تجديد الفكر الإسلامي: الخلط المنهجي...
محمد الحمّار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الحمّار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أثناء متابعتي لأشغال " منتدى تونس للوسطية" في حلقته الأولى والتي التأمت في يوم 11جويلية 2012 تحت عنوان "تجديد الفكر الإسلامي: الأولويات والآليات"، لفتَ انتباهي أمرٌ أحرجني كثيرا. والذي زادني حرجا على حرجٍ هو عدم تفطن المشرفين على الندوة له. وحتى الأساتذة والباحثين الحاضرين كانوا مجبرين على مسايرة التوجه الذي توخاه الحوار على إثر المداخلة التمهيدية التي قدمها الأستاذ سليمان الشواشي.
كما يدل عليه العنوان، كان الموضوع التفصيلي المزمع تناوله في الإطار الأوسع لتجديد الفكر الإسلامي هو"الأولويات والآليات". وبما أنّ هذا العنوان يفترض عدة احتمالات لقراءته وفهمه (وهو ما لم يحدده المشرفون على الندوة)، كنت بادرتُ بإعداد مداخلة حول "الأولويات والآليات" وذلك اعتمادا على قراءتي الشخصية للموضوع المطروح، ما حدا بي إلى تأليف خلاصة لِما أراه مؤسسا لممارسة فعلية للتجديد، الآن وهنا (النص المرفق أسفله "عينة من مقاربة الأولويات والآليات"). وإذا بي أصطدم بمداخلاتٍ بعضُها تاريخي وبعضها الآخر تمجيدي للعديد من رموز التجديد والإصلاح. ولئن يقول قائل إنه لا ضير في أن نتعرف على تاريخنا ونقرأه من جديد وأيضا في أن نُذكر وننَوه بإضافة هؤلاء المفكرين الأفذاذ القدامى، فإنّ الحرج يأتي من عدم الحسم المسبق في السؤال التالي: هل يتعلق الأمر بأولويات وآليات التجديد (كما فهمتُه) أم بالأولويات والآليات التي سجلها التاريخ والتي جاءت من عند المجددين القدامى؟
ولمّا نعلم أنّ الإجابة عن هذا السؤال والتي تقتضي الحسمَ بما يتطلبه من تبنٍّ لأحد الخيارين الاثنين، ولمّا نعلم أيضا أنّنا نعيش في واقع مفتقر للتجديد (وإلا لماذا يطرح الموضوع من أساسه؟)، فكيف يمكن للمثقف الحاضر في القاعة أن يحسم باختيار الخوض في الجواب الثاني من دون أن يكون مُجددا هو نفسه أي داريا بالأولويات وبالآليات حسب مقاربته الخاصة؟ وهل يحق من جهة أخرى أن نؤاخذ المثقف الذي اختار الاجتهاد لتزويد الحضور بموقفٍ يخص الخيار الأول واجتنب الخوض في الخيار الثاني بناءً على أنه ليس مجددا وبالتالي ليس بقادرٍ على توفير أفكار بخصوص الخيار الثاني؟ وهل يجوز أن يُلامَ مَن لم يفهم ما هو المطلوب من المشاركين وممّن هو مطلوب؟
نتخلص إلى القول إنّ سوء طرح الموضوع قد كشف النقاب عن معضلة يعيشها المجتمع التونسي، والعربي الإسلامي عموما: فَهْمُ إشكالية التجديد من عدمها. لذا كان على المنظمين أن يوجهوا الدعوة لمجدد أو لمجددين إن هُم أرادوا التفاصيل في مجال الخيار الثاني. وكان عليهم أن يلقوا السؤال في نصفه الأول على حِدة، إن هُم أرادوا بَسطةً عن تجارب الأولين في التجديد. والعاقبة في الحلقة المقبلة.
عينة من مقاربة "الأولويات والآليات"
1. في باب الأولويات:
مستوًى تعليمي بلغ حدا لا يُطاق من التردي؛ أداءٌ لغوي عام يلامس حد الانهيار؛ بحثُ علمي غائب تماما؛ صناعة متأزمة وغير مبنية على قواعد صلبة؛ إعلام متعثر ومرتبك؛ أخلاق سياسية متدهورة، ومنه انشقاقات وتصدعات وانقسامات؛ أخلاق عامة سيئة جدا؛ مستوى متدنٍّ للثقة بالنفس وغياب كُلي للتصورات من أجل النهوض؛ وما إلى ذلك من مظاهر التخلف.
في ظل هذه المساوئ ما من شك في أنّ للفكر الإسلامي دورٌ من المفروض أن يلعبه لإنقاذ العباد والبلاد من هذه الأزمة العامة. لكن كيف ذلك؟
عموما، ينبغي أن يتمّ تجديد الفكر الإسلامي أولا وبالذات من خارج الإسلام المصدري، الكتاب والسنة، أي في المجال الفلسفي الشعبي والواقعي والسياسي والوجودي، لا لشيء سوى لأنّ الوجود في حياة المسلمين يحتوي بعدُ على مقومات الإسلام من آثارٍ ومن سلوكياتٍ طيبة ينبغي العناية بها والبناء فوقها، ولأنّ توضيب هذا الوجود يضمن جودة العلاقة بين الإسلام المصدري والمسلم، وبالتالي يُحولها إلى وقودٍ للحركة الإيجابية.
2. في باب الآليات:
أولا، آلية المنطق الأخلاقي، إن في السياسة أم في السلوك. هي قاعدة التمييز بين الحق والباطل كثنائية إنسانية أزلية قائمة قبل قدوم الأديان.
ثانيا، آلية المنطق التاريخي. لقد آمن الله لنا؛ ثم آمن الرسول لنا. والآن حان الوقت لنؤمن لأنفسنا علاوة على ذلك. وذلك بأمرٍ من الله تعالى وبتسيير من لدُنه. إذ يقول عز وعلا: " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا".
ثالثا، آلية المنطق السياسي للمسلمين. وتتمثل في كلمة ربما لم تُفهم في حينها للخليفة العباسي المتوكل: (847- 861م): “ما قرره الخلف لن يرفضه السلف”، مُعلنا بذلك غلق باب الاجتهاد، لكن مُعلنا أيضا ضمنيا فتح الاجتهاد من باب آخر. وهذا الباب هو في اعتقادنا باب الفلسفة الوجودية للمسلمين.
رابعا، آلية المنطق العلمي. فالعلوم الحديثة وفي مقدمتها الألسنيات و الإنسانيات والاجتماعيات هي الطريق المثلى إلى استقراء تعاليم الله والحِكم السنية: إننا مسلمون بعدُ والذي نحن بحاجة له هو استكشاف سبُلٍ للعيش منسجمة مع العصر وذلك عَبر ما نحمله من إرثٍ إسلامي في البنى الفوقية للفرد وأيضا في البنى المجتمعية مع شحذها بما يلزم من الإيمان ، لا شحن ذواتنا بفائض من الإيمان. فما زاد عند زيد إنما يقابله فراغٌ عند نظيره عمرو . ونسمي هذا "التكامل الإيماني".
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat