الوفاق الوطني رهنٌ بدخول حزب النهضة بيت الطاعة
محمد الحمّار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مضى قرابة الشهرين على اغتيال محمد البراهمي إيذانا باندلاع أزمة سياسية محلية حادة . والغريب في الأمر أنّ كل محاولات تسويتها تقريبا باءت بالفشل. لا ليّ الذراع بين المعارضة والسلطة كان مجديا، ولا وساطة الأطراف الراعية للحوار الوطني أسفرت على نتائج ملموسة بشأن بقية المشوار وبخصوص خارطة الطريق المزمع اعتمادها لاكتمال الانتقال السياسي.
مع هذا فإنّ الصراع الحقيقي والذي لا نشك قيد أنملة في أنه سيعود بالنفع على الفرد والمجتمع لا يدور على هذه الحلبة المعطبة والآيلة للسقوط وإنما على حلبة الحريات الصلبة. فقد سجل الإعلام نقاطا ثمينة أولا في قضية سفيان بن فرحات ثم بخصوص قضية زياد الهاني. وقد كان الإضراب العام (17 سبتمبر) مناسبة تضافرت فيها جهود فئات مختلفة من المجتمعَين المدني والسياسي لا فقط للذود عن حرية الرأي وحرية نشره وعن حرية حوز المعلومة و حرية نشرها وإنما أيضا للعمل على إيقاف تعسف السلطة التنفيذية على الحريات الفردية والمهنية بواسطة الالتفاف على القضاء. ثم هنالك المشهد النضالي لنقابات الأمن الوطني التي تبذل ما في وسعها لتطبيع العلاقة بين الجهاز الأمني ككل و المواطنين.
وإن دلت هذه المفارقة بين مسار حواري وطني فاشل من جهة ومسار مدني ومهني ونقابي ناجح من جهة أخرى فإنها تدل على أنّ ما يُسهل النضال السلمي ويؤهله لأن يكون حمّالا لنتائج ملموسة يستفيد منها صاحب الحق (الإعلاميون والأمنيون على سبيل الذكر)، كما حصل وما يزال يحصل الآن، هو غياب النزعة الحزبية والإيديولوجية واضمحلال عامل الانتماء الحزبي، ولو كان موجودا، أمام هدف الحرية المشترك.
وإذا أضفنا إلى هذا الاستنتاج أنّ غياب التحزب في المجال النضالي المدني والمهني والنقابي قد وفر على المناضلين من أصحاب الحق الإعلامي والحق الأمني، وغيرهم من أصحاب الحقوق، عناءَ التعامل مع نزعة الاستقطاب التي تعرقل محاولات الوفاق المتعلقة بالحوار الوطني، سنتبيّن أنّ الفعل النضالي المدني والمهني والنقابي قد وفر على نفسه، بناءً على ذلك، عناءَ الصدام مع إيديولوجيا حزب النهضة، عِلمًا وأنها مسؤولة بنسبة عالية جدا على ذلك الاستقطاب المانع للوفاق.
وهذا مما يضعنا أمام معادلة غير متوازنة. فبالرغم من أنّ مجتمعنا، ككل مجتمع، متشكل من مهنيين وعمال وموظفين وما إلى ذلك من شرائح منضوية تحت لواء الشغل وحق الشغل ولواء المهنة والحقوق الخصوصية لأرباب المهن (الحقوق بالمعنى الإنساني الشامل لا بمعنى العمل النقابي فحسب) والتي تتحرك بمنأى عن كل تحزب، سيما التحزب للنهضة، إلا أنّ المجتمع السياسي في تونس يبدو شديد الحرص على الانسلاخ عن هذه الهيكلة الطبيعية للمجتمع الواسع، فاتحًا الباب على مصراعَيه أمام الأحزاب، وأمام حزب النهضة من باب أولى أحرى، لاحتواء منظمات مركزية على غرار اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف ورابطة حقوق الإنسان وهيئة المحامين (وهو الرباعي الراعي للحوار الفاشل) وغيرها، ومن ثمة اختزال الحق العام والحق الشخصي والحق الأساسي والحق الأمني وحق الشغل وحق الإنتاج وحق التمتع بتوزيع عادل للثروات وغيرها من الحقوق، التي من المفروض أن تذود عنها هذه المنظمات، في صلب ماكينة سياسوية ضخمة لا تُبقي و لا تذر.
بكلام آخر، فلندَعْ جسم المجتمع الواسع يتحرك، بالتلقائية التي تُمليها عليه تركيبته الأصلية وبحُرية مسؤولة، أمام تحديات المرحلة الراهنة ولنساعدْه على الاستقلال إزاء الماكينة الحزبية السياسوية حتى تتحرر المنظمات الوطنية وتكون بالفعل راعية للحوار الوطني ومشاركة في توليد الوفاق، لا كما هي الآن رهينة لأطراف الحوار وبناءً على ذلك مكرسة لغياب الوفاق، مما تسبب للمجتمع بأسره في أن يروح ضحية التلكؤ والمماطلة والتسويف.
وستبقى المنظمات رهينة للأحزاب طالما أنّ إخواننا في الدين وفي اللغة وفي الوطن من قياديينَ وأتباعٍ وأنصارٍ لحزب النهضة، وهو بامتياز حزب الاستقطاب الحامل لبذور الممانعة الوفاقية التي تكبل الحوار و أطرافه ورُعاته، لم يطوّع نفسه لمنطق المجتمع وللعقل المجتمعي عموما ولم يدخل بيت الطاعة المحلي.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
محمد الحمّار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat