إسلام معية الثقلين لا إسلام المصحف منسلخاً عن إسلام الحديث ح29
مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
((اسلام معية الثقلين لا إسلام المصحف منسلخا عن الحديث ))
الحلقة 29
<<مغالطات في دعاوى تصحيح وتنقيح تراث الحديث >>
معيّة الثقلين
الحلقة الأولى من لقاء فضائية
المقدِّم : بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وهو خير ناصر ومعين ، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
أحبتي المشاهدين الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أرحب بكم في هذا اللقاء ، وأقدِّم لكم برنامج [معيّة الثقلين ] ، نستضيف في هذا اللقاء الباحث الإسلامي والأستاذ في الحوزة العلمية سماحة آية الله الشيخ محمد السند ، فأهلاً به في هذا اللقاء .
فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المقدِّم : بداية أشكركم على سماحكم لنا باستضافتكم في هذا اللقاء ، وعلى تلبية دعوة البرنامج ، فلكم خير الجزاء ، فضيلة الشيخ هناك من الحداثويين ممن تجاوز الخطوط الحُمر ، وتجاوز الثوابت الولائية للإمام الصادق عليه السلام في المسائل العقائدية ، فثمَّة مَنْ يرى أن القرآن يجب أن يكون معزولاً عن الإسلام الحديث ، ومن خلال ذلك يقوم بضرب الحديث تحت ذريعة التدليس والدسّ في الحديث والإسرائيليات وما أشبه ، وأنَّه لا بُدَّ من العمل بالحديث تحت شعار تصحيح التراث وتنقيحه ، فما رأيكم في هذه المقولة ؟
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين .
في الحقيقة هذا العنوان والشعار والمانشيت الذي ذكرتَه عنهم يحمل محاورَ عديدة مغلوطة ، أي لو اقتصرنا على هذا الشعار فقط وفقط فسنجده يحمل عدة مغالطات وعدة تزييفات تُدلَّس على الفكر والعقل والذهنية المؤمنة أو الإسلامية .
المحور الأول في هذا الكلام دعوى محورية أو إسلام القرآن ، فلنتدبر ولنقف ملياً حوله ، ما هو القرآن ؟ هل القرآن الكريم هو المصحف الشريف المقدَّس العظيم الموجود بين الدفّتين في الأوراق ؟ أم أن هذا تنزيلُ القرآن ومصحفُ القرآن ؟
إنَّ للقرآن ـ في الحقيقة ـ العديد من المقالات الغيبية منها " أم الكتاب ـ الكتاب المبين ـ الكتاب المكنون في رق منشور ـ اللوح المحفوظ ـ البحر المسجور " وما شاء الله من مقامات القرآن الكريم ـ وكذلك { أوحينا إليك روحاً من أمرنا } أي الروح الأمري ـ وهذا ليس هو المصحف ، بل هذه طبقات ملكوتية عُليا ، فهذا ملف كامل عن حقيقة القرآن .
على كل حال ؛ فهذا القول هو نظير " حسبنا كتاب الله " ، فما المقصود بمحورية القرآن هل هو محورية المصحف ؟ أو محورية جميع وكل طبقات القرآن ؟ وإذا قُلنا محورية جميع طبقات القرآن ، فمَنْ هو الذي يتناول جميع طبقات القرآن هل هم البشر أو العترة من آل محمد ؟
فبداية المغالطة في هذا الشعار هو هذا الملف ، فينبغي الخوض فيه مليئا ومبسوطاً .
ملف آخر : ما معنى الحديث الضعيف ؟ وما معنى الدسّ والتدليس ؟ وما معنى صحّة الكتاب ؟ وما معنى الإسرائيليات ؟ وما هي المباني فيها ؟ فهذه كلها محاور فضفاضة تُطلق عناوين هُلامية تمويهية ، أصلاً لن تجد تراثاً أعظم تنقية ورصاناً واعتماداً في كل تراث البشر وفي كل تراث الأديان وفي كل تراث المذاهب كتراث أهل البيت عليهم السلام ، وهذه ليست دعوى ، بل هي دعوى مدعومة بالأرقام والمصادر التاريخية و.. كثير من الأمور أُشير إليها في عدّة دراسات وكتب لأجيال وقرون .
فإذن : المقصود هو أن في هذا الشعار محاوراً عديدة يجب التأني فيها خطوة خطوة كيلا يُغلَّط ولا يُدلَّس ولا يُبهَم ولا يُستغفَل العقل والذهن البشري تجاه هذه الشعارات لذلك يجب الخوض فيها واحدة واحدة .
المقدِّم : فضيلة الشيخ ، بعض هؤلاء يقول أن القرآن تبيان لكل شيء ، وهو غير ناقص حتّى يستعين بالحديث ، لذلك فهو بغير حاجة إلى إكمال الدين بالأئمة وأهل البيت عليهم السلام ، بل الدين كامل بالقرآن ، وليس فوق القرآن شيء ، وبناءً على ذلك نراجع القرآن لوحده في أمورنا وفي عقائدنا وفي كل شيء.
الشيخ : في الحقيقة لنرجع إلى نفس المحور الأول ، أنه عندما يُقال : القرآن فيه تبيان لكل شيء ـ وهو بلا شك فيه تبيان لكل شيء ـ فأيُّ مقام ودرجة للقرآن فيه تبيان لكل شيء ؟ هل هي المصحف الشريف ـ وهي الدرجة النازلة للقرآن ـ ؟ فأين أعداد الصلوات ؟ وأين نصاب الزكاة ؟ وأين بنود الحج ؟ نعم فيه أصول تشريعية في القرآن ، ولكن بقية الأصول التشريعية كيف نجدها من درجة المصحف الشريف ؟
إذن : القرآن فيه تبيان لكل شيء ، والقرآن لا يداخله النقص ، صحيح وبلا شك ـ نقولها بعقيدة وإيمان ـ ولكن الكلام : أيّ طبقة من طبقات القرآن ، فإذا كانت في الطبقات العُليا الملكوتية التي شهد نفسُ القرآنِ الكريم بأنه لا يمسَّها إلا المطهَّرون ، ألست ـ أنت ـ تريد أن ترجع إلى القرآن الكريم ؟ القرآن الكريم يقول : الطبقات العُليا منّي لا يمسَّها إلا المطهَّرون ، يعني الطبقات العليا للقرآن لا يمسّها آحاد وعاديي البشر ، ولا العلماء ، ولا المفسِّرين ، ولا الباحثين ، ولا.. ولا ..
لاحظ ضرورة القرآن ، القرآن كتاب إلهي فيحتاج إلى معلِّم إلهي ، معلِّم يُعلِّم البشر هذا الكتاب الإلهي ، { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلِّمهم الكتاب والحكمة } فلماذا أصرَّ الله تعالى أن يكون المعلِّم لهذا الكتاب الإلهي هو معلِّم إلهي ؟ فليكن معلِّم ما هبَّ ودبَّ ؟! لا يمكن ، لأنه اتفاقاً لو أردنا أن نعتقدَ ونُبصر ونؤمن بصدق عظمة القرآن يجب أن نسلِّم أن هذا القرآن محتوي على هول من المعلومات ، هول عظيم من الحقائق ، هذا المحيط المترامي اللا متناهي ـ هو القرآن يصف معلوماته بهذا كما سيأتي في جملة من الآيات ـ فإذا كان القرآن بهذه العظمة ، بالله عليك هل يأتي عليك كلُّ مَنْ هبَّ ودبّ كزيد وعبيد ؟ فإذا كان لا يلمُّ بالكلمات الغريبة للمصحف ، فهل يمكنه أن يلمَّ بالطبقات العُليا ؟!
إذن : الطبقات العُليا للقرآن الكريم هي التي وصفت بأنها تبيان لكل شيء ، { حم * والكتاب المبين * إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنّا منذرين } فالكتاب المبين هو طبقة عُليا { ما من غائبة في السماء ولا في الأرض إلا في كتاب مبين } هنا تصفه سورة الدخان أو سور أخرى تصفه بالكتاب العلوي .
إذن : تنزيل القرآن شيء ، وعُلو الكتاب شيء آخر .
المقدِّم : يعني يمكن أن نفهمَ من كلامكم ـ سماحة الشيخ ـ أن القرآن فيه تبيان لكل شيء ، ولكن ليس تفصيلاً لكل شيء ، يعني التفصيلات الجزئية .
الشيخ : بل فيه تفصيل ، القرآن المصحف أو القرآن الغيبي ؟ القرآن المصحف أو القرآن أم الكتاب ؟ أنظر إلى سورة الرعد يشير الباري تعالى إلى كينونة أم الكتاب { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } فلماذا لم يقل : وعند البشر ؟ أي من الواضح أنه ليس بمتناول البشر ، بل عنده تعالى ، أنظر إلى الحديث النبوي المتواتر يصف نفس هذا المشهد القرآني الذي يصفه لنا سورة الرعد ( إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض حبل ممدود ) هنا لِمَ أتَ بالمفرد (حبل) ولم يقل (حبلان) ؟ أي أنه حبل واحد ، وهذا سنأتي إلى توضيحه إن شاء الله وبيان المغزى الحقيقي فيه .
( طرف منه عند الله ) { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } وليس عند الناس ( وطرف منه عند الناس ) فإذا كان القرآن الكريم هو نفسه يشرحه أن طرفاً منه عند الله ، فهذا الذي عند الله مَنْ الذي يتناوله ؟ مَنْ الذي يصل إليه ؟ لذلك القرآن الكريم في سورة آل عمران هكذا يؤكِّد ـ فحديث الثقلين كثيراً يظنّه البعض أنه حديث نبوي فقط ، بل في الأصل حديث الثقلين هو حديث قرآني ، ونبَّه أهل البيت عليهم السلام أنه في العديد من الآيات هناك تنصيص على مفاد ومضمون حديث الثقلين مثل سورة آل عمران { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأمّا الذين في قلوبهم زيف فيتَّبعون ما تشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } .
لاحظ هنا ( أنزلنا الكتاب ) الثقل الأول ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ) الثقل الثاني .
نفس القرآن الكريم يبين لك هنا معيّة الثقلين ، ونفس القرآن الكريم يبيّن لك ضرورة أن الكتاب الإلهي له معلِّم إلهي ، وليس لكل مَنْ هب ودبّ .
طبعاً هنا ـ من باب توضيح معترِض لكي لا يرد ولا يُعترض بوهم ـ ليس المراد تعطيل المصحف الشريف ، ولا تعطيل القرآن ـ إن قلنا القرآن مخصوص بالعترة من آل محمد وبالراسخين في العلم وهم الذين أفصح القرآن عنهم في آيات أخرى تبيّن حديث الثقلين مثلاً في سورة الواقعة { فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } ما الخبر الذي يريد الله تعالى أن يُقسم به ؟ وهو قسم عظيم ، وهو معيّة الثقلين { فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلا المطهَّرون } .
المقدِّم : سنواصل معكم هذه النقطة المهمة ، ولكن بعد الفاصل ، مشاهدينا فاصل ونعود فابقوا معنا .
المقدِّم : حياكم الله مشاهدينا أُرحِّب بكم من جديد ، وأُرحِّب بالضيف الكريم سماحة آية الله الشيخ محمد السند .
سماحة الشيخ كنتم تتحدثون عن القرآن والعترة ، وتفضَّلتم أن القرآن صحيح أنه فيه تبيان لكل شيء ، ولكن يحتاج إلى معلِّم إلهي وهم الراسخون في العلم ، فنرجو أن تفصلوا أكثر عن هذه النقطة .
الشيخ : نعم ، القرآن في سورة الواقعة يبيّن ضرورة معية الثقلين أن هذا الكتاب الإلهي كما أنه مُنزَل غيبي يحتاج إلى معلِّم له مدد غيبي ، { فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلا المطهَّرون } إلهنا ومولانا وسيدنا وخالقنا مَنْ هم المطهَّرون ؟ فقد أنبأ عنهم القرآن في سورة الأحزاب { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } .
إذن : هوية هؤلاء تم تشخيصها وهم أهل البيت عليهم السلام قربى النبي ، فلِمَ يحصر القرآن { لا يمسَّه إلا } ، فلاحظوا في سورة البروج { قرآن مجيد في لوح محفوظ } فكلمة محفوظ مثل كلمة مكنون ، فمجد القرآن مثل كرامة القرآن ، لاحظوا في سورة الواقعة وسورة البروج يصف المجد والكرامة ـ وإن كان المصحف عظيم ومقدَّس وناموس ولكن ـ طبقات القرآن العُليا لها مجد وكرامة مخصوصة مما يدلل على أن عظمة المقامات والمنازل العليا للقرآن ذات دور عظيم ، لاحظ هذه الآية { إنّه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسَّه إلا المطهَّرون أفبهذا الحديث } أي حديث ؟ حديث أن القرآن علوي لا يمسَّه ولا يصل إليه إلاّ المطهَّرون { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون } ترتابون { وتجعلون رزقكم أنكم تكذِّبون } بهذه السورة ؟ لا يمكن لأنها معيّة فوقيّة ، لاحظوا المناغمة والمطابقة بين سورة الواقعة وسورة آل عمران ، معادلة واحدة ومشهد قرآني واحد ، أنَّ القرآن ينادي لي صاحب وهو عترة النبي أهل البيت عليهم السلام ، لِمَ ؟ لأن هذا الكتاب ليس بشرياً نازلاً ، وليس منتوج بشري محدود متوقع قزم ، بل هو كتاب الله ، فإذا كان كتاب الله فيجب أن يكون المعلم كبيراً إلهياً لا معلماً بشرياً ، لأنه تقزيم للقرآن وحطّ من شأن القرآن ، هذا الكتاب الذي هو مهول ويصف نفسه { لو أن ما في الأرض من شجر أقلام والبحر من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله } فيصف نفسه باللا تناهي ، فإذا كان الكتاب بهذا الهول فهل يقول أن له معلماً وضيعاً وحطيطاً وذا ذهن محدود وذا علم قاصر ؟ لا يمكن ، ولا يُعقل ، لأنها معادلات لا متناهية وعقلية متناهية ، فهو عقلاً لا يمكنه تصوُّر ذلك .
إذن : لا بُدَّ أن { المطهَّرون } يُمدّون بمدد غيبي ، فهم ذو اتصال .
أعظم عماية تُبتلى بها الأمّة الإسلامية أنها تظنّ أن القرآن هو المصحف فقط ، أصلاً لاحظ أن صفّين حرب بصيرة ، فهي مواجهة بصيرة ، وملحمة بصيرة ، قادها أمير المؤمنين عليه السلام ليبيّن أن القرآن الكريم ليس ذا طبقة واحدة فقط ، فأيُّها المسلمون ألم يخبركم القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وآله { وعنده أم الكتاب } فنفس الطبري ـ وهو من كبار مفسِّري ومحدِّثي العامة وهو معاصر للشيخ الكليني رحمه الله ـ يعترف أن { أم الكتاب } يعني أصل الكتاب وأساسه ، وهو غيب ، وهذا مقام غيبي للقرآن ، وذلك في تفسير الطبري .
فإذا كان مقام غيبي ولدنّي وملكوتي فمَنْ الذي يطير إليه ؟ مَنْ الذي يتناوله ؟ إلا الذي عنده قُرب عند الله وهو الذي أفصح عنه القرآن الكريم { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } .
المقدِّم : فضيلة الشيخ ، وهؤلاء وكأنهم طبقات يعني هناك مَنْ { عنده علم من الكتاب } وهناك مَنْ { عنده علم الكتاب } .
الشيخ : طبعاً ، وهذا أمرٌ آخر يبيّنه القرآن الكريم أنّ أهل بيت النبي أعظم علماً من النبي إبراهيم وموسى ونوح ، وهذا لا نقوله نحن ، بل يقوله القرآن ، فهذه معادلات ومعلومات يقسِّمها ويصوّرها وينشرها ويبثّها القرآن الكريم في سوره ، يقول : أيها المسلمون وأيها المؤمنون أن قربى وعترة أهل بيت نبيّكم الذين ورثوا علم نبيّكم هم أعظم علما من نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، كيف ؟ لأن القرآن الكريم يصف نفسه بأنه مهيمن على بقية الكتب السماوية ، أي مهيمن على كتاب إبراهيم ونوح وموسى وعيسى ، فمَنْ ورثه ؟ يقول القرآن في سورة فاطر وسورة الواقعة : نعم ورثه أهل البيت عليهم السلام ، تقول سورة الواقعة { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسَّه إلا المطهَّرون } وليس مطهراً واحداً ، طبعاً العديد من السور بيّنها ونبّه على دلالتها ونوريّتها وشفافية بيانها أهل البيت عليهم السلام ، سور عديدة تحمل شعار ضرورة معيّة الثقلين، لا يمكن فصل هذين عن بعضهما البعض .
إذن : من عظيمة القرآن أن مَنْ يريد أن يتشدَّق ويستغفل الآخرين بعظمة القرآن يجب أن يضطر أن للقرآن معلماً عظيماً فوق المستوى البشري كما مرَّ بنا أن هذا ليس تعطيلاً للقرآن الكريم ، بل المصحف الشريف له درجات فضلاً عن القرآن !! وسنبيّن ذلك فيما يأتي من الحديث ، فالمصحف الشريف له درجات ، نعم درجاته السهلة في متناول عموم الناس ، أو نخب الناس ، أو خواص النخب ، أو خواص الخواص ، أي يصل إلى طبقات ، أما أن يتصاعدون إلى كل الطبقات فلا ، لذلك التصوير النبوي في حديث الثقلين ( حبل ممدود ) وليس ملفوفاً ( طرف منه عند الله ) أيّها العاقل السامع المشاهد ، هل لله حدّ ؟ لا ، فما معنى العندية الإلهية والقربية ؟ هل هي الحد ؟ لا ، يعلو علواً ولا يصل إلى حدّ ، ( وطرف منه عند الناس ) لاحظوا البيان النبوي كما هو بيان القرآن ، لم يصف أن القرآن كله بمتناول أيدي الناس أو بمتناول العلماء أو المفسّرين أو الفلاسفة أو العرفاء أو.. بل طرف منه ، وليس نصف منه ، وليس كله ، بل طرف منه ، فهذا التصوير أن القرآن لا متناهي ( طرف منه عند الناس ) .
إذن : القرآن ليس معطلاً ، أي الدرجات النازلة منه ، فلنشبِّه مثالاً يتَّضح للأخوة المشاهدين [الرياضيات ] وهو ليس علماً واحداً ، بل هي علوم متعددة من هندسة وجبر وحساب وهندسة فيزيائية وهندسة كيماوية وهندسة فضائية وهندسة جيمياوية وهندسة بيولوجية وهندسة وراثية و.. إلى ما شاء الله ، انفجار من المعلومات ، فالرياضيات ليس علما واحدا بل علوم ، فيا علماء الرياضيات هل اكتشفتم كل مجهولات الكون ؟ يقولون : لا ، ولا النزر اليسير ، كويكب الأرض لم نكتشف فيه كل شيء ، فكيف بالكواكب والمجرات والسماء ؟ لماذا ؟ أوليس في علم الرياضيات جواب كل المجهولات ؟ يقولون : نعم ، يوجد في علم الرياضيات جواب كل المجهولات ، فمَنْ صاحب الرياضيات الذي يستخرج كل هذه المجهولات ؟ يقولون : لسنا نحن ، لا آينشتاين ولا كاليلو ، ولا.. مَنْ ؟
الآن وعلماء الرياضيات منذ 12 ـ 15 سنة تقريباً اعترفوا أن كل علوم الرياضيات هذه منحدرة من تسع معادلات فقط ، عملية الجمع والطرح والضرب والقسمة و.. فكل العلوم الرياضية كالنووي والنانو والصغائر و.. فعلوم الرياضيات شبكياً متداخل في علوم كثيرة ، فأيُّها العلماء لديكم بعض المعادلات الأمّ فهل استطعتم أن تتجاوزوا وتقفزوا وراء سقفها ؟ يقولون : إلى الآن العقل البشري لا يقفز هذا الجدار { فارجع البصر ينقلب البصر خاسئا وهو حسير } بصر العقل والقلب ، فكلّما يريد أن يقفز يرجع خاسراً ، ويقولون : لو استطعنا أن نعرف وراء التسع معادلات ، دليلها وبرهانها ما هو ؟ لاكتشفنا مجهولات مهولة في الكون ، ولكننا لا نستطيع .
