صفحة الكاتب : بشرى الهلالي

مارد الخوف
بشرى الهلالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قبل مدة .. وضمن الرسائل البريدية التي تصل بشكل عشوائي الى العديد من المشتركين على شبكة ياهو، وصلتني دعوة - ليست لي بالطبع- بل موجهة الى شخص يطلب منه تعميمها الى عدد من المنظمات الحكومية والشخصيات المهتمة بالأمر. أما موضوع الدعوة فهو يتحدث عن التعاون مع معهد اكيودي الذي تم تعريفه باختصار على انه (مؤسسة دولية  تتبنى برامج لمكافحة الخوف وازلة مجالات الخوف والتهديد عن حياة الانسان اينما كان). ويعمل هذا المعهد تحت شعار (شارك بالعمل من خلال اجتثاث عناصر التهديد والخوف للناس المحيطين بك).

أحد الزملاء وصف هذه الدعوة على انها (تقليعة) جديدة من تقليعات منظمات المجتمع المدني التي تبدو كأنها عالجت كل المشاكل والاخفاقات على الساحة العراقية فأوفت التزاماتها فيما يخص مساعدة الارامل والايتام وتطبيق مبادئ حقوق الانسان ومحو الامية وغيرها من المشاريع التي تعمل عليها هذه المنظمات منذ نشأتها، فجاءت مكافحة الخوف ك(تقليعة) كما وصفها الزميل.

وقبل أيام أيضا، همس لي زميل يحذرني من الحديث بسوء عن رئيس الوزراء أو الرموز الدينية مدعيا أن من يفعل ذلك (يذبوه جوه)، جملة عادت بي الى الوراء حينما كان الخوف رفيقا لكل منا، فلم يكن أحد يتجرأ على قول أو فعل أي شئ يمس السلطة الحاكمة لانهم (يذبوه جوه).

وقبل يومين أيضا، ارتبكت جارتي عندما اقتربت لتحيتها وهي تقود سيارتها، فسارعت الى خفض صوت جهاز التسجيل ثم استبدلت قرص الاغاني بآخر فيه سور من القرآن الكريم، فنحن في شهر محرم –كما قالت- وأخاف ان يسمع أحد ما أغاني في السيارة.

بشكل غير محسوس، تسلل مارد الخوف الى النفوس لينهي نزهة قصيرة قامت بها الحرية لبضعة سنوات في بلد لم يفلت بعد من قبضة هذا المارد. هي نفس ملامح الخوف التي تغير خارطة الوجوه عند مرآى شرطي او أحد أفراد الجيش او شرطي مرور او موظف استعلامات في وزارة او حتى حارس أمن على باب مدرسة.

نهض المارد ثانية مذ اقفرت ساحة الفردوس، وجثمت سيارات الجيش والشرطة تحت نصب الحرية وصارت التظاهرات تخضع لتراخيص الحكومة. ربما لم يتسلل او ينهض بل انه لم يرحل أصلا!! فنحن نرضع كلمة (أخاف) مع حليب امهاتنا : الكل يخاف من الكل.. الطفل يخاف والده وان لم يكن الوالد (يخوف) تستعين الام بالخال او العم لاخافته في حال فقدت سيطرتها عليه. والطالب يخاف المعلم، وان لم يكن المعلم (يخوف) يستعين بالمدير لمعاقبة التلاميذ، ولو كان ذلك بالعصي. والزوجة تخاف الزوج، وإن لم يكن الزوج يخوف (يخرب البيت). وساسة البلد، ومن منطلق (أمام اللي ميشور محد يزوره)، ادركوا انه حتى الديمقراطية يجب ان (تخوف) والا (فلت) الشعب وصار يتدخل في كل صغيرة وكبيرة. وبما ان حليبنا ممتزج بالخوف ككل البضائع.. اتخذت احداث الساحة السياسية الجسام من نشرات الاخبار سكنا لها، وتوقف الحديث حتى عن مشاكل الكهرباء والخدمات والمفارز والحواجز ولحوم الحمير وانهيار التعليم والبطالة. ما زالت نظرات الريبة والشك تحاصر أي نقاش بين سني وشيعي، مسيحي ومسلم، وكردي وعربي، بل حتى بين ابناء الطائفة الواحدة على اختلاف ولاءاتهم، فهناك خلف كل مجموعة توجد اكداس عتاد وحمايات ومجاميع مسلحة وفرق موت ومقرات بسجون خلفية.

ما نحتاجه لمكافحة الخوف لن يوفره ألف معهد اكيودي او مليون منظمة، ولا يمكن ان يكون مجرد (تقليعة)، بل ثورة في داخل كل منا لبناء الانسان الذي يقول كلمة حرة دون ان يشعر بالخوف.

Alhelali_bu@yahoo.com

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بشرى الهلالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/12/20



كتابة تعليق لموضوع : مارد الخوف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net