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    لوح نحاسي انا اصفر لي بريقاً ولمعاناً يأخذ البصر، الى بيتٍ محبٍ لذي القربى ساقني القدر ، خطت عليّه سيدتي رؤياها وأودعتني تحت أطباق الثرى ، على يمين باب الدار، وأخفت الأثر.
      عصفت في  ذهني رياح الأفكار وأخذت تصول وتجول مثل دوامةٍ، يا ترى ما الذي يجعل  السيدة الجليلة تكتب هذه الكلمات هل هو الالهام الإلهي ام هي اضغاث اوهام  ؟
    طال تفكيري وتقطعت بي الأسباب ؛ثمان سنين مضت وأنا على هذا الحال أخذ مني التفكير مأخذ كنت أحلم ببصيص من النور ، حتى أخرجتي سيدتي وعرضتني على فتاة في مقتبل العمر، أغضضت بصري حياءاً وإحتراماً لجلالها ؛ يلها من فتاة النور يتجلى بين يديها إنها خولة بنت جعفر ،سمعت أمها؛ سيدتي اسماء بنت عمرو بن أرقم الحنفي  توصيها بي، وتؤكد عليها بان لا تفارقني مهما حدث لها من مدلهمات الدهر، ثم أرجعتني سيدتي أسماء حيث كنت.
     عدتُ الى مكاني وقد ازداد تفكيري بوصية سيدتي لابنتها  وكنت أعصر روحي شوقاً لأعانق النور في اليوم الموعود ،وبعد سنتين جمعت سيدتي بيني وبين ابنتها خولة وأوصتها بأن لا تفارقني، واخذت منها المواثيق والعهود.. 
   مرت الأيام والليالي وفي مساء إحدى الليالي الشتوية الباردة  نزلت سرايا جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد في الحي الذي فيه دار سيدتي ...
    وقعت سيدتي خولة أسيرة بين أيديهم وباتت مع الاسارى مكبلين، سهام البرد تصيب أجسامهم الضعيفة فترتجف في العراة لا لشيء سوى حب الحق ...
    وما ان طلع الصباح واضاء بنوره ولاح  ، حمل خالد بن الوليد السبايا الى المدينة قطعوا السهول والوديان ..... وكانت سيدتي خولة منهكة متعبة تجر بثيابها وتخفيني عن الأنظار كما اوصتها أمها حتى دخلنا المدينة وأقبلنا على مسجد الرسول.
فلما دخلتْ المسجد قالت سيدتي : يا أيها الناس ما فعل محمد؟ قالوا: قبض. قالت: فهل له بيت يقصد إليه؟ قالوا: نعم هذا قبره (صلى الله عليه وآله).
فنادت: السلام عليك يا أحمد يا محمد يا رسول الله، أشهد أنك تسمع كلامي وتقدر على جوابي وإنّا سبينا من بعدك، وإنا نقول لا إله إلا الله وإنك رسول الله، وجلست...

فوثب إليها رجلان من المهاجرين أحدهما طلحة والآخر الزبير فطرحا ثوبيهما عليها. 
فقالت: ما بالكم معشر العرب تصونون حلائلكم وتهتكون حلائل الغير؟
فقالوا: لمخالفتكم حين تقولون  نصلي ولا نزكي، وقد طرحنا ثوبينا عليك لنتغالا في ثمنك.
 فقالت: أقسمت بالله رباً وبمحمد نبياً لا يملك رقبتي إلا بما رأت أمي وهي حامل بي؟ وما قالت عند الولادة؟ وما العلامة التي بيني وبينها؟ وإلا إن ملكني أحدكما بقرت جوفي بيدي فيذهب ماله وتذهب نفسي فيكون المطالب بهذا.
 فقالوا: يا أيتها المرأة أبدي رؤياك التي رأت أمك وهي حامل بك حتى نبدي لك العبارة. وأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وعادا جالسين، حينها دخل رجل له هيبه ووقار سأل ما هذه الرجفة في مسجد الرسول؟
فقالوا له: امرأة من بني حنيفة حرمت ثمنها على المسلمين، فقالت: ثمني حرام إلا على من يخبرني بالرؤيا التي رأت أمي والعبارة لها.
فقال الرجل ما دعت إلى باطل أخبروها تملكوها.
قالوا:  من فينا يعلم علم الغيب، أما علمت أن   الرسول (صلى الله عليه وآله) قبض وأن أخبار السماء وديناها كان جبرئيل (عليه السلام) يهبط عليه بخبر ساعة فساعة.
قال أحدهم أخبرها تملكها
فقال الرجل: أخبرها أملكها بلا اعتراض أحد منكم. قالوا: نعم.
قال الرجل: يا حنيفية أخبرك أملكك. فقالت: من أنت الجريء دون أصحابك. فقال: أنا علي .
تناثرت من اجفانها العبرات وقالت:  لعلك الرجل الذي نصبك محمد (صلى الله عليه وآله) صبيحة الجمعة بغدير خم علما للناس. قال: أنا ذلك الرجل. فقالت: إنا من أسبابك أصبنا ومن نحوك اتينا، لأن رجالنا قالوا لا نسلم صدقات أموالنا ولا طاعة نفوسنا إلا للذي نصبه محمد فينا وفيكم علماً. 
فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): وإن أجركم غير ضائع، إن الله يوفي كل نفس ما عملت من خير. ثم قال: يا حنيفية ألم تحمل بك أمك في زمان قحط منعت السماء قطرها والأرض نباتها وغارت العيون حتى أن البهائم لم تجد رعياً ترعى، وكانت أمك تقول: إنك حمل مشؤوم في زمان غير مبارك، فلما كان بعد سبعة أشهر كملاً رأت في نومها كأنها قد وضعتك وكأنها تقول: إنك حمل مشؤوم في زمان غير مبارك، وكأنكِ تقولين لها: يا أمه لا تشأمي بي إني ولد مبارك أنشأ نشوء حسناً، يملكني سيد يولدني ولداً يكون لحنيفية عزاً.
 قالت: صدقت أنى لك هذا؟ قال: هو إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) لي. قالت: وما العلامة بيني وبين أمي؟ فقال (عليه السلام): إنها لما وضعتك كتبت كلامك والرؤيا في لوح من النحاس وأودعته يمنة الباب،  فلما كان بعد ثمان عرضت عليك فأقررت، فلما كان بعد عشر سنين جمعت بينك وبين اللوح وقالت: يا بنية إذا نزل بساحتكم سافك دمائكم وناهب  أموالكم وسابي ذراريكم وسقتِ فيمن سبي فخذي هذا اللوح معك واجتهدي أن  لا يملككِ من الجماعة إلا من يخبرك بالرؤيا وهذا اللوح. 
فقالت: صدقت، فأين اللوح؟ فقال: في عقصتك فدفعتني إلى علي (عليه السلام) .... فملكها دون غيره بما ثبت من حجته وإظهار بينته.
ثم قالت :يا معاشر الناس نفسي كما أمرني أهلي فقال الإمام (ع): قد قبلتك زوجة.
خلصها الإمام(ع)من الرق وبعث بها الى أسماء بنت عميس ،وبعد ان جاء أهلها امهرها وتزوجها  فأنجبت له ولداً أسمياه (محمد الأكبر وكنيته أبو القاسم )، فسمي بعدئذٍ بـ (محمد بن الحنفية).أما أنا بعد ان كنت أحلم ببصيص من النور ابصرت النور كله ،كنت لوحاً محظوظ

الموضوع السابق موازنة لسورة الكوثر لخمسة من المفسرين الأجلاء

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat