صفحة الكاتب : عباس العزاوي

المديح وحده لايصنع ديكتاتوراَ ياسيدتي
عباس العزاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 حول مقالة  الاعلامية السيدة هيفاء الحسيني (صناعة ديكتاتور) وماتناولته  في قضية المدح  للزعماء والسلاطين العرب كمرض  اجتماعي اختص به محيطنا العربي دون غيره. وقد كان فكرة مقالتي الاساسية هو تعليق على مقالتها وليس مشاكسة مني بقدر ماهي اضافة بسيطة الى مقالتها المقتضبة ولغرض اشراك الجميع بنقاش هذه المعضلة الحيوية في مجتمعاتنا العربية والاسلامية سأحاول بعقليتي البسيطة الاشارة الى الدكتاتورية وصناعتها او محاولة  خدش بسيط لهذا البحث الواسع والمتضمن لجوانب اخرى تشارك في ايجاد الحكم الفردي التعسفي , كالجوانب النفسية والاجتماعية لشخص الديكتاتور وعوامل بناءها ليصبح بعد ذلك موضع صراع  واشكالية بين ابناء الوطن الواحد كلاً حسب قربه وبعده عن منابع المنفعة ومراكزالسلطة كما حدث في العراق .

 
 في جميع انحاء العالم ومنذ فجر التاريخ  كان هناك من الطغاة المرده من صنعتهم الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية واوجدتهم الاخفاقات الكبيرة  في تاريخ البشرية وفشلها الذريع والفاضح في تبني او الاضطلاع بادميتها كما ينبغي.... فكان النمرود وكان فرعون... وكان نيرون وموسيلني وهتلر وستالين وتشاوتشسكو وآخر صعاليك الطغاة صدام .... ومازال البعض منهم يحكم البلاد العربية بعباءة الحرية المقننة والديمقراطية الشكلية...  هل صنع كل هؤلاء الطغاة المديح والاطراء فقط ؟  بالتاكيد لا ....
 
القضية  لاتقتصر على المديح ولا على التصفيق في صناعة الطغاة بل هناك عوامل اكثر تاثيراً  واعمق من هذه المظاهر الثانوية والتي من المفترض عدم تاثيرها في نفوس الناس العقلاء فالمدح لم يؤثر مثلا على بعض القادة  في التاريخ الاسلامي ... بل لم يسمحوا للمادحين حتى حضور مجالسهم بناءاَ على قول الرسول الكريم(( اذا رايتم المادحين فحثوا في وجوههم التراب) وقد قال علماء الاجتماع من قبل( ان الانسان نتاج بيئته).  لان البناء النفسي والاخلاقي ونوع المحيط التي نشأ فيها القائد هو من يحدد نوع الحكم الذي يتبناه في حال وصوله لسدة الحكم فلولا الارضية الصالحة والمتقبلة لزرع روح الدكتاتورية في نفس الفرد ( القائد) لما استطاع المدح او الاطراء من تغيير معدنه الحقيقي  باتجاه منطق الاقصاء ولغة الموت والرصاص ....
 
بل هناك منظومة كبيرة وفاسدة تخلق هذه الدكتاتوريات وتكون قريبة من مواطن القوة من اتباع وامعات لاتجد لنفسها حضور محترم في ايّ من شرائح المجتمع الا بايجاد الاخر وارتفاع شأنه وتكون بالتالي القضية مجرد تبادل للمصالح وضمان لحياة افضل وامتياز تفتقر اليه نفوسهم الضعيفة... وتخليهم السريع عن رموزهم الوهمية في المواقف الصعبة والمصيرية دليل انتهازيتهم وضعف ايمانهم بالشعارات التي يرفعونها......وهذه المنظومات هي من تؤسس للرئيس او للقائد الارضية الخصبة لنمو شخصيته في أذهان الاخرين  وتجلب او تجبرمن يصفق ومن يغني ومن يرقص له في محافله الشيطانية... بالاضافة الى الاعلام  الرسمي الموجه  الذي يضخ يومياً كميات هائلة من الانجازات الوهمية والخوارق التي يتفرد بها الحاكم ليقنع المواطن بمرور الزمن بألوهية هذا الحاكم وقدسيته  مدعّماً كل ذلك بالصور الشخصية للرئيس التي تملئ الشوارع والساحات والتي بدورها ترسخ مفهوم الخصوصية في هذا الشخص والقوة والسلطان وهذه قضية نفسية متفق عليها.
 
 مثال ذلك وضع صورة الفنانة كاترين دينيف على علبة احد انواع العطور الفرنسية لايهام الزبائن بصفة الجمال التي سيجعلها العطر في النساء التي تقتنيه او تضعه. او فكرة نشر الاعلانات على جدران البنايات وفي مداخل المترو وأماكن تجمع الناس وفي الاسواق ليدفع الناس لشراء السلعة المعروضة والاعتقاد بجودتها لما لهذه الاعلانات من تاثير سحري على نفوس الناس, وهناك الكثير من الوسائل الاعلامية الاخرى كالدعايات التلفزيونية والسينما والصحف والمجلات وغيرها..... فمثلما تؤثر هذه الملصقات في عقول الزبائن لدفعهم الى اقتناء البضائع المعروضة..... فصور القائد وحضورها اليومي امام الانظار وفي كل مكان تولد نوع من القبول الضمني والتسليم به كضرورة ملحة ومهمة للبلد ( قائد الضرورة) وانه يمثل رمز الوطن وقوته ( القائد الرمز) .
 
ولاننسى كذلك  ان نشير الى قضية لاتقل اهميه عن كل ماذكرنا وهو التاريخ الطويل المتخم بالدماء الذي يمتد  لمئات السنين من حكم القوة والبطش والرؤوس المتدحرجة والتفرد بالسلطة كحل وحيد لاستمرار وضمان راس صاحبها في مكانه . وبذلك تشكلت العقلية العربية ضمن  هذه المفاهيم  التي لاتخرج عن ضرورة كونها استبدادية لاتقوم الا على الغاء الاخر وحزّ راسه ان اقتضت الضرورة الوطنية!!!!!....  ومن جهة اخرى فان وقوع الحيف  والقهر المبرمج على الاخرين ( المحكومين) يورثهم في الوقت نفسه احساس قوي بفكرة التفرد بالسلطة كحالة لامفر منها في حالة تسنمهم مناصب مستقبلاً لذا تجد البعض من الناس تتغير اخلاقياتهم بمجرد وصولهم الى السلطة  في مناصب بسيطة كانت على مستوى مدير عام لمؤسسة او مناصب أعلى في الهرم السلطوي, وهذه كذلك تعتمد  في نتائجها التدميرية على التركيبة النفسية للفرد ورصيده الاخلاقي( البيئة او الاسرة). 
 
وعلى سبيل الطرفه يحكى ان شخص ملقب بكَاطع الاثول من اصحاب العقول الخفيفة وبعد انتماءه لحزب البعث وحضوره اول اجتماع حزبي وشحن عقليته الفارغة باهميته كعضو في الحزب من قبل الرفاق ومطالبته كعنصر هام في قيادة الدولة!!! بكتابة تقارير ضد المناوئين للحزب والثورة والخونه.... فما كان منه الا عاد الى بيته منتفخاً كالطاووس ليرد على امه التي سخرت من انتمائه وبانه لايعرف كوعه من بوعه فماذا سيجني الحزب من امثاله, فرد على امه المسكينة  بلهجة قاسية ملئها السذاجة والغباء \" اتسكتين لو اشكَج شكَـ بتقرير \".
 
الان وبعد انهيار الديكتاتورية ونتيجة للارث الدموي الثقيل في ذاكرة الاجيال المتعاقبة اصبح لدينا الكثير من (المثقفين) الجهلة الذين يطلقون مفردة الديكتاتور على اي شخص في الحكومة لايتفقون معه في اي قضية  كانت  وتحت مسمى (التكَرصة الحيه بيده ايخاف من راس البصل.. ربما لان راس البصل يشبه راس الافعى!!!) حتى ان تطلّب الوضع الراهن في العراق مثلا سلطة قوية تضرب الارهاب ومروجيه بيد من حديد  لاسيما الذين استبدولوا بدلاتهم الزيتونية  (بستايل) مدني جميل وانيق.....وايضا حاجة السفينة العراقية المتهالكة لربان واحد  في بعض مؤسسات الدولة يقودها لبر الامان في خضم امواج الارهاب ومؤامرات دول العار العروبي ولكن  مع ذرورة بقاء كل هذا عبر صناديق الانتخاب وليس عبرصناديق الديناميت.
هذه التهمة اصبحت شائعة وتستخدم حتى داخل بيوتنا وبين افراد الاسرة الواحدة بعد انتشار تداولها في الاعلام وتكرارها  يومياً حد الملل..... الولد يقول لابيه بعد حرمانه من الذهاب مع رفاقة لاماكن يجهلها الاب او حرمانه من مصروفه اليومي يقول له انت ديكتاتور..... والزوجة تقول لزوجها  في حالة اعتراضه على قضية ما تخصها او تخص الاطفال او حتى على طبخة لايحبها الزوج ويرفض تناولها.... تقول له انت دكتاتور ومتخلف في فهم المزاج العام للاسرة ورغباتها!!
 
 
قلوب الرعية خزائن راعيها, فما اودعها من عدل او جور وجده فيها.... الامام علي ع
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عباس العزاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/12/30



كتابة تعليق لموضوع : المديح وحده لايصنع ديكتاتوراَ ياسيدتي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net