صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

ميثم التمار من حواري علي عليه السلام: الحواريون في القرآن الكريم (ح 5)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


كثير من المنافقين ذوي المصالح وقليل من الحواريين الملتزمين بايمانهم كما هم حوريوا الأنبياء والأوصياء كما جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى‌ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ اشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَ اتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ" (ال عمران 52-53) استقامة الحواريين: كان اليهود ينتظرون مجي‌ء المسيح بموجب ما بشّرهم به موسى، قبل أن يولد. و لكنّه عند ما ظهر، و تعرّضت مصالح جمع من الظالمين و المنحرفين من بني إسرائيل للخطر، لم يبق معه إلّا نفر قليل، بينما تركه الذين احتملوا أن يؤدّي قبولهم دعوة المسيح و التقيّد بالقوانين الإلهية إلى ضياع مصالحهم. بعد أن أعلن عيسى دعوته و أثبتها بالأدلّة الكافية، أدرك أنّ جمعا من بني إسرائيل يصرّون على المعارضة و العصيان و لا يتركون المعاندة و الانحراف‌ "فَلَمَّا أَحَسَ عِيسى‌ مِنْهُمُ الْكُفْرَ" (ال عمران 52)، فنادى في أصحابه و قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ‌ فاستجاب لندائه نفر قليل. كانوا أطهارا سمّاهم القرآن ب "الحواريّين" (ال عمران 52). لبّوا نداء المسيح و لم يبخلوا بشي‌ء في سبيل نشر أهدافه المقدّسة. أعلن الحواريون استعدادهم لتقديم كلّ عون للمسيح، و قالوا: "نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ اشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (ال عمران 52)‌. احظ أنّ الحواريين لم يقولوا: نحن أنصارك بل لكي يعربوا عن منتهى إيمانهم بالتوحيد و ليؤكّدوا إخلاصهم، و لكن لا يشمّ من كلامهم أيّ رائحة للشرك، قالوا: نحن أنصار اللّه، ننصر دينه، و نريدك شاهدا على هذه الحقيقة، لعلّهم قد شمّوا منذ ذلك اليوم رائحة الانحراف في المستقبل و أنّ هناك من يستدعي الوهيّة عيسى من بعده، فسعوا ألّا يكون في كلامهم ما يمكن أن يتذرّعوا به. ضمنا نلاحظ أن الحواريين عبّروا في كلامهم عن كونهم مسلمين، و هذا يدلّ على أن الإسلام هو دين جميع الأنبياء عليهم السّلام. و هنا ميّز المسيح عليه السّلام أتباعه المخلصين من الأعداء و المنافقين كيما يضع لدعوته برنامجا دقيقا و خطة مدروسة كما صنع نبي الإسلام صلى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك في بيعة العقبة. و بعد أن قبل الحواريّون دعوة المسيح إلى التعاون معه و اتّخاذه شاهدا عليهم في إيمانهم، اتّجهوا إلى اللّه يعرضون عليه إيمانهم قائلين: "رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ‌" (ال عمران 53). و لكن لمّا كانت دعوى الإيمان لا تكفي وحدها، فقد اتّبعوها ذلك بقيامهم بتنفيذ أوامر اللّه و اتّباع رسوله المسيح، و قالوا مؤكّدين: "وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ‌" (ال عمران 53). عند ما يتغلغل الإيمان في روح الإنسان لا بدّ أن ينعكس ذلك على عمله، فبدون العمل يكون ادّعاؤه الإيمان تقوّلا، لا إيمانا حقيقيا. بعد ذلك طلبوا من اللّه قائلين‌ "فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ"‌ (ال عمران 53). و الشاهدون هم أولئك الذين لهم صفة قيادة الأمم، و يوم القيامة يشهدون على أعمال الناس الحسنة و السيّئة. إن للوحي في القرآن معنى واسعا لا ينحصر في الوحي الذي ينزل على الأنبياء، بل أن الإلهام الذي ينزل على قلوب الناس يعتبر من مصاديقه أيضا، لذلك جاء هذا المعنى في الآية (7) من سورة القصص بشأن أم موسى التي أوحي إليها "وَ أَوْحَيْنا إِلى‌ أُمِّ مُوسى‌ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ" (القصص 7) بل إن الكلمة تطلق في القرآن حتى على الغرائز التكوينية عند الحيوان، كالنحل. و هناك احتمال أن يكون المقصود هو الإيحاء الذي كان يلقيه المسيح عليه السّلام بواسطة المعاجز في نفوسهم.
وعن حياة أحد حواري امير المؤمنين علي عليه السلام جاء عن مركز الاشعاع الاسلامي للشيخ صالح الكرباسي من هو ميثم التمار؟: هو ميثم بن يحيى التمار، وُلد بمدينة النهروان بالعراق، و كان عبداً لامرأة من بني أسد، ثم أسلم فاشتراه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و أعتقه، فأصبح ملازماً لعلي عليه السلام ملازمة الظل صاحبه فكان يحذو خلفه حذو الفصيل أثر أمه، فاكتسب من علومه و معارفه ما لم يكتسبه إلا القلة من حواري الإمام عليه السلام. كانت مهنة ميثم بيع التمر، و كان له دان يبيع فيه التمر، و لذلك لُقب بالتمار، و من طريف ما يروى أن أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علي بن أبي طالب عليه السلام أَنْفَذَ مِيثَمَ التَّمَّارَ فِي أَمْرٍ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ دُكَّانِهِ. فَأَتَى رَجُلٌ يَشْتَرِي التَّمْرَ، فَأَمَرَهُ بِوَضْعِ الدِّرْهَمِ وَ رَفْعِ التَّمْرِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ مِيثَمٌ وَجَدَ الدِّرْهَمَ بَهْرَجاً. فَقَالَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ عليه السلام: (فَإِذَا يَكُونُ التَّمْرُ مُرّاً). فَإِذَا هُوَ بِالْمُشْتَرِي رَجَعَ وَ قَالَ: هَذَا التَّمْرُ مُرٌّ. مذياع الفضائل: كان ميثم ناشطاً في نشر فضائل و مناقب الإمام علي عليه السلام بصورة خاصة و فضائل أهل البيت عليهم السلام بصورة عامة و فضح مخازي بني أمية لا سيما معاوية و من سار خلفه، و استمر ميثم في رسالته يحدّث بفضائل بني هاشم. قيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد فقال: ألْجِموه فكان أوّل خَلق اللهِ أُلجِم في الإسلام، ثم أمر ابن زياد بصلبه ثم قتله.
وحول عدم وجوب التقية عندما تتعارض مع رفعة راية الدين كما حصل مع الشهيد ميثم التمار رضوان الله عليه مع مشروعيتها في ظروف اخرى قال الله سبحانه وتعالى "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (النحل 106) جاء في كتاب اضواء على ثورة الحسين لسماحة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره عن التقية وعدمها في درء الفتن: فعمار بن ياسر عمل بالتقية حين طلب منه مشركوا قريش الطعن بالأسلام ونبي الأسلام. وبتلك المناسبة نزلت الآية الكريمة. في حين ان عدداً من الآخرين تركوا العمل بها ودفعوا حياتهم في سبيل ذلك كميثم التمار وسعيد بن جبير وحجر بن عدي وزيد بن علي. ولو كانت التقية واجبة الزاماً لكان حال هؤلاء وغيرهم على باطل، مع العلم أنهم لا شك على حق لأنهم متفقهون بالأحكام الإسلامية جزماً. ولاشك أنها مع ذلك مشروعة ، فيتعين أن تكون مشروعة بنحو التخيير لا بنحو الألزام. ومما دل على ذلك ما روي عن رجلين من أهل الكوفة أخذا. فقيل لهما: ابريا من أمير المؤمنين عليه السلام. فبرئ واحد منهما وأبى الآخر. فخلي سبيل الذي برئ . وقتل الأخر. فقال الإمام الباقر عليه السلام: (أما الذي بريء فرجل فقيه في دينه وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجل الجنة).
جاء في حديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال للنفر الذين لاقوه بالعقبة: (أخرجوا إليّ اثني عشر رجلا منكم يكونوا كفلاء على قومهم كما كفلت الحواريون لعيسى‌ بن مريم). قال الإمام الكاظم عليه السلام: (إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين حواري محمّد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله، الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/07/17


  أحدث مشاركات الكاتب :

    •  كلمات متقاربة اللفظ مختلفة المعنى في القرآن الكريم (أسرى، سريا)  (المقالات)

    • ضرر الفساد في أمثلة (ولا تبغ الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين) (ح 33)  (المقالات)

    • اشارات قرآنية من كتاب باب الحوائج الإمام الكاظم للدكتور الحاج حسن (ح 4)  (المقالات)

    • اشارات قرآنية من كتاب باب الحوائج الإمام الكاظم للدكتور الحاج حسن (ح 3)  (المقالات)

    • أحاديث نبوية متداولة في مصادر أتباع أهل البيت (ح 204)  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : ميثم التمار من حواري علي عليه السلام: الحواريون في القرآن الكريم (ح 5)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net