صفحة الكاتب : راسم المرواني

صِناعةُ إمبراطوريـاتِ (الشَخْصَـنة) ... رسالة مقتضبة
راسم المرواني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


إن من أكبر المحن التي عاشها الأنبياء والأوصياء والثوار والمجددين على امتداد مسيرة التأريخ ، كانت تكمن في مواجهة (المتدينين الفاسدين) الذين يجيدون لعبة استنفار المجتمع بالعزف على أوتار مقدساته ، والذين يساتطيعون تعبئة طاقات (البسطاء) باتجاه إسقاط وإفشال أية محاولة من محاولات المجددين .
ولم يكن بوسع الأنبياء والثوار والمصلحين إفراغ المجتمع من محتواه (الديني الفاسد) بشكل كامل ، مع وجود (الكم والنوع) المتجذر في نفوس أبناء المجتمع من الموروثات ، وخصوصاً حين تتحول هذه الموروثات الى نوع من أنواع التعبد بالـ (الذوات المقدسة) والتي تحولت الى طواطم وآلهة بإزاء الإله الحقيقي سبحانه .
إن من الفهوم الخاطئة لدى البعض هو أنهم يتصورون بأن (الإشراك) يكمن في عبادة (الأوثان) الحجرية المنحوتة من قبل الناس أنفسهم ، وهذه نظرة محدودة ، لأن الأصنام التي يصنعها الناس من (البشر أنفسهم) هي أخطر من الأصنام الحجرية أو الخشبية المنحوتة والقابلة للتكسير والتهشيم والتهميش .
ولو أننا نظرنا الى مجتمعاتنا ، لوجدنا فيها ما يصعب إحصاءه من (الأصنام البشرية) التي يتعبد بها الناس بشكل واضح وجلي ، ولو إدعوا بأنهم يعبدون إلهاً واحداً لا شريك له ، ولو أنهم إدعوا بأنهم ضد عبادة الأصنام .
إن أول مهام الدين هي إلغاء فكرة (عبادة) الـ (شخص) ، والسعي لإرجاع (القدسية المطلقة) لله سبحانه وتعالى ، مع الحفاظ على قيم متفاوتة من (الإحترام) للشخوص والذوات التي تستحق الإحترام بما تحمله من قيمة (إنسانية) واجتماعية مؤثرة في مسيرة المجتمع وسعيه نحو التكامل النفسي والمجتمعي ، كما هو حاصل مع احترام الأنبياء ومن تبعهم في ثوراتهم الإصلاحية .
إن المجتمع لم يتخلص من عقدة (الشخصنة) حتى في تعامله مع الأنبياء ، فبدأ البعض يؤله الأنبياء ، وأخذ البعض الآخر يتخذ من الأولياء (طوطماً) ، وسار البعض على منهج الآباء في إسباغ صفة (الإلوهية) المبطنة لبعض الأشخاص ، ومن هنا نجد أن أغلب المسلمين قد أهملوا (القرآن) وتبعوا (الأخبار أو المنقولات) في تعاملاتهم (التشريعية) ، وهذا كله ناشئ عن (الشخصنة) لا غير .
لقد حاول الأنبياء وما جاءوا به من كتب سماوية ، أن يبينوا للناس أن الأنبياء وغيرهم ، ليسوا سوى (أدلة) الى الله للتائهين ولمن أعيتهم (الطرق) في الوصول إليه سبحانه ، ولذا نجد القرآن يحث على التنصل عن عبادة الأنبياء ، بقوله (وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل) ، لتكون العبودية لله وحده ، وليكون السجود لله وحده ، ولكي لا يتخذ البعض من الأنبياء والأولياء أو الرهبان أو الحاخامات أو علماء الدين ورجاله (آلهة) من دون الله ، ساعين بذلك سعي (الشرك الظاهر والخفي) في تعاملهم مع الرموز ، الدينية منها أو السياسية أو المجتمعية .
إن من أخطر نتائج (الشخصنة) هي أن تتحول صور الإعجاب والحب والطاعة الى صور أخرى لا تقل عن صور (التعبد) بالقول والفعل بالنسبة لأتباع الرمز ، وقد حصل ذلك مع الكثير من الأنبياء والساسة والقادة على مر التأريخ وفي زمننا المعاصر أيضاً ، حيث تحول (إتباع) النبي أو الوصي أو القائد أو الولي الى (وسيلة خالصة للتعبد) بهذا الرمز ، وإضفاء صفة (الإلوهية) عليه ، واتخاذه (هدفاً) بدلاً من اتخاذه (وسيلة) ، ومن هنا ، وحسب علمي القاصر وفهمي المتواضع ، فقد انقطعت النبوة عن الأرض بخاتم الأنبياء (ص) ، لكي يكون الطريق مباشراً للوصول الى الله .
وبنفس القدر من الخطورة ، تأتي الأحزاب (كلها) لتضع (طوطماً) في طريق الأعضاء ، وتأتي التيارات لتضع (طوطماً) في رؤوس الأتباع ، وتأتي الحكومات لتضع (طوطماً) بوعي الشعب ، وقد يكون هذا الطوطم شخصاً معيناً أو فكرة معينة أو آيديولوجية معينة ، تجمعها تسمية واحدة ، هي (المصلحة) .
ولذا ، نجد أن القرآن قد حارب فكرة الحزب والتحزب ، وسمى أتباع الله بـ (حزب الله) ، وهي تسمية عائمة لا تحتاج الى دليل أو ملف أو (اضبارة) شخصية أو (دوسيه) لتدل على الإنتماء ، بل كل ما تحتاجه هو اتباع طريق الحق ليس إلاّ .
لقد أشار الإمام علي (ع) الى خطورة هذا الفهم عبر مقولته الشهيرة (إعرف الرجال بالحق ، ولا تعرف الحق بالرجال) ، أي ، عليك أن تعرف سيرة وحجم ونوع الرجال من خلال تطابق عملهم مع (الحق) ، ولا تتخذ من الرجال ومواقفهم مقياساً للحق ، وهذا ما يحصل في الوقت الحاضر ، وفي الماضي أيضاً ، حيث تقاس نسبة الإنتماء (للحق) بمقدار نسبة الإنتماء (للأشخاص) ، حتى تحولت دفاعاتنا عن الحق وكأنها تدور في آلية الدفاع عن الأشخاص .
لقد لفت انتباهي ضخامة الحملة الإعلامية التي مارست دورها الجميل في الدفاع عن رسول الله (ص) حين استهدفته أصابع الحقد ضمن نشر الرسوم الكاريكاتيرية ، وكان هذا الدفاع مما يستدعي الشكر والثناء ، ولكنه بنفس الوقت مدعاة للإنتباه الى أن البعض بدأ يشعر بأن من (واجبه) الدفاع عن شخص الرسول (ص) في وقت يشعر فيه بأنه ليس معنياً بالدفاع عن (حق وشريعة) الله المستباحة بشكل علني ويومي .
وهذا واضح لدى البعض ، فحين يتجرأ أحد ما على شتم (الله) والذات المقدسة ، وحين (يكفر) بالله ، أو حين يشكل على آية في كتاب الله ، أو حين يرد على شرعة من شرائع الله ، أو حين يهزأ بالله ، أو حين يظلم الله ، فإن المسألة لدى البعض (قابلة للحوار والتفهم) ، وهي أهون من (شتم صحابي أو صحابية) أو أيسر من (الرد على ولي من الأولياء) وأخف من مناقشة (مرجع من المراجع الدينية والسياسية) أو (قائد من قادة الأحزاب) .
إن ما يتعرض له الرسول الأعظم وأهل بيته والمخلصين من أصحابه من هجمات وتخرصات من قبل البعض ، إنما هو نتيجة طبيعية من نتائج إغفالنا عن أداء دورنا في الدفاع عن الله سبحانه ، وأعتقد بأننا لو كنا قد حافظنا على (الكليات) لما تعرض أحد على (الجزئيات) ، ولو أننا أدينا الـ (الأهم) حقه ، فلن يجرؤ أحد على التعرض (لمهم)  من مهماتنا ، ولكن ، يبدو أننا قد ضربنا عرض الجدار بقاعدة من قواعد علم الأصول في (التزاحم) والتي مفادها :- (إذا تزاحم أمران ، أحدهما مهم والآخر أهم ، فيصار الى ألأهم ويُترك المهم) .


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


راسم المرواني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/30



كتابة تعليق لموضوع : صِناعةُ إمبراطوريـاتِ (الشَخْصَـنة) ... رسالة مقتضبة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net