إذن: أيها العلماء ـ علماء الرياضيات ـ أنتم أصحاب الرياضيات ؟ يقولون لا لسنا أصحاب الرياضيات ، نحن أصحاب طرف منه ، فمَنْ هو صاحبه ؟ يقولون: سيأتي صاحبه ويفجِّر العلوم تفجيرا كما يقول البروفسور الألماني العاشق للإمام المهدي ، سمع مقطوعة معادلية من الإمام المهدي فعشق المهدي ، وقال : هذا الذي يبحث عنه الغرب ، هذا الرجل هو المخزون العلمي الذي يبحث عنه الغرب ، وأنتم الشيعة أخفيتموه ، وبدا للغرب وجهاً قبيحاً ـ والعياذ بالله ـ مشوَّهاً للإسلام ، كالقاعدة والتكفيريين .
ملخَّص الفكرة : أن في سور القرآن ـ ولن نستعرضها كلّها ـ تأكيد على ضرورة أن هذا الكتاب العظيم المهول أعظم الكتاب ـ كتاب الله وليس كتاب بشر وليس منتوجاً بشريا ـ يُراد إليه إلى معلِّم إلهي وصاحب إلهي ، فكيف علم الرياضيات ؟ وهذا ليس علم الرياضيات بل علم الكيمياء والفيزياء والجيولوجيا والفسيولوجيا وجميع العلوم التجريبية والقانونية والاجتماعية والإدارية والاستراتيجية وكل العلوم تقول : صاحبي لم يأتِ بعد ، فهؤلاء النخب البشرية إنما ينزفون طرفاً من العلوم ، وهذا ليس حديث القرآن فقط ، بل هو حديث كل العلوم ، تنادي : يا مهدي ، وتنادي : يا أبا صالح ، فالعترة هم أصحابه .
ومن ثمَّ هذه المعلومة وهذه الثقافة تنخر جميع العقول المؤمنة بل المسلمة بل البشر أن القرآن طبقات ، لماذا القرآن الكريم في كثير من السور يقول : إنّي أنا طبقات ؟ كالسور التي استعرضناها والكثير منها لم نستعرضها ، لماذا يقول ذلك دوماً ؟ لكي يبيّن حذارِ واصحوا وانتبهوا : لست أنا القرآن المصحف فقط ، بل المصحف طرف ، يقول النبي صلى الله عليه وآله ( حبل ممدود ) ولم يقل مجموع ولا ملفوف ولا مودع بل ( ممدود ) ، وطرف بيد الناس وطرف بيد الله ، وهذا الطرف لا نهاية له ، لأن الله ليس محدوداً .
إذن : هذه المعادلة وهذه الرسمة البديعة التي يرسمها لنا القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وآله ، مَنْ الذي يستطيع أن يطير ويتناول هذه المقامات الغيبية ؟ مَنْ يدّعِ شيئاً فيُفتضح ، فإن كنتَ تدَّعي الإلمام ، فأيُّها المفسِّر وأيها الفيلسوف وأيها العارف إن كنتَ تدَّعي الإلمام بالقرآن ، فهاتِ تبيانَ كل شيء ، أليس القرآن فيه تبيان لكل شيء ؟ هاتِ التبيان ، فإن لم تأتِ ولن تأتيَ إلى يوم القيامة ، فهناك شخص واحد يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فصحيح أن القرآن فيه تبيان لكل شيء ، ولكن مَنْ الذي يستخرجه ؟ مَنْ الذي يلمُّ به ؟ أهو زيد وعمر وبكر ؟
المقدِّم : إذن في نهاية هذه الحلقة نكتفي بهذا القدر ، وإن شاء الله بقية البحث في الحلقات القادمة يتَّضح أن القرآن طبقات ومنازل وأنَّه يحتاج إلى معلِّم ، وأنّه لا بُدَّ من معيّة الثقلين ، وأنَّه حبل ممدود بين الأرض والسماء ، طرف بيد الله وطرف بيد الناس .
نشكر لكم سماحة الشيخ آية الله الشيخ محمد السّند على هذه المعلومات القيّمة فجزاكم الله خير الجزاء ، وأشكركم مشاهدينا الكرام على حُسن التواصل معنا ، أملي أن ألتقيكم في حلقة قادمة ، فحتى ذلك الحين نستودعكم الله وإلى اللقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، شكراً لكم سماحة الشيخ .
الشيخ : حيَّاكم الله ، وأهلاً وسهلاً بكم .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat