خواطر ميسانية-- حقبة الخمسينات والستينات من القرن العشرين
د . حسن الدلفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بعد تصفحي للانترنت أثارني ماكتب بحق قضاء علي الغربي سطور لا تعدو ان يكون كاتبها يعيش الثمانينات وما بعد. مما اثار هذا الاطراء حفيضتي لأستغلال يوم الجمعة الرمضاني لاستعادة الذاكرة وتدوين مايمكن تدوينه لفترة ماقبل هذا...مفارقة أخرى عند زيارتي لأخي الروائي العراقي الدكتور جمعة اللامي الذي يرقد في المستشفى أسأل الله له الشفاء وهوعلى وشك انهاء كتابه الايشانيون....... يريد اثراءا عن فليفلة والسروط ....علمت عندها هي روميو وجوليت ميسان
المحلة المحمودية- العمارة-– المدرسة المحمودية للبنين
ضمن مرمى حجر من سوق العمارة المسقف المكتض بالمتسوقين من الريف والمدينة للتبضع كسائر الاسواق القديمة ترى الحلاق بعشرة فلوس والنجار لنجارة المحمل الملون جاهزا للبيت الزوجية وماكئرة اصحاب وصاحبات البسطات واحدة تطبخ الكراعين والباجة للمارة لوجبة لا تتجاوز العانتين. في عمر الست سنوات وتحت موس الحلاق حيث الصراخ لمشهد الحلاق لقص الشعر يطير الطفل رعبا من هوله وكانه مشهد زرق الابرة التي مابرح ان يتعرض لها في الحماية الذي في شارع دجلة حيث المضمد الصحي الذي يغلى أبر الوخز والصراخ والعويل لهذا المشهد المخيف للاطفال. مشهد سياط شرطيين التي تنهمر على الاعرابي الذي اخفى طول قماش بفتح الطاء تحت عبائته ...المال السائب (المعروض) يعلم على السرقة----- ....المغازات السراجين والصاغة المندائيين صناع الذهب والمنفاخ والميزان الصغير المدرسة المحمودية مكتضة بالتلاميذ وهناك صف اضافي عبارة عن صريفة خانقة ومكتضة وفي اعلى النخلة المطلة على باحة المدرسة من استعان بالتبلية لقص عثك التمر الذي رماه على الباحة المتربة وتلاقفتها الايادي الجائعة بترابها. المحمودية ليس في مفهومها تقبل التلاميذ الحفات واذا بي وأخي قد باشرنا في مدرسة الحفاة في مدرسة الماجدية الابتدائية للبنين ذات مسافة مشي عبر الجسر ومماشي الاسواق ... هذا الكاس يلمع وعيونهم تدمع.....ملعب على مرمى حجر من المدرسة .اتذكر مراقب الصف خنجر عذير ....ومعلم شاب ذو جئش يخافه التلاميذ ويتدافعون بالدخول الى الصفوف بعد دق الجرس اسمه استاد عبد الله.....لقد شاء القدر ان يشترى لي حذاء مستعمل بعانتين وكان ضيقا ترك بصمة موءلمة في كاحل قدمي حالة غير متعود عليها لبس حذاء مما انساني الظرف بفقدانه في ساحة مدرسة الماجدية وكأنه جسم غريب وبدون أثر لايجاده حتى يومنا هذا.
قد لا تخلو الحياة المجتمعية من الترفيه خارج المدينة فذا سيد عيسى على طريق البصرة وذات مرة كنت برفقة الاهل من النساء والجارات لزيارة ضريح سيد عيسى في وسط حقل أخضر حيث الكباب البيتي والخضرة والخبز وبالطبع الشاي في قوري الفافون في طاسة البناء وعلى جمر من الجلاء. وعلى مرمى حجر عيد نوروز في الدفاس حيث المكان المفتوح المكتض بالعوائل العماراتية والمراجيح البسيطة ودولاب الهواء والربل ذو الخلفية المدرعة بالشبك المدببة لمنع تسلق الاطفال وساحة ئانوية العمارة للبنين حيث اللعب بكرة القدم والتمشي الى السبع قصور وبيت محمد العريبي وكنيسة ليس بالبعيدة على امتداد الشارع حيث الجسر العائم من الدوب غرق مركب طويل محمل بالخشب. وهنك اطفال صغار يتلذذون برمي الحجارة على الباصات الخشبيىة العابرة للجسر وليس ببعيد قام الالمان بدق الركائز للجسر الالماني الذي مايزال شاخصا لتحمل زحام الطريق الى البصرة من قلب لواء العمارة
في فترة نهاية العصر حيث حديقة الادارة المحلية للواء العمارة يستعرض الحراس الليليون الباصوانية تعدادهم قبل البدء في عملهم لحراسة المدينة البدلة السوداء والنجمة الملصفة على العقال الاسود يكاد اي واحد منهم يلاقي صعوبة المشي المنتظم او اخذ التحية منظر يبعث جميع الحضورالى الضحك. طفل يعاني من الاسهال لا يسعفه المرحاض الشرقي القذر ربما الخروج مع أمه في باحة الباب في الشارع . وهنا يسمع البصاواني يردد عبارة—جيبة ليه—والأخر يجبه –عفي السبع- وليس ببعيد خر عبيد والحلفاية وتزاحم الناس على ماكنة الطحين عبر النهر قد يكون المشرح وعلى الجانب بيوت الشعر المحاطة بالستر المصنع من البواري القصبية علامة فارقة لتمكن هذة العائلة ماديا للوقاية من الشتاء القارس. القصب وصناعاته رزق وعمل رائج في مركز المدينة وظاهرة الحرائق تكاد تكون معتادة الحدوث. وفي فترة العصر تطوف شوارع المدينة المبلطة سيارات البلدية ذات الرشاش الخلفي يبعث رائحة طيبة يتبعها اعتدال وبرودة للشوارع وخلال السوق الكبير تجوب عربة يسحبها حصان لافتة مطبوعة وداعية لفلم جديد عنوانه ...هرقل الجبار......
ذات يوم تحتم علي الذهاب الى بيت العم صوب الجانب الايسر لقضاء علي الغربي التي ما ان وصلت السيارة في الليل ذو الظلمة الحالكة بعد معانات سفرة اخذت من العناء في الطريق الطيني توقفت السيارة لفترة ليس بالقصيرة بالقرب من قرية بيت العرص وفي القضاء حيث الانارة بفوانيص نفطية مثبتة على الحياطين ينتهي ضياؤها مع الصباح الباكر هكذا المرحوم جبير المسؤول عن ادارة دار الضايفة باعتبارها خدمة بلدية للقضاء في هذا الجانب, وماء الشرب ينتهل من نهر دجلة ذو الساحل الرملي الرمادي حيث يقمن النساء بغرف الماء من النهر مباشرة واما المقاهي يتم جلب الماء اليها من قبل السقة ياره رحمه الله تنكتين مثبتتين على خشبة تستند على منكبيه عانة واحدة للدرب الواحد. الجانب الايسر اكثر حظا من الجانب الايمن كونه واقعا على الطريق العام—بغداد- العمارة حيث يترزق الناس من السيارات المتوقفة فذا يبيع الباقلاء –ثلالثة بعشرة بالجيس—وذا يبيع العلج بعشرة فلوس وذا يجلب تنكة البنزين من البناية القريبة من الكمرك -- حنين الناسي-- والاطفال الذين يتسابقون لجلب البنزين جاسم ميدلي مهدي ميرعلي وحسن مجيد وجمعة مهيدي وفاخر علي ونفس هؤلاء الصبية يتناوبون بين بيع الباقلاء---بعانة سويت البايتة – ترديد يجعل الخلاف قائما بين الباعة المتجولين--- وجلب البنزين ذو مردود يسد رمق العيش والكسوة لفترة الدراسة والجانب الايسر يعج بمنادات الدلال آمه والدلال خلف الله رحمهم الله
ان اول مدرسة بنيت في علي الغربي هي مدرسة علي الغربي الابتدائية للبنين كانت تحمل كتابة –بنيت في زمن الجنرال مود---بناها الانكليز عند دخولهم علي الغربي عام 1916 شاء القدر ان اتفحص بنائها الرصين في عام 1991 عند لجوئنا الى مسقط الرأس, حيث السقف متكون من طبقات عازلة من البردي والبواري والخشب والبناء من الطابوق ذو ريازة بمنتهى الدقة. جاهدت ان تبقى هذه البناية كمعلم تراثي وسياحي للقضاء ولكن دون تجاوب ازال البعثيون التسمية ووضعو عليها --وحدة حرية اشتراكية-- في النصف الثاني من ال1950 احتضنت هذه المدرسة نشاطات رياضية لقضاء علي الغربي. وتميزت بحديقتها الجميلة المقابلة لنادي الموظفين ومجاورة لبستان خضير. المدير الازلي الاعزب الاستاذ عوني رحمه الله تخرج من هذه المدرسة الكثير من الاطباء والمهندسين والشعراء. الجانب الايمن من القضاء هو احسن مما عليه الان طرق معبدة ومجاري وبيوت عامرة مكتبة ممتازة وسوق مكتض تجد فيه الباسورك والحبة الخضراء والدهن الحر والمطاعم والمقاهي سوق مسقف التهمته النيران في مطلع السبعينات .رجوعا الى الجانب الايسر كان قد بنى الانكليز جملون المدرسة المسمات بمدرسة عبد الاله الابتدائية للبنين سميت وريثتها مدرسة الفتوة للبنين اتذكر حارسها المرحوم عبد الحسين الامي ومن ثم المرحوم غضيب. بقيت المدرسة الجملون لفترة طويلة متروكة يخشاها الاطفال بوجود طنطل في داخلها. بعده تم بناء المدرسة ذات الستتة صفوف ومديرها المرحوم علوان سلمان الصارم في ادارته وكان لديه سوط (قمجي) جلدي لازلت اتحسس ألمه بعد دفعي الطالب عواد عيسى مع قرائته في ساقية الحديقة المدرسية. اساتذة اجلاء يرحمهم الله استاذ حبيب ميرعلي .جبار شاهباز كطوف عبد الحسن استلذ تايه الاساتذة الاجلاء حسين خضير ومحمد سلمان وعبد الكريم جاسم وعمران موسى والمرحوم صاحب حاج حسين والاستاذ عبد الله حنون الكعبي والاستاذ عبد الحسن حاج شيخة لقد تخرج من هذه المدرسة نفر من المتميزين امثال كرم يارة الدشتي وحسن مجيد حسون الدلفي وغيرهم وكان استاذ نذير ذو اللهجة المصلاوية معاونا للمدرسة. في زمن المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم تم شمل هذه المدرسة بالتغذية المدرسية حيث شرب التلاميذ الحليب الحار وأكلوا اللبلبي والسندويجات بالاضافة الى ابتلاع كبسول زيت الحوت والفاكهة .وذات مرة كان كرم يارة مراقبا للصف وهو المسؤول عن توزيع الوجبة انفقدت تفاحة من الوجبة خبر بها كرم يارة المدير علوان متذرعا ان الذي سرقها ابن اخ للمدير في شعبتنا واسمه رحيم مما أثارت هذه الشكوى حفيظة المدير علوان وامام الصف استخدم المدير علوان القمجي لينهال بالضرب المبرح على كرم يارة بالرغم من الحلف بان كرم لم يكن من سرقها. منظر لا انساه وقاس جدا. ذات يوم وبعد مرور ثلاثة عقود التقيت المهندس كرم اكد لي بان جلدتة كانت دون حق وهو يقسم بانه ظلم وان السارق هو رحيم فعلا.
المدرسة الثانوية كانت بناية صغيرة عند بداية السوق تحولت فيما بعد الى بناية المدرسة الحسنية ومديرها الاستاذ عبد القادر شنتة والاساتذة جواد محمد علي. كاظم العكيلي . عبد الجبار الساعدي جبار شاهباز والشاعر شاكر البدري صاحب ديوان الاهوار وكثير الغزل بابنتة الباشكاتب وقتئذ.
احتضن قضاء علي الغربي الشاعرالعراقي الكبير محمد مهدي الجواهري حيث اهداه الملك وقتئذ مزرعة سميت باسمه وكنت اشاهده يسير الى مقهى داود سلمان للعب الطاولي والدومنة ويلبس الدشداشة وذو شعر طويل. وكانت مدينة علي الغربي حاضنة لكثير من المبعدين من الشيوعيين الذين وجدوا من اهل القضاء كل الترحيب عبر هولاء عن ايمانهم العقائدي في المناسبات الدينية التي كانت تحيى في رحاب مسجد علي الغربي الوحيد في الجانب الايمن حيث تقام الخطب وتلقى القصائد. وفي فترة الاعتداء الثلاثي على مصرعام 1956 هب الشباب هاتفين بسقوط النظام الملكي على اثر هذه التظاهرة داهمت الشرطة المحلية الطلبة من ثانوية علي الغربي حتي فرارهم الى مغيسل المقبرة. اتذكر وقتئذ نصيف جاسم الزاير الدلفي وعلي محسن الكعبي وعبد علي حسون الدلفي وعبد ذرب وآخرين من الجانب الايسر تمكنا من الفرار بعد التنكر بزي اعرابي ومن ثم الهرب
قطن الجانب الايسر من قضاء علي الغربي عوائل من الذهيبات امثال يت مفتن وحاتم مريهج ومحمد سيد وعبد الخان وبيت هور وبيت موسى كودي وبيت أحمد العيسى وعوائل اخرى بيت توكلي وكلي وبيت حسن شل وبيت عبد النبي ومن الدلفية علي الحسون ومجيد الحسون وفريح الحسون وبيت جاسم الزاير ولفتة الزاير وبيت علي نور علي وبيت محمود مصلاوي وبيت سيد نعمة وقد سمي هذا الجانب بالخان. والخان تعود ملكيته الى اليهودي ابراهيم منصور ابو نعيمة وفهيمة وحسقيل تم تسفيرهم الى اسرائيل كان ابراهيم منصور يمتلك قارب العبرة ايضا.
كانت مدينة علي الغربي نقطة عبور للماشية والاغنام على جهتي دجلة. فترى الاف من رؤوس الغنم يتم تعبيرها بالمعبر في القضاء الى ان تم البدء بانشاء جسر عائم في بداية الستينات والمقاول الذي نفذ الجسر وقتئذ هو عبد الهادي الجلبي كنا كطلبة استفدنا من ضيائه التحضير للدراسة والمذاكرة لساعاة متأخرة من الليل. سكنة الجانب الايسر من القضاء عبارة عن شريط سكني بين غابتي نخيل شيرولي وقيطاس يرحمهم الله. كان الصبيان في حينها يتلاقفون منها ماتساقط من التمر لسد جوعهم.
واما ضريح الامام علي الغربي (ع) يقع في الجهة الجنوبية من الجانب الايمن. بقربة من الضريح غابة من اشجار الغرب ساعدت في تحسين اجواء المدينة وهي متنفس للاهالي يشرف عليها بيت خضير الذهبي حيث بذل جهدا استثنائي في انبات الغرب في عام 1991
ليعيد لاشجارها بهجتها. والذهيبات هم سدنة للأمام علي الغربي وبالذاكرة المرحوم الحاج شاوي السعد.
وفي الجانب الايمن من القضاء سكنت عوائل في القضاء أمثال
بيت سيد هادي العلاق وبيت محمد علي الحكيم وبيت المرحوم نعمان وعبد الحسن التتنجي وحنون الحسن وبيت عبد العباس الدلفي وبيت عبد الغني الحكيم وبيت محمد علي العلاق وسلمان الجايجي وبيت ارخيص العقابي وعيسى المختار وبيت الحاج حسين وموسى مناحي.
يشهد قضاء علي الغربي مسابقات رياضية لجميع مدارس القضاء في الساحة الجنوبية من الجانب الايمن والتي طالما تكون واحة دائمة تحتضن مهرجانات الاعياد. هناك احياءات لعشوراء يشارك بها كل سكنة القضاء منطلقة من حرم المسجد القديم.
في بداية ثورة 14 تموز—1958 كان للحزب الشيوعي حضورا متميزا فقد ظهر الناشط حميد مجيد وآخرين تعرض بعدها الى الاعتقال وفي تلك الفترة بالذات تشهد ثانوية علي الغربي سابقة متميزة في الاحتفالات وتخليد ذكرى الثورة من خلال المسيرة التي تجوب القضاء ..استذكر وقتها الهتافات والهوسات ....زعيمنا الأول عبد الكريم قاسم زعيمنا الثاني مصطفى البرزاني..... اضافة الى اقامة النشاطات الفنية واخص بالذكر دور الفنان حسام سادة .
بعد محاولة حركة الشواف في الموصل ضد الزعيم عبد الكريم قاسم هب اهل القضاء بشبابهم وشيبهم بالتظاهرة لمساندة الزعيم عبد الكريم قاسم –حبال وهيب موجودة--- فبشخصي اليافع لم اكن ان اميز هل المقصود هو وهيب القصاب في السوق ام ماذا....تبين لي أنه عبد الوهاب الشواف
عند التطرق للقضاء يتراى للمخيلة غابة سيد يوسف في شمال الجانب الايمن كانت فعلا غابة كثيفة من الغرب تتدلى غصون اشجارها على الماء الجاري لدجلة حيث يجوبه الصيادون بزوارقهم الخشبية وهذه البقعة الخضراء هي متنفس لشباب وشيب القضاء والقادم الى علي الغربي يشعر بعذوبة هواء القضاء حيث المقولة –هواك ياعلي الغربي--- بعد مرور المسافر ببيئة الاهوار الرطبة في البصرة وميسان
حقيقة يجب التطرق لها هي ان علي الغربي كمدينة كانت ثرية بمواردها وسوقها لقربها لايران. ففي بداية السبعينات من القرن العشرين تعرضت المدينة الى نكبة التسفيرات القسرية من قبل الحكومة وبطريقة لا انساتية لحد ما.... خسرت فيها المدينة لكل قواها المنتجة بل اضمحلت لتصبح قصبة--- بيوتها مهجورة يخيم على من تبقى من أهلها السؤم والحزن وهناك من العوائل من أخفت وجودها خوفا من التسفيرات وانتقلت الى محافظات اخر. فترى البيوت والشناشيل قد تهرت وانعدمت فيها الحياة.